غزة 5 أبريل 2016 / فقدت الطفلة الفلسطينية منار عذريتها وهي لم تتجاوز 12 عاما خلال اغتصبها من أبناء عمها الثلاثة لمدة تزيد عن العامين من دون أن تستطيع البوح بما يحدث لها خوفا ممن حولها بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.
ومع ما تركه ذلك من تداعيات سلبية حادة على نفسيتها ومعاناتها أصلا من تفكك عائلي وشعورها الدائم بالوحدة قررت منار كسر حاجز الصمت أخيرا بالتوجه إلى أحد المراكز الحقوقية المتخصصة.
ومنار واحدة من بين مئات الأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للتحرش الجنسي من قبل أقاربهم بسبب التفكك الأسري وحالات الفقر والاكتظاظ في المسكن.
وأظهرت إحصائيات أصدرها مركز (الديمقراطية وحل النزاعات) في غزة بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني الذي يصادف اليوم (الثلاثاء) تلقيه بلاغات عن تعرض 700 طفل في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية إلى التحرش الجنسي خلال العامين الماضيين.
ويقول ناشطون حقوقيون واجتماعيون، إن هذه الأرقام تعد قليلة نسبيا مقارنة بما هو مخفي من حالات يتم التستر عليها بالنظر لطبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظ وتفضيله الصمت على مثل هذه القضايا.
وتواصلت منار مع مركز (الديمقراطية وحل النزاعات) بفضل سماعها إعلانات إذاعية عن أنشطة المركز في مجال مكافحة التحرش الجنسي وتقديم الدعم النفسي لضحاياه.
لكن خروج منار عن صمتها جاء بعد مرور أكثر من عامين من تعرضها للاغتصاب طوال الفترة المذكورة في وقت ظلت فيه عائلتها لا تعلم شيئا عن حجم ما تقاسيه من جراء ذلك.
وبقيت منار لاحقا على تواصل مع المركز تتلقي الدعم النفسي والتأهيل اللازم لتخفيف حدة ما تعرضت له فيما تكفل المركز بالتواصل مع والدها لاطلاعه على وضعها وسبل تحسين حياتها وهو ما تم تدريجيا.
وتقول منسقة برنامج (بيئة حامية للأطفال من الاستغلال والتحرش الجنسي) الذي أطلقه المركز منذ سنوات في غزة إيمان أبو سعيد، إن منار واحدة من مئات الضحايا ممن يهدد الصمت مستقبلهم.
وتوضح أبو سعيد لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن التحرش الجنسي ضد الأطفال "لا يمثل ظاهرة في المجتمع الفلسطيني بقدر ما هو مشكلة انحراف موجودة في كل المجتمع غير أن الصمت عليها يقوض مساعي الحد منها".
ويمول البرنامج المذكور الاتحاد الأوروبي وكان أطلق لأول مرة في العام 2011 على مدار عامين في قطاع غزة وتم في حينه التعامل مع ما يزيد عن 350 حالة لأطفال تعرضوا للتحرش الجنسي.
وفي العام 2014، تم إطلاق نسخة ثانية من المشروع يشمل هذه المرة إلى جانب قطاع غزة محافظات شمال الضفة الغربية وذلك بناء على دراسات حول حجم العنف ضد الأطفال خاصة التحرش الجنسي.
وتقول أبو سعيد، إن البرنامج يتضمن أنشطة دورية لتوعية الأطفال والأهالي حول خطورة التحرش الجنسي بكافة أشكاله وتوفير دعم نفسي وتثقيفي لهم بشأن آليات مواجهته والتعامل مع تداعياته.
وتضيف أن أغلب ما ورد للمركز من أصل 700 حالة طفل تعرضوا للتحرش خلال العامين الماضيين تم اكتشافها خلال جلسات التوعية والتثقيف وليس بالتبليغ الذاتي.
كما تنبه إلى أن أكثر من ثلثي تلك الحالات هم من الذكور رغم أن طبيعة دوافع التحرش تستهدف أكثر الإناث وهو ما تفسره بامتناع الأهالي عن الحديث عن ما يتعرض له الإناث من تحرش وتفضيلهم الصمت.
وتنتقد أبو سعيد "قصور الجهات الرسمية الفلسطينية في ملاحقة ومحاسبة المتحرشين جنسيا"، مع إشارتها إلى "دور غير إيجابي في ذلك لرجال الإصلاح والعشائر وإغلاقهم ملفات التحرش من دون محاسبة ".
وتوضح أن برنامج مكافحة التحرش تضمن إجراءات دعم قانوني لحالات وافقت عائلاتهم في مقاضاة الفاعلين بحيث تم تقديم دعاوي قضائية في 21 ملفا غير أنه صدرت 3 أحكام قضائية فيها فقط حتى الآن.
ويشتكى مختصون فلسطينيون من مصاعب حادة يواجهها الأطفال الفلسطينيين وسوء ظروف معيشتهم رغم حاجتهم إلى حماية خاصة.
وقدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في بيان اصدره اليوم بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني، أن عدد الأطفال أقل من 18 عاما في فلسطين للعام 2015 بحوالي 2 مليون و165 ألفا و288 طفلا منهم مليون و150 الفا و336 ذكرا، ومليون و59 ألفا و625 أنثى.
في الوقت ذاته، تشير الإحصائيات الخاصة بالقوى العاملة لعام 2015 بوجود 39 ألفا و300 عامل من الأطفال في الفئة العمرية (10 - 17 عاما) في الأراضي الفلسطينية.
ويعمل الأطفال في العديد من الورش والمصانع والمنشآت الاقتصادية المختلفة، ويقول اقتصاديون إنه حال إضافة الأطفال العاملين في الشوارع والمفترقات بمهن مختلفة سيتضاعف عدد عمالة الأطفال كثيرا.
ويقول المحلل الاقتصادي الفلسطيني ماهر الطباع ل((شينخوا))، إن عمالة الأطفال تعد واحدة من أخطر الظواهر في المجتمع الفلسطيني وتهدد تماسكه فيما تعتبر معدلات الفقر والبطالة القياسية السبب الرئيس لها.
ويشير الطباع إلى أن نسبة البطالة في فلسطين بلغت 25.9 في المائة، لكنها تصل إلى 41 في المائة في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ منتصف عام 2007 مقارنة مع 17 في المائة في الضفة الغربية.
وينتقد غياب ضمان اجتماعي للأسر الفقيرة داخل المجتمع للحد من ظاهرة عمالة الأطفال وغياب إجراءات حازمة ضد من يشغلون الأطفال بمنشأتهم وعدم توفر وعي مجتمعي بالظاهرة وخطورتها على المجتمع.
ويشدد الطباع، على وجوب تكاتف جهود كافة المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني لمحاربة ظاهرة عمالة الأطفال بتكثيف برامج التوعية والتثقيف بما في ذلك الحد من ظاهرة التسرب من المدارس.
ويخلص الطباع إلى أنه "لن يكون هناك أي تحسن على واقع أطفال فلسطين من دون تحسن في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية باعتبار أنهما مفتاح لأي نهضة وتنمية شاملة ومستدامة".