بكين 19 يوليو 2016 / قامت مجموعة من ضباط الجيش التركي بمحاولة انقلاب فاشلة يوم الجمعة الماضي للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان قُتل خلالها ما لا يقل عن 265 شخصا وأصيب 1440 آخرون.
وحول تأثير محاولة الانقلاب على العلاقات التركية-الأمريكية, أشار تسوي شوي جون الباحث بمعهد بحوث التنمية الوطنية والإستراتيجية بجامعة الشعب الصينية, إلى أن تركيا كانت شريكا وثيقا للولايات المتحدة منذ بداية الحرب الباردة ولكن ما فعله أردوغان، الذي سجل اقتصاد أنقرة منذ توليه مقاليد الحكم نموا سريعا ساهم في تدعيم القوة الشاملة للبلاد وأجرى إصلاحا سياسيا يحمل صبغة دينية وانتهج دبلوماسية ترمي إلى تعزيز مكانة بلاده في الشرق الأوسط وتدعيم استقلال سياستها الخارجية, ما فعله في تركيا "للقضاء على العلمانية" على نحو يتعارض تماما مع السياسات العلمانية في الولايات المتحدة شكل سببا عميقا دفع باتجاه فتور العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وهي علاقات كان دعم الولايات المتحدة للأكراد سببا مباشرا وراء ما شهدته من تحولات وانعطافات.
وشاطره الرأى تسوي شي يينغ الباحث بنفس المعهد، قائلا إن محاولة الانقلاب العسكري هذه المرة من المحتمل أن توجه ضربة للعلاقات التركية -الأمريكية، ضربة تحمل في طياتها إعادة واشنطن تقييمها لحالة الاستقرار السياسي داخل تركيا وكذا تداعيات سلبية قد تصل إلى حد تراجع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين البلدين.
ولفت تسوي شي يينغ إلى أن الولايات المتحدة ستشهد ضعفا في القوى الإقليمية التي تعتمد عليها في منطقة الشرق الأوسط, لذا من المرجح أن تتسارع وتيرة تعديل ميزان القوى في ظل مستجدات العوامل الجيوسياسية بالمنطقة، ومن المحتمل أن تخطو واشنطن نحو تعزيز تعاونها مع الأكراد، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تدهور العلاقات بين تركيا وأمريكا.
أما بالنسبة لعلاقات تركيا مع القوى في القارة العجوز, فقد ذكر تسوي شي يينغ أن الاتحاد الأوروبي سيسعى على الأرجح إلى تحسين علاقاته مع روسيا وهو ما قد يشمل رفع الأولى لعقوباتها عن الأخيرة بحلول عام 2017 ليتيح ذلك متنفسا أكبر في ضوء تصاعد الخلافات والتناقضات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) جراء الانقلاب العسكري الفاشل.
وحول تأثير محاولة الانقلاب على الصعيد الداخلي, أعرب لي شاو شيان نائب مدير معهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة ورئيس معهد الصين للدراسات العربية التابع لجامعة نينغشيا, عن اعتقاده بأن محاولة الانقلاب هذه المرة ستعمل على تهيئة الأجواء أمام أردوغان لكي يكثف العمل على دفع تحقيق أهدافه السياسية، إذ لا يزال يحاول تغيير النظام السياسي في تركيا عبر سن دستور جديد والتحول عن النظام البرلماني الحالي ويطالب باعتماد نظام للرئاسة التنفيذية يتيح صلاحيات أوسع للرئيس، متنبأ أن يستغل أردوغان الحالة الراهنة لخلق مناخ مواتٍ لتحقيق ما يرنو إليه من إصلاحات سياسية ببلاده.
وأضاف "ومن المرجح أن يتبع ذلك إجراء أردوغان لعملية تطهير في الجيش بصورة تساعده على قمع القوى المناهضة لتعزيز سيطرته على الجيش"، ولا سيما أنه قد أعلن صباح يوم 16 يوليو في اسطنبول أنه سينفذ "عملية تطهير" بحق منفذي الانقلاب العسكري للحفاظ على "نظافة" الجيش التركي.
وبشأن مصير أردوغان في تركيا مستقبلا, أشار لي شاو شيان إلى أن اندلاع الانقلاب العسكري يعد بكل تأكيد رمزا لانفجار "قنبلة تناقض سياسي" داخل تركيا. ومن المتوقع أن يؤدي إلى قمع المعارضة السياسية التركية وسحقها, ما سيدفع باتجاه توحد قوى المعارضة هذه ضد أردوغان وتزايد التكهنات باحتمالية وقوع المزيد من الحركات المناهضة له .
وحول تأثير محاولة الانقلاب على علاقات تركيا بدول الجوار, رأى بعض المحللين أن الجيش التركي سيتعرض للطمة كبيرة فيما يتعلق بقدرته على التماسك مستقبليا, ما سيجعل الدول المجاورة في وضع أكثر قوة أمام تركيا مقارنة بالماضي.
بيد أن الخبير الصيني المتخصص في قضايا الشرق الأوسط ما شياو لين، فقد قال إن العلاقات بين تركيا ودول الجوار وحتى الصين لن يطرأ عليها تغيير كبير عقب عودة أردوغان إلى الحكم, مضيفا "لابد لنا من متابعة التحركات الجديدة التي سيقوم بها أردوغان فيما يتعلق بتناوله للعلاقات الخارجية والقضايا الإقليمية بعد اعتلائه مجددا قمة هرم سلطة اتخاذ القرار, وهي تحركات ستعتمد على تفكيره الشخصي".
وشدد الخبير ما شياو لين على أن أردوغان لديه سمات شخصية قوية, وهو ما قد يؤثر على استقرار السياسات الخارجية التركية إلى حد ما, وذلك جانب مهم يتطلب الاهتمام عند مراقبة اتجاه دفة الدبلوماسية التركية مستقبلا.