ليو تشونغ مين /أستاذ معهد أبحاث الشرق الأوسط، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية
بعد عشرة سنوات من "الربيع العربي“، لم تشهد منطقة الشرق الأوسط أي أمثلة على تحول وطني ناجح، ناهيك عن نموذج تنموي يمكن استخدامه كمرجع، كما لم يحل أي من القضايا الساخنة الأصلية والجديدة من حيث السلام الإقليمي، ولم تتوقف الفوضى في المنطقة.
أولا، القدرة القيادية للقوى الخارجية تتراجع
تشهدت القدرة القيادية للقوى الخارجية تراجعا، ولكن في نفس الوقت زادت العلاقات بين القوى الكبرى تعقيدا، وهو أمر أكثر تدميراً. على سبيل المثال، لا تساعد الممارسات المتطرفة لإدارة ترامب في الولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية، والعلاقات المتضاربة والتعاونية بين الولايات المتحدة وروسيا، وروسيا وتركيا في العديد من القضايا، على استقرار الوضع الإقليمي.
ثانياً، التمايز بين الدول الإقليمية يزداد تعقيدا
أصبحت خصائص الحرب الباردة، والوكالات، والطائفية الإقليمية، وتركيز مجموعة من الفصائل المختلفة على القضايا الإقليمية الساخنة بارزة بشكل متزايد في منطقة الشرق الأوسط، في ظل استمرار المواجهة بين السعودية وإيران، واشتداد الخلاف بين تركيا والسعودية، والسلام بين دول الخليج العربية وإسرائيل.
ثالثًا، التهديدات الأمنية التقليدية والتهديدات الأمنية غير التقليدية تتعايشان
تستمر الأزمات الأمنية التقليدية في الشرق الأوسط الكبير، مثل الحروب الأهلية الأصلية أو الحروب شبه الأهلية (سوريا واليمن وليبيا والعراق) والصراعات الدولية في التدهور، وتستمر مصادر المخاطر الجديدة في الازدياد (مثل نزاع كاراباخ الأخير في أذربيجان وأرمينيا وتدخل تركيا وإسرائيل ودول أخرى في المنطقة)، كما تتزايد حدة الأزمات مثل الإرهاب والتطرف والانتشار النووي واللاجئين ونزاعات الحقوق البحرية (خاصة في شرق البحر المتوسط) والمنافسة على الموارد المائية.
رابعا، التحول الوطني وبناء الدولة في الشرق الأوسط أمرًا بالغ الصعوبة
تواجه العديد من دول الشرق الأوسط في الوقت الحاضر، ضغوطات التحول الوطني والبناء الوطني، وتكمن صعوبة التحول الوطني في التأخر في إيجاد مسار التنمية المناسب ونموذج التنمية، وتكمن صعوبة البناء الوطني في عجز تطوره السياسي والاقتصادي عن التخلص من الرقابة الخارجية وسياسات الهوية الداخلية (الطوائف والجماعات العرقية وغيرها).
وتعود جذور الفوضى في الشرق الأوسط إلى: ـ
أولاً، تدخل القوى الخارجية
يتمتع نظام الشرق الأوسط بتدخلات خارجية قوية، حيث تم تشكيل نظام الدول في الشرق الأوسط على التراث التاريخي الاستعماري، ولا يمكن حل الشؤون الإقليمية والقضايا الساخنة والقضايا الداخلية في الشرق الأوسط من خلال التعاون الإقليمي أو الاستقلال الداخلي، بسبب هيمنة الولايات المتحدة وروسيا والقوى الأوروبية على شؤون الشرق الأوسط، بينما القوة الإقليمية في الشرق الأوسط ضعيفة للغاية. ويشكل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بين دول المنطقة، ولا سيما القوى الإقليمية، المستوى الثاني من التدخل الخارجي، ويشكل لعبة ثنائية أو متعددة الوكلاء في العديد من القضايا الساخنة. وتنحصر القضايا الساخنة الحالية في الشرق الأوسط في لعبة مزدوجة أو متعددة الوكلاء. وهذا هو المصدر الرئيسي لقضايا النقاط الساخنة التي طال أمدها في الشرق الأوسط وصعوبة الحل السياسي.
بالإضافة إلى ذلك، سواء كان حكمًا استعماريًا أو حكم انتداب خلال الفترة الاستعمارية، أو التأثير العميق للأيديولوجيات والأنظمة الاجتماعية الشرقية والغربية على دول الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة، و "التحول الديمقراطي" للغرب بعد الحرب الباردة والتدخل القوي للنيوليبرالية في التنمية السياسية والاقتصادية للشرق الأوسط، كلها تجعل مسار التنمية لدول الشرق الأوسط لديها اعتماد خارجي خطير. وفي الوقت نفسه، أدى إحباط القومية المحلية، والحركات الإسلامية المتعارضة مع الأفكار والأنظمة الأجنبية إلى زيادة صعوبات التنمية في بلدان الشرق الأوسط، مما أدى إلى تعميق عجز الحوكمة والتنمية.
ثانيا، نظام الشرق الأوسط شديد التنافس والمواجهة
هناك نقص في الثقة الأمنية المتبادلة بين دول المنطقة، ولا يزال المفهوم التقليدي لمعضلة لعبة المحصل الصفري الأمنية هو إجماع مفاهيم الأمن القومي الإقليمي. على سبيل المثال، تشكل المواجهة بين السعودية وإيران، والمنافسة بين السعودية وتركيا الخطين الرئيسيين للعلاقات الدولية الإقليمية الحالية، في حين أن السلام بين الدول العربية وإسرائيل هو تعاون سلبي للغاية، والسبب المهم هو مقاومة إيران وتلاعب الولايات المتحدة. على المستوى المحلي، شكلت العلاقة بين الحكومة والمعارضة والطائفية والعرقية والقبلية والدينية والعلاقات العلمانية أيضًا علاقات عدائية وتنافسية حول توزيع السلطة والثروة، بل وتحركت نحو صراعات داخلية، وتهيئة الظروف للحرب بالوكالة. على سبيل المثال، منذ "الربيع العربي"، واجهت مصر ودول أخرى صعوبات المواجهة الدينية والعلمانية، كما عانت سوريا واليمن والعراق وليبيا من الصراعات بين الطوائف والجماعات العرقية.
ثالثا، معضلة سياسات الهوية القومية في الشرق الأوسط
يواجه نظام الشرق الأوسط معضلة سياسات الهوية القوية، من ناحية، يعاني بناء دولة قومية في الشرق الأوسط بشدة من الهويات فوق الوطنية ودون الوطنية، وقد تعرض بناء دولة قومية شرق أوسطية لانتكاسات مرارا وتكرارا بسبب هذين النوعين من سياسات الهوية. ومن ناحية أخرى، فإن القومية العلمانية، التي تعد أساس بناء الدولة القومية، قد تأثرت بالأفكار الإسلامية الكبرى، حتى بلغت الى مستوى الصراعات.
لذلك، فإن معضلة السياسة القائمة على الهوية لا تؤثر فقط على بناء الدول القومية، ولكن في نفس الوقت، تستمر في الانتشار والتأثير على العلاقات الإقليمية بين البلدان حتى تؤدي إلى صراعات دولية بسبب الطبيعة العابرة للحدود للهويات العرقية والدينية والطائفية. ومنذ "الربيع العربي"، تظهر المقاومة العرقية والطائفية بين المملكة العربية السعودية وإيران، والانتعاش "الثنائي" في الشؤون الداخلية والدبلوماسية التركية، والصراعات الطائفية في سوريا واليمن وليبيا، وغيرها من الصعوبات الناجمة عن سياسات الهوية القوية في الشرق الأوسط.
لذلك، يمكن أن نلاحظ أن التدخل الخارجي، والمعضلات الأمنية، وانعدام الثقة، وسياسات الهوية تشكل جذور الفوضى الإقليمية في الشرق الأوسط، ولم يفشل "الربيع العربي" في العقد الماضي في حلها فحسب، بل زاد من تفاقمها وتفعيلها. وتتمثل سبل تحقيق السلام والاستقلال والتنمية في الشرق الأوسط، في تحقيق الاستقلال وإرساء الثقة المتبادلة، والتخلص من قيود سياسات الهوية، واستكمال هيكل البناء الوطني والنظام الإقليمي، لكن كل هذه السبل لا تزال بعيدة عن منطقة الشرق الأوسط.