بيروت 17 مايو 2022 (شينخوا) طوى لبنان اليوم (الثلاثاء) صفحة الانتخابات البرلمانية بإعلان نتائجها النهائية، التي أسفرت عن خريطة برلمانية جديدة للقوى الحزبية والسياسية بغياب أية أكثرية وازنة لأي فريق.
وأعلن وزير الداخلية والبلديات اللبناني بسام مولوي، في مؤتمر صحفي اليوم نتائج الانتخابات البرلمانية في ثمان دوائر لتكتمل النتائج النهائية للانتخابات، التي جرت أول أمس الأحد في 15 دائرة في البلاد.
ويتألف برلمان لبنان المتعدد الطوائف من 128 نائبا مناصفة بين المسلمين والمسيحيين بواقع 34 نائبا للموارنة و27 للسنة و27 للشيعة و14 للروم الأرثوذكس و8 للروم الكاثوليك و8 للدروز و5 للأرمن الأرثوذكس ونائبين للعلويين ونائب واحد لكل من الأرمن الكاثوليك وللإنجيليين والأقليات.
وتتوزع الحصص في البرلمان على المناطق، إذ يبلغ عدد النواب في جبل لبنان 35 نائبا، وفي الشمال 28 وفي الجنوب 23 وفي بيروت 19 وفي الشرق في البقاع 23 نائبا.
وأظهرت قراءة النتائج الرسمية للانتخابات خريطة برلمانية جديدة للقوى الحزبية والسياسية مع غياب أية أكثرية وازنة لأي فريق.
وعكست نتائج الانتخابات ثبات الكتل البرلمانية للثنائي الشيعي حركة (أمل) و(حزب الله) برغم تراجع حضور حلفائهما نسبيا، مقابل تقدم كتلة حزب (القوات اللبنانية) المسيحي وظهور كتلة جديدة لناشطي المجتمع المدني وحراك 17 أكتوبر 2019 المضاد للانهيار المالي والاقتصادي الذي يحمل الطبقة السياسية مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد.
كذلك تغيب عن برلمان 2022 كتلة "تيار المستقبل"، التي ضمت 19 نائبا في برلمان 2018 برئاسة القطب السني سعد الحريري، والذي كان أعلن عزوفه وتياره عن المشاركة في الانتخابات الحالية.
وقد توزعت المقاعد البرلمانية لـ"تيار المستقبل" ومعظمها مخصص للطائفة السنية على قوى وشخصيات سنية عدة، لكن ستة من أعضاء التيار السابقين خاضوا الانتخابات وتمكنوا من الفوز.
وحافظت حركة (أمل) الشيعية على كتلتها البالغة 15 نائبا، وكذلك بقيت كتلة (حزب الله) ثابتة على عديدها البالغ 13 نائبا، إضافة إلى ثلاثة نواب حلفاء فازوا على لوائحه.
فيما ارتفعت كتلة حزب (القوات اللبنانية) المسيحي برئاسة سمير جعجع، إلى 20 نائبا بعدما كانت 15 نائبا في انتخابات العام 2018.
وأظهرت النتائج فوز "التيار الوطني الحر" المسيحي، الذي أسسه رئيس البلاد ميشال عون، ويرأسه حاليا صهره النائب جبران باسيل، بـ 18 نائبا بعدما كانت كتلته البرلمانية 12 نائبا، الكتلة المسيحية الأكبر في البرلمان.
كما أظهرت نتائج الانتخابات أن "الحزب التقدمي الاشتراكي" بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، قد حافظ على ثبات كتلته البرلمانية البالغة تسعة نواب.
أما حزب (الكتائب اللبنانية) برئاسة سامي الجميل، فقد ارتفعت كتلته البرلمانية إلى 5 نواب بعدما كانت تضم في برلمان العام 2018 ثلاثة نواب.
وفي مفاجأة كبرى، أظهرت نتائج الانتخابات فوز ناشطين في المجتمع المدني وحراك 17 أكتوبر 2019 بنحو 18 مقعدا برلمانيا في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية.
كذلك أفضت الانتخابات إلى زيادة عدد الشخصيات المستقلة عن الأحزاب في البرلمان، إذ ارتفع من 9 في برلمان العام 2018 إلى نحو 13 في البرلمان المنتخب.
فيما منيت شخصيات وأحزاب سياسية بالخسارة بفعل انعكاسات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد على توجهات الناخبين.
ومن بين أبرز الخاسرين رئيس "الحزب السوري القومي الاجتماعي" السابق أسعد حردان، ورئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان، ونجل رئيس الوزراء السابق فيصل كرامي، ونائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي.
وعلى صعيد التمثيل الحزبي يتمثل في البرلمان "تيار المردة" المسيحي بنائبين، وحزب "الطاشناق" الأرمني بثلاثة نواب، و"حركة الاستقلال" بنائبين، و"جمعية المشاريع الإسلامية" بنائبين، وكل من "الجماعة الإسلامية" و"التنظيم الناصري" و"حزب الإتحاد" و"حزب الوطنيين الأحرار" بنائب واحد لكل منها.
وبعيد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، دعا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، اليوم القوى السياسية والكتل في البرلمان المنتخب إلى حوار جدي للتأسيس من أجل الانتقال بلبنان من دولة المحاصصة الطائفية إلى الدولة المدنية.
وقال بري في كلمة إن الحوار يجب أن يتناول عددا من الموضوعات "أولها نبذ خطاب الكراهية وتصنيف المواطنين"، مشددا على أنه "لا توجد طائفة تريد أن تلغي طائفة أخرى".
ودعا إلى البدء في البرلمان الجديد بحوار جدي بالشراكة مع قوى المجتمع المدني من أجل إلغاء قانون الانتخابات الحالي الذي وصفه بأنه "مسيء للشراكة ويمثل وصفة سحرية لتكريس المحاصصة وتعميق الطائفية والمذهبية".
واعتبر بري أنه "آن الأوان لقانون خارج القيد الطائفي وخفض سن الاقتراع لـ18 سنة وكوتا نسائية وإنشاء مجلس للشيوخ تمثل فيه الطوائف بعدالة".
وشدد على ضرورة إقرار البرلمان قانون استقلالية القضاء وإقرار خطة للتعافي المالي والاقتصادي تحفظ حقوق المودعين في المصارف دون أي مساس بها.
وأكد بري أهمية إنجاز كافة الاستحقاقات الدستورية في موعدها وقطع الطريق على أي محاولة لإغراق البلد أو أي سلطة في الفراغ.
بدوره، هنأ الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، اليوم الشعب اللبناني على إجراء الانتخابات النيابية، متمنيا أن تكون خطوة إيجابية نحو تصحيح الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.
ودعا أبوالغيط، في بيان "اللبنانيين إلى البناء على نتائج هذه الانتخابات، والإسراع في تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية واللازمة لتمكين لبنان من الخروج من الأزمة واستعادة عافيته، خاصة فيما يتعلق بإنجاز الاتفاقيات الاقتصادية والمالية مع صندوق النقد الدولي".
وناشد المسؤول العربي، "القيادات اللبنانية من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية بإظهار أعلى مستويات المسؤولية وإعلاء المصلحة الوطنية، باعتبار أن الشهور القادمة ستمثل اختباراً حاسماً لقدرة البلاد على اجتياز الأزمة"، داعياً المجتمع الدولي للوقوف إلى جوار لبنان وتعزيز صموده الاقتصادي في هذه المرحلة الدقيقة.
وتبدأ ولاية البرلمان المنتخب في 21 مايو الجاري، إذ يفترض أن ينتخب رئيسه وهيئة مكتبه على أن يلي ذلك، بحسب الدستور، إعادة تكوين السلطة باستقالة الحكومة وإجراء رئيس البلاد استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس للوزراء يكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة.
وجرت الانتخابات البرلمانية الأحد الماضي لانتخاب 128 نائبا من بين 718 مرشحا، بينهم 118 مرشحة في 15 دائرة، وبلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 41 بالمائة، بحسب وزارة الداخلية.
وتزامنت الانتخابات في لبنان مع أزمات سياسية واقتصادية ومعيشية وصحية متشابكة غير مسبوقة صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وجاءت بعد انفجار مرفأ بيروت الضخم في أغسطس 2020، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وجرح 6500 آخرين وتهجير 300 ألف شخص، إضافة إلى تدمير عدة أحياء في العاصمة اللبنانية وخسائر قدرت بـ15 مليار دولار.