بكين 24 مايو 2016 / انطلقت أول قمة إنسانية عالمية في مدينة إسطنبول التركية يوم الاثنين وتستمر حتى اليوم (الثلاثاء) في الوقت الذي يقف فيه الاتحاد الأوروبي في وضع حرج في مواجهة تدفقات اللاجئين: فهل يأخذ موقف القبول أم الرفض؟ وكم عدد اللاجئين الذين يمكن قبولهم وكيف يتسنى دمجهم في المجتمع المحلي؟... وفي مواجهة سلسلة من التحديات،أصبح التعامل مع قضية اللاجئين أكثر المهام إحراجا بالنسبة للاتحاد الأوروبي في مجال المساعدات الإنسانية.
-- ثمار مرة لسياسة التدخل الجديدة
فقد أظهرت الإحصاءات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الأوروبي (يوروستات) أن ما يزيد على 1.2 مليون لاجئ طلبوا الحصول على اللجوء لأول مرة في 28 دولة عضوا بالاتحاد الأوروبي في عام 2015، وهو ضعف عدد اللاجئين في عام 2014، وجاء معظمهم من سوريا وأفغانستان والعراق.
ووجد الاتحاد الأوروبي نفسه في وضع حرج في مواجهة أزمة اللاجئين هذه المرة. وقال غاريتش الأستاذ المساعد بمعهد الدراسات الدولية بجامعة كورفينوس المجرية إن تدفقات اللاجئين من أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها من الدول، مرتبطة ارتباطا وثيقا بسياسة التدخل التي تعتمدها الولايات المتحدة والدول الأوروبية في هذه الدول.
ورأى غاريتش أن تدخل الولايات المتحدة العسكري في أفغانستان والعراق تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ووجود أسلحة دمار شامل ودفع "الديمقراطية"، أثبت اليوم فشله الذريع. كما تورطت الدول الأوروبية في ذلك بصفتها حليفا للولايات المتحدة التي تتحمل هي والقارة العجوز مسؤوليات كبيرة تجاه قضية اللاجئين.
وقد دفعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بسياستها التدخلية الجديدة للمرة الثانية أثناء فترة "الربيع العربي" التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط لتزداد حدة اضطرابات الأوضاع في عدد من الدول، وبالتزامن مع ذلك أخذت أزمة اللاجئين تتفاقم وصارت أشبه بكرة ثلج متدحرجة.
علاوة على ذلك، أشار محللون فرنسيون إلى أن ليبيا تعاونت مع الاتحاد الأوروبي أثناء حقبة معمر القذافي في المكافحة المشتركة لتسلل اللاجئين إلى أوروبا، غير أن الدول الغربية، بما فيها فرنسا، تدخلت فيما بعد تدخلا سافرا في الشؤون الليبية وبالتالي لم تعد ليبيا قادرة على منع تسلل اللاجئين الأفارقة عبرها إلى أوروبا.
وقالت سماجيلوفيتش،المسؤولة بمنظمة (ريدجيس) المقدونية غير الحكومية لمساعدة اللاجئين، إن الحروب أجبرت اللاجئين على طلب اللجوء في أوروبا، مشيرة إلى أن سوريا والعراق كانتا في وقت السلم أقل دولتين في الشرق الأوسط من حيث الرغبة في الهجرة إلى أوروبا، ولكن الحروب المستمرة التي دارت في السنوات الأخيرة حرمت شعبيهما من الحياة الطبيعية داخل البلدين، فاضطر أبناء الشعبين إلى التسلل إلى أوروبا مخاطرين بحياتهم.
-- الخزى يلحق بأوروبا في أزمة اللاجئين
وتباينت ردود فعل الدول الأوروبية تجاه أسوء أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، ليصبح الاتفاق الأوروبي المعنى بالتعامل مع أزمة اللاجئين مجرد حبر على ورق حيث أوصدت عدد من الدول حدودها واتخذت أخرى إجراءات للحيلولة دون دخول اللاجئين.... ما ألحق الخزى بالقيم الأوروبية التى يزعم بأنها تقوم على المساواة والإخاء والإنسانية.
ومن أجل حل أزمة اللاجئين، عقد الزعماء الأوروبيون العديد من المؤتمرات، وتعهدوا بتخصيص 9.2 مليار يورو في العامين الجاري والقادم للتعامل مع قضية اللاجئين، واتخذوا سلسلة من الإجراءات في هذا الصدد، بما فيها المشاركة في قبول اللاجئين الذين تدفقوا على إيطاليا واليونان وغيرهما من "الدول الأوروبية الواقعة في الجبهة الأمامية" وتوسيع مراكز توطين اللاجئين في دول مثل اليونان بتمويل تطوعي حسب مساحة أراضيها وعدد سكانها وقوة اقتصادها وعوامل أخرى.
ومع ذلك لم يستجب للتمويل التطوعي سوى عدد قليل من الدول الأعضاء ، وحتى الآن مازالت الفجوة التمويلية كبيرة. كما تواجه المشاركة في حصص قبول اللاجئين صعوبات وتحديات عدة: ففي عام 2015، تعهدت الدول الأعضاء بنقل وتوطين 160 ألف لاجئ خلال عامين، ولكن في الحقيقة لم يتم في الفترة ما بين سبتمبر من العام الماضي وإبريل من العام الجاري، لم يتم توطين سوى جزء ضئيل من العدد المفترض للاجئين ألا وهو 1145 شخصا فحسب.
أما السياسات الأوروبية المعنية بالعبور الحر لحدود الأعضاء داخل الكتلة فقد تعرضت للطمة في خضم أزمة اللاجئين هذه. فمنذ مارس من العام الجاري، أغلقت الدول الواقعة على خطوط "ممر البلقان" الرئيسي لهجرة اللاجئين نحو الشمال، أغلقت حدودها، فظل عشرات الآلاف من اللاجئين قابعين في اليونان وغيرها من الدول. ورغم أن إغلاق الحدود يعد قرارا أقرته الدول بنفسها، إلا أن هذا الإجراء يتناقض مع عملية الوحدة الأوروبية. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت دول أخرى مثل الدنمارك والسويد والنمسا وكرواتيا عن إجراءات مقيدة لإحتواء أزمة اللاجئين.
ومن جانبه أشار أندراس موراني، رئيس تحرير صحيفة ((حرية الشعب)) المجرية، إلى أن الاتحاد الأوروبي عجز مرة أخرى عن التوصل إلى اتفاق حول القضايا محل الخلاف وبحاجة إلى القيام بتنازلات بسبب اختلاف الدول الأعضاء، مضيفا أن أوروبا التي ترفع علم الإنسانية وحقوق الإنسان والمساواة خالفت بتصرفاتها المبادئ التي تنادى بها دائما.
وفي مارس من العام الجاري، توصل الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا مع تركيا إلى اتفاق بشأن اللاجئين، ولكن المؤسسات الأممية والعديد من الخبراء في القانون الدولي أعربوا عن شكوكهم إزاء الاتفاق، معتبرين أنه يخالف الروح الإنسانية الدولية ويخالف اللوائح الدولية المتعلقة بإغاثة اللاجئين.
وفي ألمانيا،تعرض الاتفاق لانتقادات صارمة من قبل حزب الخضر الذي كان يعرب دوما عن دعمه لسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجاه اللاجئين ، حيث رأى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر هوفرايتر أن ميركل توصلت إلى حل لأوروبا بأسرها، ولكنها تخلت عن موقفها الإنساني قائلا إن "الصفقة تم التوصل إليها على حساب مصلحة اللاجئين".
-- اندماج اللاجئين طريق شائك وطويل
وشكلت تدفقات اللاجئين تحديا للدول الأوروبية المستقبلة لهم وأثارت احتكاكات ومخاوف.
في السويد، شهد المجتمع مرارا أعمال عنف رغم إعلان الحكومة عن عدد من المبادرات لمساعدة اللاجئين على الاندماج في المجتمع. وأفادت صحيفة ((ديلي نيوز)) السويدية بأن الشرطة السويدية تلقت أكثر من خمسة آلاف بلاغ عن أعمال تورط فيها لاجئون في الفترة ما بين أكتوبر 2015 ونهاية يناير من العام الجاري، هناك 1200 بلاغ منها ينطوى على شجار وعنف وترهيب.
وفي فرنسا، أشارت استطلاعات وسائل الإعلام إلى أن 56 في المائة من المستطلعة آراؤهم رفضوا قبول المهاجرين الأفارقة ومن بينهم اللاجئين. وفي ألمانيا، وخاصة المنطقة الشرقية، وقعت ولعدة مرات أحداث شغب قام بها يمينيون خارج مخيمات اللاجئين نفذوا فيها هجمات وعمليات حرق ضد تلك المخيمات. وفي التشيك وبولندا وغيرهما من الدول الواقعة في وسط شرق أوروبا، اظهر المجتمع مخاوفه بشأن توظيف اللاجئين وتأثير ما يحملونه من معتقدات وغيرها من المشكلات، ما زاد من صعوبة اندماج اللاجئين في المجتمع.
ولفت المحللون الصينيون إلى أنه رغم تخصيص الحكومات الأوروبية لموارد كثيرة واعتمدها لتدابير مختلفة لإحتواء الفجوة بين اللاجئين والسكان المحليين، إلا أن الاندماج الحقيقي بين هذا الحجم الكبير من اللاجئين والمجتمعات المحلية سيشكل حقا تحديا طويل الأمد بالنسبة لأوروبا.
ويبقى السؤال: متى ستتخلص أوروبا من معضلة أزمة اللاجئين؟ وفي هذا الصدد، قال نائب المستشار النمساوي السابق إيرهارد بوزيك إنه إذا ما واصلت الدول الأوروبية العمل بطريقها الخاصة، فسيكون حل قضية اللاجئين أمرا بعيد المنال. والأمر الأهم من ذلك يكمن في ضرورة أن يدرك الاتحاد الأوروبي أن مزيدا من اللاجئين سيفرون من مواطنهم بتجاه أوروبا طالما أن الحرب لم تنته في سوريا والاضطرابات والفقر مازالا قائمين في عدد من دول شمال إفريقيا، فتقديم يد العون لهذه الدول في إخماد الحرب وتنمية الاقتصاد واستئصال الفقر يمثل السبيل الأساسي لتسوية أزمة اللاجئين .