بكين 10 أكتوبر 2016 / وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم (الاثنين) إلى تركيا في زيارة يراها خبراء صينيون ترمز إلي إرتقاء مستوى العلاقات الروسية-التركية بعد تحسينها في أعقاب إسقاط طائرة السوخوي الروسية، إنطلاقا من احتياجات البلدين الجوهرية وظروفهما الخاصة المتمثلة للجانب الروسي في تقوية الدولة والنهوض الاقتصادي وتحقيق "حلم الدولة القوية" والمتمثلة للجانب التركي في تحقيق "رؤية 2023".
ومن المقرر أن يحضر بوتين خلال زيارته إلى تركيا مؤتمر الطاقة العالمي الثالث والعشرين في اسطنبول ويعقد اجتماعا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتوقع أن يتخلله توقيع اتفاقية بين الجانبين بشأن مشروع " السيل التركي" لنقل الغاز.
وفي ظل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأزمة السورية، رأى الخبراء الصينيون أن تركيا باتت تعتمد سياسة "براغماتية" بغية كسب المزيد من أوراق المساومة مع الجانب الأمريكي لخدمة أهدافها الجوهرية السابق ذكرها، مشيرين إلى أن توثيق العلاقات بين تركيا وروسيا هو اتجاه عام في الوقت الراهن.
مصالح مشتركة
وقال الخبير الصيني في الشؤون التركية دونغ مان يوان إن زيارة بوتين إلى تركيا ترمز إلي إرتقاء مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين. ومن أجل فهم دوافعهما الحقيقية، لابد من الإشارة إلي شواغلهما الكبري ومصالحهما الجوهرية في المرحلة الراهنة.
وشرح الخبير أن روسيا تأمل في تحقيق تقوية الدولة والنهوض والانتعاش الاقتصادي لتعزيز قوتها القومية الشاملة، فدافعها الأساسي هو "حلمها بأن تعود كقوة عظمى"، غير أن الظروف ليست مواتية بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، فالعقوبات الأحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليها أضرت بجهود بوتين.
ومن أجل كسر هذا الوضع، قام بوتين باجراءات عديدة، بما في ذلك التقدم الاستراتيجي نحو الشرق الأوسط ، والتدخل لعسكري في الأزمة السورية، ما أدى إلى تغيير الوضع في سوريا بشكل جذري، وتعريض المعارضة السورية لأزمة شديدة بشكل يصعب من بقائها، الأمر الذي زاد من قلق الولايات المتحدة إزاء وضع المعارضة.
ومن ناحية أخرى، قام بوتين بإجراء أخر كبير في المنطقة، ألا وهو تحسين العلاقات بين روسيا وتركيا.
فمن جانب الرئيس أردوغان، فإن دوافعه لتحسين علاقات أنقرة مع موسكو تنبع من احتياجات تركيا لأساسية انطلاقا من وضعيها الداخلي والخارجي لتحقيق "رؤية 2023 " لحزب العدالة والتنمية الحاكم من أجل لتحويل تركيا إلي دولة متقدمة وقوية تكون في مصاف أكبر عشر اقتصادات في العالم بحلول عام 2023 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية تركيا الحديثة.
وأشار دونغ إلي أن طموحات أردوغان لتحقيق الخطة بحاجة الي عوامل مساعدة، فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ليس بامكانهما تقديم مساعدة خاصة في هذا المجال (تقوية الاقتصاد التركي) نظرا لظروفهما الاقتصادية الخاصة، لذا اهتم أردوغان بتطوير علاقات بلاده مع إسرائيل وروسيا وغيرها من الدول الآسيوية الصاعدة، وانتهج سياسة "النظر نحو الشرق والتعاون مع الشرق" بتنمية العلاقات مع الصين والهند وكوريا الجنوبية وغيرها.
-تركيا بين روسيا والولايات المتحدة
ومن جهته، قال تشن شي، مدير مركز البحوث للعلاقات الصينية -الأمريكية، بجامعة تشينغهوا في بكين، إن الأزمة السورية الآن وصلت إلي طريق مسدود، إذ كانت موسكو وواشنطن تريدان استغلال اتفاق الهدنة لدفع الحل السياسي للأزمة السورية، غير أن تعارض البلدين في مجلس الأمن الدولي دفع بآلية الحل الأممية إلي مأزق. وفي الوقت نفسه، لا يرغب أيا من الجانبين في نشر قوات برية كبيرة لتجنب تكرار ما حدث في العراق وأفغانستان.
وأضاف أن "الوضع السوري معقد للغاية، لا تتورط فيه الأطراف السورية فحسب، بل يؤثر أيضا علي المصالح الاستراتيجية للقوى الإقليمية في المنطقة (بما في ذلك تركيا) التي تعاني من كل تغير يكتنف الوضع. حتى مع توصل موسكو وواشنطن لاتفاق هدنة، فإنه يصعب تطبيقه بصرامة في ضوء تباين حسابات تلك القوى".
وفضلا عن أن الغارات الأمريكية علي مواقع الجيش السوري تزيد من عدم ثقة الأطراف المختلفة بالاتفاق، أشار الخبير إلي أنه في ظل كسر اتفاق الهدنة وتعثر المفاوضات السياسية يصعب حل الأزمة بشكل جذري، مرجحا أن تلجأ إدارة أوباما إلى سياسات متحفظة خلال فترة الأشهر الثلاثة المتبقية لها في السلطة تاركة المجال للإدارة المقبلة.
وفي ضوء التجاذبات المستمرة مع الجانب الروسي، قد تسعى الولايات المتحدة إلي رفع حظر الأسلحة الاستراتيجية للمعارضة السورية، أي تمديد الأسلحة المضادة للطائرات والدبابات عبر قوى في المنطقة لإضعاف تفوق روسيا والجيش السوري جوا وبرا. لكن ذلك لن يتحقق بحسب تشن شي إلا بالتعاون مع قوى المنطقة والمعارضة السورية لمنع وصول الأسلحة الي أيدى الارهابيين، وهو وضع يدفع الولايات المتحدة إلى الاهتمام بعلاقاتها مع تركيا لتجنب الوقوع في وضع سلبي أعمق.
لكن بالنسبة لتركيا "البراغماتية "، رأي تشن أن "اقترابها من روسيا لا يعنى أنها ستتخلص من الولايات المتحدة بشكل قاطع، وإنما قد تجعل العلاقات التركية-الأمريكية أداة مساعدة لتحقيق طموحاتها. أو بعبارة أخرى إذا لم تجن تركيا فائدة من علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة تخدم رؤية 2023، فإنها حتما ستلجأ إلي قنوات جديدة"، مؤكدا أن "تطوير العلاقات مع موسكو هو اتجاه جديد وواضح لسياسات أنقرة".