غزة 12 أغسطس 2016 /يبدي الشاب مهند الشيخ من قطاع غزة حماسة شديدة للمشاركة في انتخابات البلديات الفلسطينية في أكتوبر المقبل بعد أن انتظر عشرة أعوام منذ بلوغه السن القانونية لممارسة حق الاقتراع.
وستكون هذه أول مرة يختبر فيها الشيخ (26 عاما) عمليا معنى الانتخابات، وأن يختار من بين عدة قوائم من يمثله حتى لو كان ذلك يقتصر على مجلس الهيئات المحلية.
وبالنسبة له فإن التجديد الديمقراطي لمجالس إدارة البلديات ذات الطابع الخدماتي البحت لن يحقق على الأغلب تحسنا لأزماته كحال غالبية الشبان في قطاع غزة المنهك اقتصاديا وإنسانيا.
ومن المقرر أن تجرى انتخابات المجالس المحلية في الثامن من أكتوبر المقبل بموجب قرار أصدره مجلس وزراء حكومة الوفاق الوطني في 21 يونيو الماضي.
وكانت آخر انتخابات فلسطينية موحدة جرت للمجلس التشريعي الفلسطيني في العام 2006 وسبقتها انتخابات المجالس المحلية (البلديات) والانتخابات الرئاسية في العامين 2004 و2005.
وفي العام 2006 كان الشاب الشيخ ينقصه عدة أشهر لبلوغ السن القانونية للاقتراع دون أن يعلم أنه سيحتاج كل هذا الوقت للانتظار.
ويقول عن ذلك "مضت عشرة أعوام دون انتخابات، فكرت كثيرا في شعور الاقتراع وشكل الحبر على أصبعي حتى أن اليأس أصابني في أننا قد لا نشهد انتخابات أبدا في قطاع غزة ".
ويعتبر هذا الشاب، أن أحد أشكال "الظلم" الواقع على فئة شباب قطاع غزة إلى جانب ما يعانوه من بطالة وفقر "مصادرة حقنا في التعبير عن آرائنا واختيار ممثلينا بما يخدم مستقبلنا نحن وليس الأحزاب الحاكمة".
والشيخ حاصل على شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة محلية في غزة، ويعمل حاليا بموجب عقد حكومي للتشغيل المؤقت لعدة شهور بعد أن ظل ثلاثة أعوام منذ تخرجه عاطلا عن العمل.
وفي يوم الشباب العالمي الذي يصادف اليوم الجمعة، يأمل الشيخ أن تشكل انتخابات البلديات الفلسطينية المقبلة فرصة لتحسين أوضاعه وأمثاله من الشباب في قطاع غزة ولو بحد أدنى من توفير فرص عمل.
وتشكل نسبة الشباب من (15 إلى 29) سنة في فلسطين،بحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بمناسبة اليوم العالمي للشباب، 30 في المائة من إجمالي سكان.
ويشير التقرير، إلى أن بيانات مسح الشباب الفلسطيني 2015 أظهرت أن نسبة الأسر التي يرأسها شباب (15-29) سنة تشكل 14 في المائة بواقع 13 في المائة في الضفة الغربية، و17 في المائة في قطاع غزة.
كما تشير البيانات إلى أن 72 في المائة من الأسر لديها شاب واحد على الأقل، بواقع 71 في المائة في الضفة الغربية و74 في المائة في قطاع غزة.
وحول إمكانية المشاركة بأي استحقاق انتخابي ، أفاد 40 في المائة من الشباب (15-29) سنة، بحسب التقرير، بأنهم سيشاركون بذلك بواقع 29 في المائة في الضفة الغربية و57 في المائة في قطاع غزة، في حين أفاد 29 في المائة بأنهم ربما سيشاركون، و13 في المائة ربما لا يشاركون، و18 في المائة اكدوا أنهم لن يشاركوا بواقع 16 في المائة في الضفة الغربية و21 في المائة في قطاع غزة.
ويشارك الشاب حاتم عليان في مطلع العشرينات من عمره الشيخ نفس الطلب، معربا عن أمله بأن تقدم الانتخابات المقبلة من يضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار ويعمل من أجل المصلحة العامة فقط.
ويعمل عليان بائعا متجولا للمشروبات الساخنة على شاطئ بحر غزة، ويقول إنه لم يقرر حتى الآن المشاركة في الانتخابات من عدمه لكنه متشجع لإجرائها من أجل "تغيير الوضع المتأزم الذي نعانيه".
ويضيف أنه يأمل من المجلس البلدي المقرر انتخابه في مدينته أن يركز على خلق فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل بما في ذلك تنظيم الأسواق الشعبية ووقف ملاحقتهم بالضرائب والتضييق عليهم.
كما أنه يطالب بتحسين الخدمات العامة خاصة أزمتي الكهرباء والمياه ودفع مشاريع تعزيز البني التحتية شبه المنعدمة في أغلب مناطق قطاع غزة.
ويفرض على قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليون و900 ألف نسمة حصارا إسرائيليا مشددا منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع فيه بالقوة بعد جولات من القتال الداخلي مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية.
وإلى جانب الحصار شنت إسرائيل ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة الأولى نهاية العام 2008 وبداية عام 2009، والثانية في نوفمبر 2012 وصولا إلى الهجوم الأخير في صيف عام 2014 لخمسين يوم متواصلة.
ووصف الهجوم الإسرائيلي الأخير بالأعنف خصوصا لجهة الدمار الهائل الذي خلفه في البني التحتية للقطاع، إلى جانب تدمير أكثر من 18 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، وأكثر من 30 ألف بشكل جزئي.
كما يعاني قطاع غزة من استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي مع الضفة الغربية وتعثر جهود المصالحة وعدم بسط حكومة الوفاق التي تشكلت قبل نحو عام سيطرتها على الأوضاع فيه مع استمرار خلافاتها مع حركة حماس.
ودفع ذلك إلى أن تصبح نسبة البطالة في أوساط سكان قطاع غزة بشكل عام من بين الأعلى في العالم بحيث وصلت إلى حوالي 42.7 في المائة من إجمالي السكان بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وتقدر تلك الإحصائيات عدد الشباب في قطاع غزة للعام 2015 بحوالي 542 ألف نسمة، منهم 275 ألف ذكر و267 ألف أنثى بنسبة جنس مقدارها 103.0 ذكر لكل 100 أنثى.
وتظهر الإحصائيات أن حوالي 24 في المائة من الشباب (15-29) سنة في فلسطين لديهم الرغبة للهجرة للخارج بواقع 37 في المائة في قطاع غزة مقابل 15 في المائة في الضفة الغربية.
وحول سبب رغبة الشباب في الهجرة للخارج، تحتل الأسباب الاقتصادية المتعلقة بتحسين الظروف المعيشية وعدم توفر فرص العمل السبب الرئيسي بواقع 40.8 في المائة، و15.1 في المائة للحصول على عمل، مقابل 12.5 في المائة للتعليم والتدريب والبقية لأسباب أخرى.
وربما يشكل إجراء الانتخابات مدخلا لبدء تغيير الأوضاع بالغة السوء بالنسبة للشباب في قطاع غزة وفق ما يرى الشاب صالح حسونة وهو طالب جامعي يدرس الهندسة.
ويقول حسونة، إن "سنوات الانقسام عطلت كل مفاصل الحياة الفلسطينية ولا يوجد لهذه الحالة مخرج إلا بإجراء انتخابات عامة تسفر عن حكومة موحدة وهو ما نتمنى بدء تحققه بعد إجراء انتخابات البلديات".
ويضيف أنه يخشى أن يتخرج ويتزوج وينجب أولادا من دون أن تتاح له فرصة اختيار رئيس أو نواب جدد في ظل حدة الخلافات المعقدة بين الفصائل الفلسطينية.
ولا توجد أي آفاق محددة حتى الآن لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فلسطينية جديدة رغم أنها ظلت بندا رئيسيا في كل تفاهمات المصالحة السابقة بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحماس لكن من دون تنفيذ ذلك على أرض الواقع.
ويتهكم كثير من الشباب في قطاع غزة على تقديم أولوية إجراء انتخابات البلديات وتجاهل الاستحقاق الأهم ممثلا بالانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وكتب الناشط الشبابي أكرم الصوراني على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) يقول "بما أن البلد ماشية بالعكس وانتخابات البلدية قبل انتخابات الرئاسة والتشريعي والمصالحة الوطنية، أنا بحكي يفرزوا الأصوات أول بعدين نروح ننتخب".
من جهته كتب ناشط آخر يدعى أحمد بعلوشة على (فيس بوك) "اللهم ارزق قادتنا مايكروسكوب فإنهم لا يروننا بالعين المجردة" في إشارة إلى شكوى الشباب الفلسطينيين المستمرة من تهميش أوضاعهم ومطالبهم.
وشهد تحديث السجل الانتخابي تحضيرا لإجراء انتخابات البلديات إقبالا قياسيا من سكان قطاع غزة بما في ذلك فئة الشباب بحسب المدير التنفيذي للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية هشام كحيل.
ويشدد كحيل في تصريحات ل((شينخوا))، على أن "الهدف الأكبر من انتخابات البلديات المقبلة هو تثبيت دورية الانتخابات الموحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارها حقا ثابتا لكل مواطن فلسطيني".
ويوضح أن "الإقبال على تحديث السجل الانتخابي في قطاع غزة تجاوز 90 في المائة من إجمالي السكان ممن يحق لهم الانتخاب، يمثل الشباب من هذه النسبة ما يزيد عن 30 في المائة وهي نسبة مرتفعة تعكس التطلعات الكبيرة للمشاركة في العملية الانتخابية".
ويتوقع كحيل "مشاركة كبيرة في انتخابات البلديات في قطاع غزة وبشكل يفوق الضفة الغربية نظرا لحالة الشغف والتفاعل من سكان القطاع مع ممارسة حقهم الديمقراطي الذي حجب طويلا عنهم بالانتخابات".
وسبق أن حذرت منظمات أهلية فلسطينية من تداعيات "مخيفة وخطيرة جدا على النسيج الاجتماعي" لاستمرار واقع تنامي إحباط الشباب في غزة وما يعانوه من تهميش في منطقة جغرافية منعزلة.
كما كان روبرت بيبر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية دعا أخيرا إلى إنهاء النقص الحاصل في المشاركة المدنية بين الشباب الفلسطيني وتعزيز انخراطهم في صنع القرار.
وشدد بيبر على أن المشاركة المدنية للشباب تعني خفض السلوك المحفوف بالمخاطر، وزيادة النجاح في المشاركة المدنية كما أنه مهم لتنمية الشباب صحيا وتعزيز الحكم الرشيد.