أحمد حسن عمر- وكالة السودان للأنباء
يوضح المسار الاخير لعلاقات الصين السياسية ومبادراتها الاقتصادية وموقفها العسكري بان تمددها قد وصل الى الشرق الاوسط الاكبر ، ولعدة سنوات ، كانت الصين تعتقد ان أمن الطاقة مهم للغاية من ان يترك لقوى السوق وحدها ، ومن ثم جعلت هذه المسألة اولوية من ناحية الامن القومي . واستطاعت الصين بسياستها المرنة والمعتدلة ان تنشي موطئ قدم لها في اسيا الوسطى ومنطقة البحار الاربعة والشرق الاوسط ، من خلال الضلوع بمشاريع بدءا من مد خطوط انابيب واقامة بنيات تحتية جديدة والى دعوات متزايدة من مواني بحرية كما تريد البلاد ايضا من علاقاتها العسكرية لحماية تلك المصالح وعلاوة على ذلك ، ان الطريق لهذا التوسع يشبه كثيرا طريق الحرير القديم وطرق بحر العرب التي اوصلت الصين لاول مرة الى الغرب . ومن هنا نبعت فكرة احياء طريق الحرير البري والبحري على السطح مرة اخرى من اجل استحضار الروابط التاريخية المشتركة على طول طريق الحرير في الوقت الذي تسعى فيه الى توسيع علاقاتها مع دول في وسط آسيا والقوقاز والشرق الاوسط . انضمت الصين الى منظمة شنغهاي للتعاون التي تم تأسيسها في عام 2001 م ، وتتكون من الصين وروسيا ودول وسط آسيا الاربع كازاخستان وقيرغيزستان وطاجكستان واوزبكستان ، الى جانب اربع دول مراقبة وهي ايران وباكستان والهند ومنغوليا وتريد الصين من هذا الحراك تحقيق تكامل اقتصادي تدريجي مع منطقة وسط آسيا وقد ركزت هذه الاستراتيجية بشكل كبير على استخدام الوسائل المالية لخلق شراكة وتعاون في مجالها الاقليمي في كآفة المسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية والنفط والغاز ولتدعيم هذه الاستراتيجية الاقتصادية امتدت استثمارات الطاقة الصينية المنتشرة على نطاق وآسع في الشرق الاوسط الكبير ، ولا سيما في حوض بحر قزوين واطراف اخرى مثل ايران وتركيا واليونان . في اطار الصعود الكبير الذي حققته الصين خلال العقود الثلاثة السابقة يلحظ انه صعود اقتصادي تميز بالسلمية ، وقام على مبادئ اساسية تعد ركائز ثابتة طالما استندت عليها سياسة الصين الخارجية في المجالين الاقليمي والدولي منذ استقلالها الحديث عام 1949 م ، تتمثل هذه المبادئ خمسة هي : الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة اراضيها ، وعدم اعتداء دولة اخرى او التدخل في شئونها الداخلية ، والتعامل على اساس المساواة والمنفعة المتبادلة بين الدول ، والحفاظ على التعايش السلمي والاستقرار على المستوى العلمي . حيث استمدت الصين من هذه المبادئ اهدافا متعددة سعت لتحقيقها بما يتوافق مع اعتبارات المصلحة القومية العليا لها ، وعليه اتجهت الصين خلال العقدين الاخيرين لبذل جهود وعمل دوؤب متواصل في مجال دفع السلام والتنمية في عديد من انحاء العالم ، حيث تحولت الدبلوماسية الصينية الى اداة ايجابية فاعلة في تعزيز دور الصين السياسي والاقتصادي والثقافي على المستوى العالمي ، بالشكل الذي جعلها ان تاخذ زمام المبادرة في السعي لاقامة علاقات خارجية جيدة ومتنوعة مع دول وشعوب العالم وهو ما يبدو من ناحيتين : الناحية الاولى تطوير الصين لعلاقاتها الخارجية بالقوى الكبرى من خلال النظام الدولي القائم ، الناحية الثانية : تدعيم الصين لعلاقاتها الخارجية بدول العالم النامي من خلال بناء علاقات تعاون متنوعة مع عديد من دول آسيا ، وافريقيا ، وامريكا اللاتنية ، وهي العلاقات التي تأخذ شكلين اساسيين ، يبدو الاول من خلال العلاقات الثنائية ، ويتمثل الثاني من العلاقات الجماعية عبر التعاون مع عدد من مؤسسات العمل المشترك ، ويأتي في مقدمتها منتدى التعاون الصيني الافريقي ، ومنتدى التعاون الصيني العربي . اذ ترى الصين في الدول النامية على نحو خاص اداة مهمة تساعدها على طرح مفهوم جديد للامن يؤمن صعودها السلمي كقوة دولية يمنحها صك الشرعية من المجتمع الدولي يساعدها على اقامة نظام دولي متعدد الاقطاب يسعى لتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع ، وعليه فان هنالك مصالح قومية واستراتيجية مهمة تكمن وراء الاهتمام الصيني بالدول النامية تتعلق بقدرتها على الحفاظ على استدامة تنميتها الاقتصادية ، وبالتالي استقرارها السياسي بما يؤمن حصولها على احتياجاتها من الموارد اللازمة للتنمية ، وايجاد فرص استثمارية هائلة حيث تهتم بالشركات الصينية لكي تكون قادرة على منافسة الشركات الاجنبية متعددة الجنسيات ، وتدعم الاستثمار خارج نطاق الصين ، وتسعى لجذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية لتوفير البئية الملائمة مع الايدي العاملة الرخيصة والمدربة ، حيث نجحت في اقامة المدن الصناعية العملاقة ، وهي الآن تعد من اكبر الدول المتلقية للاستثمارات العالمية .وفي المجال السياسي تسعى الصين الى ان يكون لها دور ايجابي فاعل تجاه عديد من القضايا والمشكلات الدولية والاقليمية ، كما اتجهت الى تسوية سلمية لعديد من خلافاتها ونزاعاتها الحدودية مع عدد من دول آسيا الوسطى ، كما سعت الى تشكيل لجان تنسيق وتشاور مع المجتمع الدولي بشأن قضايا النزاع في قارات العالم المختلفة بحكم موقعها في منظمة الامم المتحدة ومجلس أمنها الدولي وهذا يعكس صدق ونوايا الصين في عملية ترسيخ السلام والامن الدوليين ، لانها دولة محبة للسلام وتعمل من أجله . وفي هذا الصدد اتجهت لاعادة هيكلة صنع سياساتها تجاه القارة الأفريقية منذ عام 1997 م بانشاء عدد من الادارات الخاصة في وزارات التجارة الخارجية والتعليم والزراعة والدفاع الوطني ، وكذلك انشاء عدد من المراكز والمعاهد البحثية والتعليمية المختلفة بالدراسات الافريقية بهدف تنمية العلاقات المتنوعة مع هذه الدول . المتابع لسياستها الخارجية يجد انها دوما تسعى الى تحقيق اهداف سلمية تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شئون الاخرين ، كما نجحت في اقامة علاقات وطيدة وقوية مع كآفة دول العالم الثالث النامي تركيزا في اطار علاقاتها الخارجية سعيا للمشاركة في رسم السياسات العالمية في اطار نظام دولي متعدد القطبية وتصب جل شأنها وتركز على الادوات الاقتصادية في المقام الاول تليها الادوات السياسية والثقافية ،ومن هذا المنطلق يرفض قادتها فكرة ان تكون الصين القطب الواحد المهيمن على العالم .