بكين 5 فبراير 2023 (شينخوا) في كتابه الجديد "الصين تهديد أم أمل. حقيقة الثورة البراغماتية"، قال الصحفي الإسباني المخضرم خافيير غارسيا "تروعنا وسائل الإعلام الرئيسية وعدد كبير من السياسيين والحكومات يوميا من أن صعود الصين يشكل تهديدا لبقية العالم وخاصة الغرب".
وقال غارسيا في مقابلة خاصة مع وكالة أنباء ((شينخوا)) إن "الصين ليست تهديدا على الإطلاق"، مشيرا إلى أن البلاد أصبحت ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم "دون إطلاق طلقة واحدة عمليا، دون عنف، دون حروب، دون استعمار".
--حملة تشوية
بالنسبة للمندوب السابق لوكالة ((إي أف إي))، وكالة الأنباء الرائدة باللغة الإسبانية، في الشرق الأوسط وفنزويلا وألمانيا والصين، فإن نظرية "التهديد الصيني" المفترضة لا تعدو أكثر من خدعة أمريكية ممنهجة لاحتواء الصعود السلمي للدولة الآسيوية، الذي يعني بالنسبة لواشنطن تحديا كبيرا لهيمنتها.
وقال غارسيا في الكتاب الذي نشرته شركة اديسيونز آكال إن "الولايات المتحدة ترفض قبول أن أيامها للحفاظ على الهيمنة على العالم باتت معدودة".
وأضاف أن واشنطن شنت "حربا هجينة" مثل "أخطبوط بمخالب متعددة" في القطاعات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والعلمية والسياسية والصحية والإعلامية، إلى جانب عمليات الاستخبارات والتجسس، وحملات زعزعة الاستقرار في مناطق مثل شينجيانغ، ودعم النزعة الانفصالية في هونغ كونغ أو تايوان، والترهيب العسكري على طول ساحل الصين.
ومن بين جبهات القتال المتعددة، قال غارسيا إنه على دراية بحملة تشويه الصين التي نظمتها وسائل الإعلام الغربية "بأجندة ولهجة محددة ضد الصين" بحيث تتبعها بقية الصحافة الغربية "في الغالب دون تحفظات".
وأدرج غارسيا في كتابه "ترسانة الكلمات" التي تهدف إلى بث الخوف في أي شيء يتعلق بالصين وتعزيز الصورة السلبية المثبتة في أذهان القراء، والتلاعب بمصطلحات مثل "النظام" و"التطهير" و"الدعاية" و"القمع" أو عبارات مثل"صراع القوى"، "تحت التهديد" و"فخ الديون".
وبهذا المعنى، فإن الأغنياء في الولايات المتحدة هم أصحاب الملايين أو رواد الأعمال الكبار، في حين أن هؤلاء في الصين هم أوليغارشيون. الصين لا تفصل المسؤولين الفاسدين أو غير الأكفاء بل "تطهرهم". الصين لا تمنح قروضا مفيدة لتطوير البنية التحتية في البلدان الفقيرة، بل "تنصب أفخاخ" الديون لها. الصين تتبنى "دبلوماسية اللقاحات"، أما الدول الأخرى فتتبرع بها بإيثار، الصين "تراقب وتسيطر" على المخالطين لحالات كوفيد، فيما تقوم الدول الأخرى بتعقبهم.
ووفقا لغارسيا، فقد ابتدعت وسائل الإعلام الغربية خطاب "بأي ثمن" وسوقته عالميا بحثا عن النتائج السلبية للأخبار الإيجابية عن الصين، مثل "الاقتصاد الصيني ينمو، ولكن بأي ثمن"؛ "المدن الصينية تزداد ذكاء ولكن بأي ثمن"؛ "الصين توفر كميات وفيرة من الثلوج للألعاب الأولمبية، ولكن بأي ثمن" ؛ "هواء نظيف، بأي ثمن؟" ؛ "ووهان في مأمن من كوفيد ولكن بأي ثمن"؛ "الصين تستثمر في إثيوبيا، ولكن بأي ثمن"؛ "الصين تعزز اقتصاد كمبوديا، ولكن بأي ثمن"؛ إلخ.
وكان أحد أكثر الأمثلة "فضولية" هو ما ذكرته وكالة ((بلومبرغ)) في ديسمبر عام 2019 أن "الصين تعالج السرطان بشكل أسرع وأرخص من أي طرف آخر، لكن البعض يخشى أنه سريع للغاية".
وأوضح غارسيا أن وسائل الإعلام الأمريكية هي التي تحدد النغمة، ومن الصعب جدا حقا على وسائل الإعلام الغربية الأخرى الابتعاد عن هذا المسار، لأنها متأثرة جدا بالأولي.
--بلد متنوع ورائع
استغل الصحفي إقامته لأكثر من أربع سنوات في الصين لمتابعة ما يحدث في البلاد عن كثب. وبنهج مستقل، وجد صينا أصيلة تختلف تماما عن تلك التي وصفها الإعلام الغربي.
وقال الكاتب "الحقيقة هي أن الصين فاجأتني. إنها دولة مختلفة للغاية، ومتنوعة للغاية، ومتطورة للغاية في أشياء معينة. إنها دولة رائعة ولديها العديد من الأشياء التي لا يتوقع المرء كيف تبدو الحياة فيها". وأضاف "حاولت الوصول إلى البلاد لتحرير نفسي من جميع الأحكام المسبقة وبذهن أكثر انفتاحا".
أثناء عمله كمراسل، التقى غارسيا بالشابة دينغ يان، 34 عاما، التي أخبرته كيف تغيرت حياتها، من سنوات طفولتها في الريف دون مياه جارية أو كهرباء، إلى الدراسة في الجامعة، قم حصولها على شهادة في فقه اللغة واستقرارها في مدينة تتمتع بإمكانية الوصول إلى خدمات عامة عالية الجودة.
وقال "عندما تبدأ في التحدث إلى الناس، فإنك تدرك التغييرات في الصين. التغيير الذي شهده هذا الجيل في العشرين أو الثلاثين سنة الماضية مثير للإعجاب".
المواطنون العاديون المليئون البهجة والهدوء حركوا بشدة مندوب وكالة ((إي أف إي)) في بكين، الذي شعر في نفس الوقت بالسأم من التضليل المستمر من قبل وسائل الإعلام الغربية ضد الصين.
نتيجة لذلك، قرر غارسيا في سبتمبر عام 2021 ترك الصحافة بعد أكثر من 30 عاما في المهنة، لأن "حرب المعلومات المحرجة ضد الصين سلبت جرعة جيدة من حماسي لهذه المهنة".
بالنسبة لغارسيا، فإن تميمة الغرب التي يروجون لها "الصحافة الحرة" تتلخص في "قول نفس الشيء تمامًا" و "التمسك بالنص" و"التأكيد مرارا وتكرارا على مدى سوء الشيوعية"، وأي شخص يتراجع المسار الذي حددته وزارة الخارجية الأمريكية ووسائل الإعلام الأمريكية "سيتم تهميشه".
بعد تقديم استقالته، بدأ غارسيا في تأليف كتاب عن الصين الأصيلة، لأنه يرى أن هناك "أشياء كثيرة عن الصين غير معروفة، وبعض القضايا الرئيسية، المهمة جدا للعالم غير معروفة أيضا لأن القراء لا يعلمون ".
--أمل في عالم متعدد الأقطاب
سافر المؤلف إلى مناطق ومقاطعات ومدن مختلفة في الصين، مثل شينجيانغ وشنتشن، ليرى عن كثب الأمور التي كانت محل فضوله. فيما يتعلق بالإبادة الجماعية المزعومة في شينجيانغ، قال غارسيا إن مثل هذه الاتهامات تستند فقط إلى بيانات تم جمعها من الإنترنت و "لا تستند إلى أي موقف حقيقي أو عمل ميداني".
وقال "في شينجيانغ، تُحترم ثقافة الويغور. تُدرّس لغة الويغور في المدارس وتُستخدم في وسائل الإعلام المحلية. ونما عدد الويغور بنسبة 16 في المائة في السنوات العشر الماضية، وهو ما يزيد بثلاثة أضعاف عن النمو السكاني الوطني".
وعند سؤاله عن الإجراءات الصينية ضد كوفيد-19، قال غارسيا إنه "لم تكن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان على الإطلاق" وأن التحسين الأخير لاستجابتها لكوفيد جاء في وقت كان فيه الفيروس أقل عدوانية وخطر الموت تراجع فيه إلى حد كبير.
وأضاف "إذا اعتبرنا أن أولوية أي حكومة يجب أن تكون إنقاذ أرواح سكانها، فمن الواضح أن السياسة الصينية كانت فعالة. فقد كان عدد الوفيات في الصين أقل بكثير مما هو عليه في الدول الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة ".
وفيما يتعلق بمكافحة الفقر، رأى المؤلف أنه الشغل الشاغل لجميع مواطني العالم. وأظهرت بيانات رسمية أن الصين انتشلت حوالي 770 مليون من سكان الريف من الفقر خلال الأربعين سنة الماضية، وهو ما يمثل أكثر من 70 في المائة من الحد من الفقر العالمي.
وحول المسألة البيئية، يدرك غارسيا أن العالم لديه "تصور عن الصين بأنها دولة ملوثة للغاية"، إلا أنه خلص في تحقيقه إلى أن "الأمر عكس ذلك تماما".
وقال "لقد غيرت الصين نموذج التنمية الاقتصادية الخاص بها بالكامل، وانتقلت من نموذج التنمية الذي يركز على النمو قبل كل شيء، بغض النظر عن العواقب، إلى نموذج أكثر مراعاة للبيئة، إلى نموذج يهتم كثيرا بالبيئة".
وقال إن الصين "تشهد تحولا في مجال الطاقة وأصبحت رائدة في مجال الطاقة المتجددة، والتنقل الكهربائي، والسيارات الكهربائية، وإعادة التشجير، مع مشاريع المدن الإسفنجية كمثال".
وأرجع غارسيا الانجازات الرائعة الى "الثورة البراغماتية" بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ووصف طريقة ممارسة السياسة بأنها "من سمات الأسلوب الصيني".
وقال "الحزب الشيوعي الصيني يجرب حلولا مختلفة لأي مشكلة تنشأ، ويطلق مشاريع تجريبية في مدن مختلفة حول الإجراءات التي يريد تطبيقها ويجربها، ويتم اعتماد المشاريع التي تعمل بشكل أفضل، أما تلك التي لا تسير عل عكس المرجو، فيتم رفضها".
ويرى غارسيا أن الصين لا تمثل تهديدا، بل هي الأمل في عالم متعدد الأقطاب حيث يمكن فيه للجميع أن يعيشوا بسلام أكثر، ويتاجرون مع بقية العالم، ويكرسون طاقاتهم ومواردهم لتحسين حياة سكانهم بدلا من إثراء القليل وتبادل السلع والمعرفة والثقافة بدلا من السلاح والقنابل.
وقال غارسيا إن "الصين ليس لديها نية لفرض رؤيتها على الآخرين" بل هي مستعدة للعيش مع جميع الدول في عالم متعدد الأقطاب وعالم أفضل وأكثر سلاما وإنصافا.