بكين 10 يناير 2017 / لم يمر على بداية عام 2017 سوى عشرة أيام، ولكن عدة هجمات إرهابية زلزلت المجتمع الدولي، سواء أكان الهجوم البشع على المحتفلين برأس السنة في إسطنبول أم كانت إطلاق النار العشوائي بمطار في ولاية فلوريدا الأمريكية، ودقت ناقوس خطر ينذر بأن شبح الإرهاب لايزال يطل برأسه على العالم رغم ما أحرز من تقدم على الساحتين العراقية والسورية.
وفي هذا الصدد، رأى خبراء صينيون إنه عند النظر بعمق في الهجمات الإرهابية الأخيرة يتبين أن الاعتداءات من هذا القبيل باتت تحمل توجهات مختلفة وطابعا جديدا، وهذا يبرهن على أنه ليس بمقدور أي دولة التصدى لخطر الإرهاب بمفردها حيث صارت هذه الظاهرة العالمية تتطلب من المجتمع الدولي تضافر الجهود وتكاتف القوى لمكافحتها بكل حزم.
-- طابع جديد
وقد سلط الأستاذ شاو فنغ الباحث بمركز الدراسات الاقتصادية والسياسات الدولية في أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية الضوء على عام 2016 تحديدا، معربا عن اعتقاده بأن استمرار تفشى الإرهاب في العالم- رغم ما بذل من جهود مضنية وما اتخذ من إجراءات صارمة على الصعيدين الإقليمي والدولي للتصدى للأنشطة الإرهابية- يرجع في المقام الأول إلى الطابع الجديد الذي صار يغلف هجمات إرهابية أصبحت تحمل توجهات مختلفة.
وشرح شاو فنغ رؤيته، قائلا إن هذا الطابع الجديد يبدو واضحا في أربعة أوجه: أولها، تكرار وقوع هجمات إرهابية ذات قوة تدميرية هائلة تسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى على نحو يوجه ضربة قوية لأمن المجتمع الدولي واستقراره. وثانيها، تعرض الدول الغربية بوجه عام والأوروبية بوجه خاص لهجمات انتقامية على أيدى تنظيم الدولة (داعش) على نحو يتسبب في حدوث هزة شديدة في النظام الاجتماعي والنمو الاقتصادي بالقارة العجوز.
وثالثها، تزايد ظاهرة توجه الإرهابيين من العراق وأفغانستان وسوريا إلى البلدان الغربية وكثرة هجمات "الذئب المنفرد" على نحو يضع عملية مكافحة الإرهاب العالمي أمام تحديات جديدة. ورابعها، صعود تهديدات أخرى كامنة بخلاف تلك التي يشكلها تنظيما داعش والقاعدة ولا بد للمجتمع الدولي من الحذر منها، إنها تهديدات من جبهة النصرة ومن الهجمات المنبثقة عن مجرمين لا يرضون بنظامهم الاجتماعي ويتلقون أفكارا إرهابية عبر شبكة الإنترنت، على حد قوله الباحث شاو فنغ.
وشاطره لوه وي، وهو مساعد باحث بمعهد دراسات السياسات العامة في جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا، الرأي لافتا إلى الانتشار الجغرافي للهجمات الإرهابية التي يشنها داعش أو المنظمات الإرهابية الأخرى حيث أنها لم تعد تستهدف دول منطقة الشرق الأوسط فحسب،بل تمتد إلى جميع أرجاء المعمورة. وأضاف أنه مع كثرة استغلال المنظمات الإرهابية للتكنولوجيا المتقدمة وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي لتنشئة متطرفين،أضحت الهجمات الجماعية المنظمة أقل والهجمات المنفردة المتبعثرة أكثر، منوها إلى صعوبة الوقاية مسبقا من هجمات "الذئب المنفرد" مقارنة بالهجمات الإرهابية الجماعية المنظمة.
-- ضرورة تكاتف القوى
وأشار شاو فنغ إلى أن مكافحة خطر الإرهاب العالمي الذي تتزايد شوكته يوما بعد يوم مازالت تواجه تحديات جسام، عازيا ذلك إلى تعذر القضاء على مصدر ومنبع الإرهاب بين ليلة وضحاها، وإلى أن التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب يشهد خلافات وتناقضات يصعب تسويتها، ولاسيما تلك القائمة بين موسكو وواشنطن.
وحول مسألة التعاون تحديدا، ألمح وانغ ليان الأستاذ بمعهد العلاقات الدولية في جامعة بكين إلى أن بعض الدول تطبق معايير مزدوجة عند التعامل مع قضية الإرهاب، الأمر الذي يعرقل إلى حد ما من فاعلية مكافحة المجتمع الدولي للإرهاب، لافتا إلى أن مصالح الدول الكبرى تتشابك بشدة، وهذا يضعف بدوره من قوة الضربة المشتركة للإرهاب والتطرف.
واتفق لي قوه فو، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد الصين للدراسات الدولية، مع وانغ، قائلا إن مكافحة الإرهاب الدولية تمتزج بمصالح الدول الكبرى والخلافات الإقليمية المتشعبة، لدرجة أن بعض الدول تنتهز فرصة مكافحة الإرهاب لتحقيق مصالحها الذاتية، مضيفا أنه رغم عمق الإدراك الدولي لخطورة الإرهاب الذي صار واحدا من الظواهر التي تهدد أمن المجتمع واستقراره، إلا أن كفاءة المكافحة الدولية له مازالت ضعيفة، الأمر الذي يستلزم عزما ثابتا وتحركات فعالة من دول العالم.
وأضاف لي قوه فو أنه رغم الإنجازات التي حققتها مكافحة داعش في العراق وسوريا والتي صار معها القضاء عليه على الأرض مسألة وقت فحسب، إلا أن تأثير خطابه التحريضى لا يمكن الاستهانة به. وعلاوة عن ذلك، ستظل الخلافات الدينية والنزاعات الطائفية والتصارع بين الدول الكبرى وعدم التوازن في التنمية بين الدول والفجوة بين الأغنياء والفقراء وغيرها من الأسباب العميقة متشابكة ومؤثرة في هذا الصدد على المدى الطويل، وفي ظلها ستصبح مكافحة داعش أكثر تعقيدا.
واتفق الخبراء في ضرورة أن يعمل المجتمع الدولي في عام 2017 في اتجاه تعزيز الثقة والتنسيق المتبادلين، وتقاسم المعلومات الاستخباراتية، وتحسين آلية التحذير المبكر، وإيجاد أساليب ناجعة لمواجهة التهديدات الجديدة للإرهاب.
و"لابد لعملية مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، رغم كل ما حققته حتى الآن، لابد لها من التركيز في عام 2017 على العراق وسوريا حتى تتم استعادة جميع الأراضي والمدن التي استولى عليها داعش"، هكذا رأي لي وى الخبير في مكافحة الإرهاب بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة.
غير أن لي قوه فو أوضح أن اجتثاث تأثير داعش من جذوره لا يمكن تحقيقه عبر العمليات العسكرية فحسب، إذ لابد من إزالة التربة الخصبة التي ينشأ فيها، وذلك يحتاج إلى وقت طويل.
وفي الختام، قدم الخبراء خمس نقاط ينبغي تفعيلها لتحقيق تعاون دولي فعال في مجال مكافحة الإرهاب، ألا وهي مراقبة المشتبه بضلوعهم في أنشطة إرهابية، والحيلولة دون سقوط أسلحة في أيدي الإرهابيين، تجفيف منابع تمويل الإرهاب، قطع الاتصال بين الإرهابيين ومنعهم من استغلال شبكة الإنترنت لنشر أفكار إرهابية، ومنع التغطية المفرطة للأنشطة الإرهابية لكي لا تساعد وسائل الأعلام على انتشارها.