أدلى المشرف على القوات النووية الأمريكية وقائد القيادة الإستراتيجية الأمريكية، الجنيرال تشارلز ريتشارد مؤخرا بمداخلة في الكونغرس، ذكر فيها ما أسماه بـ "التحذير" من "التهديد النووي" الروسي - الصيني للولايات المتحدة. مشيرا إلى أن بلاده تواجه في الوقت الراهن "أزمة الردع النووي". وهو مايشبه اللص الذي يصرخ "هنالك لص!"، لتحويل الأنظار عنه.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يبالغ فيها تشارلز ريتشارد في الحديث عن "التهديد النووي" بصفته عضوًا في لجنة الأسلحة النووية الأمريكية. حيث ذكر في جلسة استماع مغلقة بالكونجرس الأمريكي في شهر أبريل، بأن "التوسع المذهل" للترسانة النووية الاستراتيجية الصينية يمثل خطرًا متصاعدًا بسرعة بالنسبة للولايات المتحدة. وفي مارس، عبّرعن "قلقه البالغ" من التعاون الصيني الروسي في مجال الأسلحة النووية.
غير أن النية الحقيقية للمسؤولين العسريكيين الأمريكيين أمثال تشارلز ريتشارد من إثارة "التهديد النووي" ليست أكثر من محاولة لكسب حصة أكبر للميزانية، للحفاظ على أفضلية القوة النووية الأمريكية وتعزيزها. وفي النهاية كان لهم ما أرادوا. فوفقًا لمسودة ميزانية الدفاع الأخيرة للسنة المالية 2023 التي قدمتها إدارة بايدن، بلغت ميزانية صيانة الترسانة النووية الأمريكية وتحديثها 34.4 مليار دولار، بعدما كانت في حدود 27.7 مليار دولار في السنة المالية 2022. وسيتم اعتماد 6.3 مليار دولار أمريكي لبناء غواصة نووية استراتيجية من فئة "كولومبيا"، ورصد 5 مليارات دولار أمريكي لبناء قاذفة B-21، و 3.6 مليار دولار أمريكي لبناء جيل جديد من القاذفات. كما سيتم اعتماد مليار دولار لتطوير صواريخ كروز نووية جديدة بعيدة المدى تطلق جوًا خارج منطقة الدفاع، ورصد 4.8 مليار دولار لتحديث نظام القيادة والتحكم النووي. ولذلك فإنه تحت ستار "التهديد النووي" الصيني الروسي، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية مبرّرا لـممارسة حريتها وهيمنتها النوويتين.
في الحقيقة، بدلاً من القول إن الولايات المتحدة عرضة لـ "التهديد النووي"، فإن الصواب هو القول بأنها تعد أكبر مصدر عالمي للتهديدات النووية. وحتى مع امتلاكها لأكبر ترسانة نووية في العالم، فإن الولايات المتحدة لا تزال غير راضية، وترغب في استثمار المزيد من التريليونات لتحديث قوتها النووية. كما أنها لم تقف عند هذا الحد، بل بادرت بالإنسحاب من اتفاقيات الحد من الأسلحة مثل معاهدة القذائف المضادة للقذائف التسيارية ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى. ورفضت التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وواصلت تعزيز نشر النظام الصاروخي، ونشر صواريخ أرضية وسيطة في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. إلى جانب قيامها ببيع الغواصات النووية إلى أستراليا، وتعزيز خطة "المظلة النووية" لبناء "دائرة نفوذ صغيرة"، تذكرنا بسياسات الحرب الباردة. ومنذ وقت ليس ببعيد، أصدرت الولايات المتحدة أيضًا إشارة سلبية بشأن مراجعة الوضع النووي، رافضة التخلي عن سياسة الردع النووي القائمة على الاستخدام الأول للأسلحة النووية.
تبقى الولايات المتحدة هي الطرف المتسبب في جرّ العالم نحو "الرعب النووي". في المقابل ظلت الصين تتبع استراتيجية نووية دفاعية، والحفاظ على نطاق قوتها النووية عند الحد الأدنى المطلوب للأمن القومي. كما التزمت الصين بسياسة عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية في أي وقت وتحت أي ظرف من الظروف. وتعهدت بعدم استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها ضد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها دون قيد أو شرط. بينما تعمل الولايات المتحدة دائما على تضخيم التهديدات النووية التي تستهدفها، وتعتمدها مبررا لتطوير ترسانتها النووية دون توقف.
وفي وقت سابق من هذا العام، أصدر قادة الدول الخمس الحائزة على الأسلحة النووية بيانًا مشتركًا بشأن منع الحرب النووية وتجنب سباق التسلح، وأعربت عن إرادتها المشتركة لتجنب المواجهة العسكرية ومنع سباق التسلح. وهو ما يفرض على الولايات المتحدة أن تتحمل بجدية مسؤولية نزع السلاح النووي، وأن تواصل تخفيض ترسانتها النووية بدرجة أكبر، وبطريقة يمكن التحقق منها ولا رجعة فيها، وتكون ملزمة قانونيا، وأن تفي بمسؤولياتها الواجبة لتقليل التهديدات النووية وتعزيز نزع السلاح النووي.