استولت الحكومة الإسرائيلية على مكاتب عدة منظمات فلسطينية في الضفة الغربية مؤخراً، بحجة ارتباطها بـ "منظمات إرهابية"، وذلك حسب تقارير اعلامية أجنبية. وقد نفت هذه المنظمات تصنيف إسرائيل على أنها "مرتبطة بالإرهاب". وعادت العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية إلى حالة من الاضطراب مرة أخرى بعد وقت قصير من توصل إسرائيل وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مما اثار الاهتمام الخارجي.
جوهر القضية
"الصراع بين فلسطين واسرائيل لن يكون الأول ولا الأخير". قال لي ويجيان، الباحث في معهد شنغهاي للدراسات الدولية ونائب رئيس جمعية الشرق الأوسط الصينية، إن فتيل هذه الجولة من الصراع كان هجوم إسرائيل على قادة حركة "الجهاد الإسلامي"، لكن السبب الجذري هو الصراع الطويل الأمد بين فلسطين وإسرائيل حول قضايا السيادة.
"لطالما قمعت إسرائيل رغبة فلسطين في إقامة دولة مستقلة. وتنفذ إسرائيل بشبكتها الاستخبارية القوية والقوة العسكرية ضربات دورية ضد فلسطين، ما يعيق تشكيل الجانب الفلسطيني قوة عسكرية مهددة. وإن الجيش الفلسطيني ضعيف ولا يمكنه الاعتماد على القوات المسلحة في السعي لتحقيق الاستقلال وإقامة الدولة. وبمجرد اللجوء إلى المفاوضات، يصعب على فلسطين قبول الشروط التي تقترحها إسرائيل". وأشار لى ويجيان إلى أن الصراع مستمر حتى يتم حل التناقضات الأساسية بشكل صحيح.
كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن رسالة سرية، وجهها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو في عام 2020، تضمنت إقامة دولة فلسطين وامور أخرى، كما أوعز إسرائيل ضم الضفة الغربية. وقال لي ويجيان: " لقد انحازت الإدارة السابقة للولايات المتحدة بشكل أعمى لإسرائيل، الأمر الذي أدى في الواقع إلى تفاقم الخلافات والتناقضات بين فلسطين وإسرائيل".
كما تعتبر الجولة الأخيرة من الصراع العسكري خطوة في لعبة "الشطرنج" يخطط لها سياسيون إسرائيليون. ويقول محللون إسرائيليون إن شن يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي الانتقالي أو المؤقت عملية عسكرية هو بدافع المصالح السياسية وكسب سمعة ودعم الانتخابات المرتقبة في شهر نوفمبر من هذا العام. وقد تعرض لابيد في السابق لانتقادات من النقاد في البلاد لافتقاره إلى خبرة القيادة في زمن الحرب. وأشار تحليل آخر إلى أنه في هذه الجولة من الصراع، تعاملت إسرائيل مع الفصائل الفلسطينية بشكل مختلف، بقصد تقسيم المنظمات الفلسطينية المسلحة وإضعاف تماسكها الداخلي.
مساحة التفاؤل ضيقة
"وقف إطلاق النار لا يعني تحقيق سلام طويل الأمد". أشار لي ويجيان إلى أن انطلاقا من الوضع الدولي الراهن، لا تتوفر شروط الحل الكامل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
"في سياق الصراع الروسي الأوكراني، أصبحت القضية الإسرائيلية الفلسطينية مهمشة بشكل تدريجي، وحظيت باهتمام محدود من الرأي العام، وقد يتم حجب التناقضات عن طريق التعليق قصير الأجل." وحلل لي ويجيان أن الولايات المتحدة، باعتبارها القوة الأكثر نفوذاً على إسرائيل، من ناحية، منشغلة بإثارة الوضع "الهندي والمحيط الهادئ"، وكسب الحلفاء لمعاقبة روسيا، وما إلى ذلك، ليس لديه وقت لأخذ القضية الفلسطينية الإسرائيلية في الاعتبار، من ناحية أخرى، يعاني العالم العربي القوة الداعمة للقضية الفلسطينية في الماضي غارق في مشاكله الداخلية. وفي الصراع الأخير، ظهرت استجابة أو تضامن الدول العربية بمستوى أقل بكثير مما كانت عليه في الماضي.
استضافت الصين بصفتها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي في شهر أغسطس الجاري، اجتماعًا عامًا طارئًا حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مؤخرًا. وترأس الممثل الصيني تشانغ جون الاجتماع وألقى كلمة دعا فيها المجتمع الدولي إلى استئناف عملية السلام في أقرب وقت ممكن واتخاذ خطوات جوهرية لدفع "حل الدولتين" قدما، وتحقيق تسوية شاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية في وقت مبكر.
يتطلب حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دعما حقيقيا من المجتمع الدولي. "ظلت الصين تدعو إلى حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحتى قضية الشرق الأوسط على نطاق واسع، لكن البيئة الدولية العامة ليست متفائلة. فقد عرضت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة بشكل رمزي مساعدات اقتصادية لفلسطين لإقناع الأخيرة بالتخلي عن سعيها وراء السيادة، ولكن تم التخلي عن هذا المسعى في نهاية المطاف بسبب ضعف فرص نجاحها. بالإضافة إلى أن العالم العربي المنقسم قد ضيَّق رؤيته الاستراتيجية، وأظهر عدم الكفاءة في حل القضية الإسرائيلية الفلسطينية. " وأشار لى ويجيان إلى أنه لا يمكن أن تشهد هذه القضية الإقليمية أي تحول إلا بالجهود المتضافرة للمجتمع الدولي والاستعداد لتكريس طاقته بشكل كامل.