من المنتظر أن يجري الرئيس الأمريكي جو بايدن جولة آسيوية تشمل كوريا الجنوبية واليابان بين 20 و24 مايو الجاري، وهي أول زيارة له إلى آسيا منذ توليه منصبه. وقد بدأ التخطيط لهذه الجولة في بداية العام الحالي، وتحدثت وسائل الإعلامعن أبرز محطّات الزيارة وبرنامجها. وتشير مختلف الدلائل إلى أن جولة بايدن ستستهدف الصين بشكل رئيسي. الشيء الذي يثير القلق والهواجس في كامل منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وبحسب السفير الأمريكي لدى اليابان رام ايمانويل، فإن هذه الجولة تمثل " تحذيرا للصين بأن الوجود الأمريكي في المحيط الهادئ قوي". كما لم يتورّع المسؤولون الأمريكيون ووسائل الإعلام الأمريكية عن الكشف عن محاولات بايدن التنسيق مع كوريا الجنوبية واليابان لاحتواء أو استبعاد الصين. وهو ما يمثل خبرا سيئا للسلام في منطقة آسيا المحيط الهادي.
ويعد هذا السلوك الأمريكي في آسيا المحيط الهادي، ظاهرة ملفتة في العلاقات الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة. حيث من الغريب أن يتنقل زعيم دولة كبرى ليحرّض بعض الدول على دولة مجاورة، ومحاولة قيادة حملة من حملات الحرب الباردة لتخريب العلاقات الثنائية القائمة والآليات متعددة الأطراف والتنمية والاستقرار في المنطقة.
وفي هذا الصدد، أشار عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في لقاء جمعه مع وزير الخارجية الياباني هاياشي يوشيماسا عبر الفيديو في 18 مايو الجاري، إلى أنه "ما يثير القلق واليقظة هو أن الحديث عما سمّي بالتحالف الياباني الأمريكي ضد الصين قد أصبح متداولا حتى قبل بدء زيارة الرئيس الأمريكي." وهو ما يعكس رغبة الجانب الأمريكي في إستعمال قدراته على تعبئة الرأي العام في العالم لنشر وتبرير خطاب "مناهضة الصين".مما يعد مقوضا للسلام والإستقرار الاقليمي والعالمي.
جدير بالذكر أنه بالإضافة إلى لعب "الورقة الأمنية" و"الورقة العسكرية" كما في السابق، سيجلب بايدن معه هذه المرّة "الورقة الاقتصادية المعادية للصين". حيث كشفت وزيرة التجارة الأمريكية ماري رايموندو في 17 من مايو الجاري، بأن بايدن سيعلن رسميًا عن إطلاق مخطط "الإطار الاقتصادي الهندي والهادئ" خلال زيارته لليابان، مع التركيز على "بناء مجالات مهمة في الاقتصاد وسلسلة التوريد لعقود قادمة". وهي خطة تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى "فصل" دول المنطقة عن الصين، وتأسيس دائرة مصغرة تقصى فيها الصين أمنيا واقتصاديا.
لكن النية شيء، والتأثير الفعلي شيء آخر. ناهيك عن أن اليابان وكوريا الجنوبية مندمجتان اقتصاديا مع الصين، ومن الصعب فصل اقتصادات المنطقة عن بعضها. أما امكانية نجاح انشاء "الاطار الاقتصادي في المحيطين الهندي والهادي"، فلا تزال محل شك .والآن، ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، لم يتبق سوى عامين على الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وبذلك من يمكنه ضمان ألا يتكرر سيناريو الانسحاب المفاجئ من الشراكة عبر المحيط الهادئ؟ ومن يضمن ألا تتنكر الولايات المتحدة لحلفائها أو أن "تنهبهم" أثناء ركودها؟
إن عواقب إثارة الولايات المتحدة باستمرار للتوترات الإقليمية وخلق الإنقسامات العالمية بادية للجميع في العراق وسوريا وأفغانستان وأوكرانيا. والآن، تصوّب الولايات المتحدة فوهة مدفعها نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ مرة أخرى، معتبرة اياها لعبة شطرنج للمواجهة الجيوسياسية، في محاولة لتحويل الدول المجاورة للصين إلى بيادق يمكنها التلاعب بها. لكن تحالفات الحرب الباردة والمواجهات الجيوسياسية لا تجد صدا في المنطقة، وأي إجراء يخدم هذا الهدف سيكتب نهاية بالفشل.
تفخر الولايات المتحدة بكونها "قوة مقيمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، وهذا يحتّم عليها واجب الإهتمام بهذه المنطقة التي تمثلل أرض ساخنة للتعاون والتنمية، بدلاً من جعلها "ساحة معركة" تعود بالضرر على جميع الأطراف. ونحن نأمل أن يكذّب بايدن بالقول والفعل مايروج في الرأي العام عن جولته الآسيوية، وإلا فإن ستكون جولة مخيّبة للآمال ومضرة بالمنطقة.