تحقيق إخباري: أهالي الشبان السوريين يرفضون فكرة هجرتهم بالطرق غير الشرعية إلى أوروبا

دمشق 9 مارس 2016 / أعربت أم أمير عن رفضها الشديد لفكرة هجرة ابنها الوحيد أمير إلى أوروبا ، بلد الأحلام لكثير من السوريين الذين تركوا بلادهم بسبب الصراع الدامي ، وقالت والدموع تنهمر من عيناها " لن أسمح لأبني بأن يسافر إلى المجهول .. لن أدعه يغرق في عرض البحر بقوارب الموت، أريده أن يبقى هنا ليكمل دراسته الجامعية" .

وأضافت أم أمير التي جلست قرب ابنها الوحيد على أريكة حمراء لوكالة ((شينخوا)) بدمشق يوم الأربعاء "تحملنا خمس سنوات من الأزمة بكثير من الألم ، والقادم من الأيام سيكون أفضل"، مشيرة إلى أنها شعرت بالصدمة عندما سمعت ابنها يقول أنه سيسافر إلى أوروبا ، مثله مثل باقي السوريين الذين هاجروا كلاجئين إلى أوروبا في رحلة محفوفة بالمخاطر ممتطين قوارب الموت".

وتابعت أم أمير، التي تعيش بحي القيمرية القديم بدمشق مع أسرة مؤلفة من ثلاثة أولاد ، أن " موقفي كان منذ البداية حازما وحاسما ضد سفر أمير إلى أوروبا بهذه الطريقة "، مؤكدة أنها شاهدت عبر التلفاز الكثير من الشبان السوريين الذين غرقوا في البحر، وآخرون سرقت أموالهم ، وآخرون ينامون في العراء على الحدود، لافتة إلى أن هذه الأحداث " جعلتني أخاف على ولدي الوحيد وأمنعه من السفر"، مشيرة إلى أن الوضع في أوروبا لن يكون جيدا ، خاصة وأن الارهاب بدأ يغزو أوروبا .

ولكن عاطفتها كأم لم تمنعها من القول إذا " قرر السفر لقناعة ما ، بالتأكيد سأدعو له بالتوفيق ، وأن يحميه الله من كل مكروه" ، مبينة أن أصدقاء أمير اتصلوا به عبر وسائل التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) ووصفوا له الصعوبات التي اعترضت سفرهم إلى تلك البلاد .

الشاب أمير، وهو طالب سنة ثالثة في كلية الترجمة بجامعة دمشق، يحمل بداخله الكثير من الطموح ، ويبدو مهذبا ومظهره لا يشير إلى أنه يفكر بالسفر إلى أوروبا من خلال تعلقه بمنزله الدمشقي المملوء بالورود والأزهار وكذلك القطط التي يربيها بداخل منزله.

وفي منزله، أخذ أمير غرفة صغيرة رسم على جدرانها بعض الرسومات، والعبارات الساخرة ، إضافة لوجود أضواء ملونة بداخلها تعكس صورا واشكالا جميلة، كما انها تعكس شخصية هذا الشاب الذي عزم على السفر بعد ثلاث سنوات من التفكير بها .

وقال أمير لوكالة ((شينخوا)) وهو يتنقل في جنبات المنزل ويأمل فيه وكأنه سيسافر غدا، " منذ حوالي السنتين أو أكثر كنت أفكر بالسفر، لكن لم يكن عندي المال الكافي للسفر، خصوصا الى أوروبا ، لأن تكلفة السفر باهظة "، مؤكدا أنه "منذ فترة قريبة تمكن من تجميع مبلغ من المال من خلال عمله كمنتج في محطة عراقية، وخلال الاشهر القليلة القادمة سأعد نفسي للسفر".

وأضاف " اليوم لم يعد أمام السوريين من خيار سوى الهجرة عبر الطرق غير الشرعية " ، مشيرا إلى أن قلة قليلة من السوريين هم من يغادرون بطريقة قانونية ، لأن أوروبا لا تسمح لأي سوري بالذهاب اليها".

وقال إن الطريق الذي سيسلكه هو نفس الطريق الذي يسلكه معظم السوريين من تركيا إلى اليونان عبر البحر ، وبعدها إلى أي بلد أوروبي، مضيفا "لقد سعيت إلى التواصل مع العديد من أصدقائي الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا لتزويدي بالطرق الأكثر أمانا والمهربين الجديرين بالثقة".

واختلف أمير مع والدته في رأيها بأن البلاد تسير نحو الأفضل بعد الهدنة ، وقال "صحيح أن هناك هدنة الآن، ولكن لا شيء ملموس من الناحية السياسية. وأنا لا أرى حلا يلوح في الافق القريب".

وأشار إلى أن الذهاب إلى أوروبا لا يعني عدم العودة إلى وطنه.

وقال "أريد أن أذهب إلى هناك لتدعيم دراستي ، وتعزيز قدراتي ومهاراتي ، وأجمع المال لأعيش ببلدي مع عائلتي بشكل لائق .. لا أريد البقاء هناك إلى الأبد ".

أمير، نظرا لكونه الابن الوحيد لوالدته، قال إنه لا يرغب أن يكسر كلمة أمه، مستدركا" أريد حقا لها أن تتفهم ما يجري في البلاد من قلق وتفجيرات وقلة فرص العمل، بأن الوضع حاليا ليس جيدا".

وعلى الرغم من الخلاف الحاد بينه وبين أمه قال أمير "فإن العلاقة بيني وبين والدتي لن تتغير ولن تتأثر مع الوقت أو مع بعد المسافة ".

وأضاف أمير " كنت أتمنى أن أبقى في هذه البلاد .. صبرت كثيرا على الأوضاع ، وعلى القذائف ، على المتفجرات ، على الوضع الاقتصادي عموما لكن بعد خمس سنوات لم يعد هناك لدي الصبر الكافي للبقاء هنا أكثر من ذلك".

والحال نفسه ينطبق على أم تمام التي رفضت رفضا قاطعا فكرة سفر ابنها إلى السويد ، هربا من الأوضاع التي تعيشها البلاد ، والتي دفعت ابنها إلى ترك جامعته لمدة أشهر .

وقالت أم تمام 47 عاما لوكالة ((شينخوا)) بدمشق إن " ابنها تمام 25 عاما صدمني عندما قال أنه سيسافر مع رفاقه إلى السويد، بطريقة غير شرعية " ، مشيرة إلى أنها قامت باخفاء هوية ابنها كي تمنعه من السفر خوفا من المخاطر الذي يتعرض لها السوريون في طريقهم إلى أوروبا .

وأضافت أم تمام وهي موظفة في قطاع الصحة إن " النوم هرب من عيونها لعدة أيام وهي تفكر بمسألة سفر أبنها " ، وقالت وهي تبكي " لقد سافر إلى السويد مع رفاقه بعدما اقنعني بأنه سيسافر من أجل إكمال دراسته هناك وتحقيق مستقبل أفضل"

وأشارت أم تمام إلى أن ابنها يبلغ من العمر 25 عاما ويدرس في السنة الثالثة في كلية التجارة والاقتصاد بجامعة دمشق، مؤكدة أنها ضد سفر الشبان السوريين إلى أوروبا ، لأن سوريا تستحق أن يبقى ابناؤها فيها .

وحالتي أم أمير وأم تمام تتشابه مع مئات القصص والحكايات حيث الأمهات تذرف الدموع ، وهن يودعن ابنائهم، وهم يغادرون عبر طرق محفوفة بالمخاطر، أملا في مستقبل أفضل لهم في تلك القارة العجوز .

ومع ذلك، فقد خلق تدفق اللاجئين إلى أوروبا أزمة كبيرة في تلك القارة مع تزايد عدد طالبي اللجوء، الذين يسافرون عبر البحر الأبيض المتوسط أو من خلال جنوب شرق أوروبا للوصول إلى أوروبا الغربية وخاصة إلى ألمانيا.

واليوم تتخذ بعض الدول الأوروبية إجراءات صارمة للحد من تدفق اللاجئين اليها، وتعمل بشكل جاد على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.