يتجه يوم 8 نوفمبر الجاري ما يقرب من 100 مليون ناخب امريكي لادلاء باصواتهم النهائية لانتخاب الرئيس الـ 58 للولايات المتحدة الامريكية. وقد شهدت حملة الانتخابات ملفات واسعة ومتنوعة محلية منها وخارجية، إلا أن ملف الارهاب في الشرق الاوسط أصبح أكثر الملفات الدبلوماسية اهتماما بالنسبة للناخبين الامريكيين. ومع هذا يعتقد الخبراء أن سياسة كلا من المرشحين ان كانت هيلاري او ترامب في الشرق الاوسط ستخضع في نهاية المطاف الى الراي العام المحلي والعديد من العوامل الذاتية، والرياح السياسية، واللعبة الاقليمية وغيرها من القيود الاخرى، ويخشى ان لا يتمكن الاثنين الخروج من هذه المعضلة.
مواجهة ضغط الرأي العام
سياسات ومقترحات هيلاري كلينتون كممثلة لنخبة السياسية السائدة صعبة دائما، وتتطلع للحفاظ على تعزيز الهيمنة الامريكية في الشرق الاوسط. ويعتقد البروفيسور فلينت لافريت أستاذ الشؤون الدولية في جامعة (بنسلفانيا)، أنه اذا تم انتخاب هيلاري كلينتون ستسعى للهيمنة على الشرق الاوسط وزيادة الدعم للمعارضة السورية، وزيادة القيود المفروضة على ايران، مع التاكيد على ترسيخ العلاقات التقليدية والاقليمية مع اسرائيل والمملكة العربية السعودية وبلدان أخرى. ومع ذلك، صعود ترامب خلال حملته الانتخابية يظهر ان السياسة الامريكية التقليدية ليست مقبولة داخليا، وحتى لو تم انتخاب كلينتون ستواجه السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط بعض الضغوطات من الرأي العام. وقال دياو دا مينغ خبير في الشؤون الامريكية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن الرأي العام الامريكي يميل إلى أن يكون "محليا" في القضايا السياسية الخارجية بما في ذلك منطقة الشرق الاوسط، ما يطلب تقليص القوات الأمريكية في الخارج، والتركيز على القضايا الداخلية ذات علاقة بالامريكيين. مضيفا، أن ظاهرة ترامب تعكس سخط الراي العام الامريكي تجاه السياسة الداخلية والخارجية الامريكية، وستضطر صناع السياسة في الولايات المتحدة الامريكية الى مواجهة ضغط الرأي العام في المستقبل. ويعتقد تشاو سوي تشانغ استاذ بجامعة دنفر الامريكية، أن زيارة الولايات المتحدة استثماراتها في الشرق الاوسط بات صعبا للغاية، لانها ستواجه رد فعل الراي العام. وبالاضافة الى ذلك، فإن الانخفاض النسبي للقوة الامريكية جعل حفاظ الاخيرة على هيمنها في الشرق الاوسط صعبا نوعا ما.
ورطة وجهات النظر المتطرفة
استخدم ترامب القلق العشبي تجاه قضية الشرق الاوسط: تهديدات الارهابية لامن وسلامة الولايات المتحدة، كورقة رابحة لجذب أكبر عدد من الناخبين الامريكيين، لكن الخبراء لا يتفقون معه في الاجوبة التي قدمها للراي العام. ويعتقد فلينت لافريت أن ترامب قال إنه ليس مثل هيلاري لا يسعى الى تحقيق الهيمنة في الشرق الاوسط، كما أعرب عن استعداده للتعاون مع روسيا للحرب ضد تنظيم " الدولة الاسلامية" ، لكنه نشر سلسلة من التصريحات المعادية للمسلمين خلال حملته الانتخابية، التي ستبقى عقبة أمام التعاون بين الولايات المتحدة وبلدان الشرق الاوسط اذا تم انخابه رئيسا. وقال تشانغ ون تزونغ باحث في معهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، أن كلمات ترامب تنتمي الى لغة الحملات الانتخابية الى حد ما، ولكن إذا ما بدء تنفيذه جزئيا بعد انتخابه مثلا، سيؤدي الى تفاقم العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الاسلامية، وسيضر بالصورة الامريكية في عيون المسلمين، وسيزيد ذلك من توريط أمريكا أكثر في الشرق الاوسط. وقال تشاو سوي تشانغ، أن الانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط، سيتعرض لمعارضة حلفائها في أوروبا والشرق الاوسط. وأن انخفاض نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، سيؤثر على لعبة جيوسياسية لاسرائيل والسعودية. وبالإضافة إلى ذلك، تقلق الدول الاوروبية القريبة من الانسحاب الأمريكي من الشرق الاوسط، الأمر الذي سيضطرها للمواجهة أكثر مباشرا مشاكل اللاجئين ، والارهاب والضغط الروسي. وقال دياو دا مينغ، أن السياسات غير السائدة لترامب ستخضع لضوابط وتوازنات الكونغرس، من الصعب الخروج من البيت الابيض. وحتى في حال انتخابه، سيصبح " سجين البيت الابيض".
البحث عن مكانة جديدة
وعلى مستوى تنفيذ السياسات، يعتقد تشانغ ون تزونغ أنه بغض النظر عمن يتم انتخابه رئيسا للولايات المتحدة لن تشن حربا واسعا النطاق على الارهاب، ولكنها سوف تتخذ مزيدا من الاجراءات ضد الارهاب، على سبيل المثال، زيادة ضربات جوية ضد تنظيم " الدولة الاسلامية" وتعزيز التعاون المخابراتي مع الدول الاوروربية في مجال ضرب الشبكات الارهابية والشبكات المالية، ونظام التعبئة والتدريب إلخ. مضيفا، سيزيد الولايات المتحدة تقديم الدعم والمساعدات العسكرية للاكراد في العراق، وتقديم الدعم للعمليات البرية ضد تنظيم " الدولة الاسلامية"، ولكن لن ترسل فريق القوات البرية الكبير النطاق. ومع تراجع تهديدات تنظيم " الدولة الاسلامية"، تسليط الولايات المتحدة وروسيا على الاختلافات في سوريا، والمخاطر المحتملة الناجمة عن الصراع. ومع ذلك، ستواجه الولايات المتحدة معضلة كبيرة في قرار وضع استراتيجية شاملة في منطقة الشرق الاوسط: اذا سعى لتحقيق الهيمنة في الشرق الاوسط، قوتها محدودة، ويعارضها الرأي العام. واذا تخلى عن المكانة السائدة في الشرق الأوسط، لن توافقها النخبة، ولا يتفق معه الحلفاء. ويعتقد تشاو سوي تشانغ، أن المعضلة الاستراتيجية في الشرق الاوسط هي صورة مصغرة للاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة. وتحتاج الاخيرة الى اعادة النظر في الوضع ودورها في منطقة الشرق الاوسط، ولكن أيضا مواكبة التغيرات في الراي العام والقوة الوطنية، لتعديل المفهوم الاستراتيجي العالمي وتخصيص الموارد لايجاد مكانة جديدة.