تشن جينغ
هانغتشو التي تحمل لقب "فردوس الأرض" بفضل مناظرها الطبيعية السحرية، مدينة تجارية مزدهرة منذ التاريخ القديم. التراث التاريخي للمدينة زاد روعتها، في حين جعل حريرها ذو الخصائص المحلية شهرتها تمتد إلى أنحاء العالم.
الأجمل والأفخم في العالم
تمثال "ماركو بولو وهانغتشو" المنتصب على شاطئ بحيرة شيهو (البحرية الغربية)، يجسد صورة الرحال الإيطالي ماركو بولو بلحية وشارب كثيف، مرتديا قميصا طويلا، يحمل في يد كتابا سميكا وفي اليد الأخرى قلم ريش. يبدو أنه يتجول على شاطئ البحيرة، منتشيا بمناظرها الجميلة.
زار ماركو بولو هانغتشو في زمن أسرة يوان (1368-1271)، وسجل في كتابه المشهور ((رحلة ماركو بولو))، أن مدينة هانغتشو "تجمع بين العظمة والفخامة، وأنها من أجمل مدن العالم. تكثر فيها الآثار والمناظر، حتى يتخيل المرء أنه يعيش في الفردوس... هنا بحيرة كبيرة تقع في وسط المدينة، وتطل عليها بنايات فاخرة مترفة. بينما تتنقل العربات والقوارب بين الشوارع والأنهار لنقل البضائع وأبناء المدينة. وأظن أن عدد الجسور في هذه المدينة أكثر من عشرة آلاف..."
لاحظ ماركو بولو أن أبناء هانغتشو يرتدون ملابس مصنوعة من الحرير الطبيعي منذ القدم، فقد سجل في كتابه: "الرجل في هذه المدينة ذو بشرة ناعمة دقيقة مثل المرأة، وتتميز المرأة هنا بجمال فائق. يرتدي أبناء المدينة ملابس حريرية ومجوهرات غالية." أثنى ماركو بولو على هانغتشو كثيرا، ووصفها بأنها "المدينة الأجمل والأكثر فخامة في العالم". الآن، وبعد رحلته بأكثر من سبعة قرون، نُحتت هذه الجملة على قاعدة التمثال، لتكون دليلا على فتنة هانغتشو الفاخرة الرقيقة مثل الحرير.
طريق الحرير يربط هانغتشو بالعالم
الحقيقة أن تاريخ الحرير في مدينة هانغتشو يعود إلى وقت أبكر كثيرا من ماركو بولو. فحسب السجلات التاريخية، بدأ أبناء هانغتشو تربية دود القز قبل أربعة أو خمسة آلاف سنة. وفي فترة أسرة تانغ (618-907)، كان حرير هانغتشو من البضائع التي تقدم إلى الأسرة الإمبراطورية. وفي فترة أسرة سونغ الجنوبية (1127-1279)، كانت كل أسرة في هانغتشو تربي دود القز بغرض إنتاج الحرير، فحملت هانغتشو لقب "موطن الحرير" منذ ذلك الوقت. وفي تلك الفترة، انتقل حرير هانغتشو إلى الدول الغربية ودول جنوب شرقي آسيا والدول العربية عبر طريقي الحرير البري والبحري.
يقول البروفيسور لو يي شنغ من جامعة تشجيانغ، إن هانغتشو تتمتع بمكانة هامة في طريق الحرير من زاويتين تاريخية وجغرافية، وإن دورها الأهم يتمثل في الربط بين طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري. لقد ربطت قناة بكين- هانغتشو بين مدن العواصم القديمة؛ تشانغآن و لويانغ، وكايفنغ، وهانغتشو، وجعلت هانغتشو امتدادا لطريق الحرير البري، ومدينة تجارية دولية.
حاليا، ومع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، أتيحت لهانغتشو فرصة تاريخية جديدة. قال باو تشنغ تشي، رئيس معهد دراسات التوارث الثقافي في أكاديمية الفنون والثقافة بمقاطعة تشجيانغ: "يرمز الحرير إلى النعومة والنبل والفخامة والكرامة في الثقافة الصينية، وكان الإغريق القدماء يعرفون الصين بأنها "SERES"، أي موطن الحرير. كانت هذه قوة ثقافة الحرير قبل ألفي سنة. اليوم، تحمل هانغتشو مهمة تاريخية جديدة تتمثل في نشر ثقافة الحرير المحلية بالاستفادة من مبادرة الحزام والطريق."
هانغتشو تصافح العالم
من أجل توسيع قوة تأثير ثقافة الحرير والثقافة الشرقية، نظمت اللجنة السياحية لمدينة هانغتشو "رحلة حول العالم لسفراء هانغتشو"، تلبية لدعوة "الدبلوماسية السياحية" التي أطلقتها ووراثة روح طريق الحرير ونشر ثقافة هانغتشو، وخطها يحتوي على دول مختلفة في قارات آسيا وأوروبا وأمريكيا.
وفي هذه المرة، تم اختيار سائق سيارة أجرة اسمه تشو تشن وأسرته، والموسيقي الأمريكي كابالدي (Capaldi) وأسرته ليكونوا "سفراء هانغتشو للعلاقات العامة". تشو تشن سائق يتكلم الإنجليزية بطلاقة، ويحب التعامل مع الأجانب. فهو ليس سائقا لسيارة الأجرة فقط، بل "دليل" نشيط أيضا. كان هناك زوجان من فرنسا يزران هانغتشو للقيام بالدراسة حول الكتب الصينية الكلاسيكية القديمة. وقد طلب الزوجان من تشو تشن أن يرافقهما بسيارته لعدة الأيام، لكنه بدلا من أن يوافق على ذلك مقابل مبلغ مالي، قام بمساعدتهما بالاتصال باللجنة السياحية في هانغتشو لتوفيرهما سيارة مجانية لإكمال دراستهما. وقال تشو تشن إن أعمال الزوجين تساعد في نشر الثقافة الصينية، ومساعدتهما أهم من كسب الأموال لنفسه.
أما "السفير" من الولايات المتحدة الأمريكية كابالدي، فقد نال فرصة رحلة حول العالم عبر الإنترنت. يتكلم أربع لغات، بما فيها اللغة الصينية. يؤلف عدة الأغاني لهذه الرحلة وقال: "أشعر بأن العالم أسرة واحدة، ولا فرق بيننا. في هانغتشو، لا يوجد الأجانب، بل يوجد أهل الأسرة والأصدقاء."
يصاحب الحرير هذه الرحلة من الألف إلى الياء. ففي مدينة دونهوانغ، وهي محطة هامة على طريق الحرير، بادل سفراء هانغتشو لعبة الجمل بالحرير؛ وفي جزيرة ميكونوس (Mykonos) باليونان، أهدوا الحرير إلى قبطان سفينة كوستا؛ وفي مدينة البندقية الإيطالية، بادلوا مروحة مصنوعة من الدانتيل الإيطالي بالمروحة الحريرية الصينية. يرمز الحرير، بصفتها المنتج الثقافي العريق، إلى الحيوية الجديدة للصين القديمة، وروح هانغتشو المتمثلة في الانفتاح.
قال مدير مصلحة السياحية في هانغتشو، لي هونغ، عن هذه الرحلة: " إنها ليست رحلة حول العالم فحسب، وإنما أيضا هي توارث لروح طريق الحرير، وتنشر روح طريق الحرير إلى العالم كله."
هانغتشو اليوم ليست مصدر الحرير على مستوى العالم فقط، بل هي مدينة عالمية توفر البيئة المعيشية الجيدة لأبنائها وزوارها، وتصافح الأصدقاء من أنحاء العالم.