أعلن مسؤولو الأمم المتحدة في 23 أكتوبر الجاري أن طرفي النزاع في ليبيا وقعا في نفس اليوم "اتفاق دائم" لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، ويدخل حيز التنفيذ "فورا"، عقب محادثات في جنيف دامت خمسة أيام. وبالنسبة لليبيا التي عانت من الحرب لفترة طويلة، فإن توقيع الاتفاقية يرسل إشارة إيجابية لتهدئة الوضع. ويولي المجتمع الدولي اهتماما بالغا بإمكانية انطلاق سلام حقيقي في ليبيا.
حدة الصراع نحو تخفيف تدريجي
نصت اتفاقية وقف إطلاق النار التي توصل إليها طرفا النزاع في ليبيا على وجوب عودة جميع القوات العسكرية والتنظيمات المسلحة على الخطوط الأمامية للحرب إلى معسكراتهم، ومن يوم الوصول الى الاتفاق فصاعدًا، يجب مغادرة جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب الأراضي الليبية وأجوائها ومياهها الإقليمية في غضون 3 أشهر، وسيشكل طرفا النزاع قوة شرطة مشتركة. وفي الوقت نفسه، لا ينطبق وقف إطلاق النار على الجماعات التي حددتها الأمم المتحدة على أنها منظمات إرهابية.
وفقًا لمسؤولي الأمم المتحدة، فإن الرحلة الجوية التي طارت من طرابلس إلى بنغازي في اليوم الذي تم فيه توقيع الاتفاقية علامة فارقة في تخفيف حدة الصراع في ليبيا.
بعد الإطاحة بنظام القذافي عام 2011، وقعت ليبيا في حالة من الفتنة والانقسام الأهلي، وشكلت تدريجياً حالة فصل بين القوتين الرئيسيتين. وتسيطر حكومة الوحدة الوطنية والقوات المسلحة الداعمة لها على العاصمة طرابلس والمناطق الغربية الأخرى المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وشكّل المؤتمر الوطني تحالفًا مع "الجيش الوطني" بقيادة خليفة حفتر للسيطرة على المناطق الشرقية والوسطى والمدن الكبرى في الجنوب وبعض المدن الغربية.
يشهد الوضع في ليبيا تعافياً تدريجياً منذ بداية هذا العام، حيث أرسل كل من الطرفين المتنازعين خمسة ممثلين للمشاركة في المفاوضات التي قادتها الأمم المتحدة في يناير هذا العام، وعقدت أربع جولات حتى الآن؛ في أغسطس، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية والمؤتمر الوطني وقف إطلاق النار؛ وفي سبتمبر، تم التوصل إلى توافق مبدئي حول تبادل المحتجزين، وفتح النقل الجوي والبري؛ وفي 21 أكتوبر، توصل الطرفان أخيرًا إلى اتفاق مبدئي، ووعد بممارسة ضبط النفس قدر الإمكان، والحفاظ على الوضع الراهن، ومنع تسخين الوضع.
وقف اطلاق النار خطوة هامة لعملية السلام في ليبيا
يرى وانغ جين، أستاذ مشارك في معهد أبحاث الشرق الأوسط بجامعة شمال غربي الصين، أن هناك ثلاث أسباب وراء وقف إطلاق النار في ليبيا: أولاً، منذ بداية هذا العام، واجهت المواجهات بين الفصائل السياسية المختلفة في ليبيا حالة من الجمود على جبهة " سرت-الجفرة “، وشكل تدريجياً "خط وقف إطلاق نار" واقعيا. ثانيًا، لا يستطيع مؤيدو طرفي الصراع، مثل تركيا ومصر، الاستمرار في التدخل ودفع الصراع إلى الأمام، وهناك نية للتفاوض بشأن السلام. ثالثًا، تعزيز المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة المفاوضات بين أطراف النزاع، وتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار.
لاقى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا تقديرات إيجابية ودعمًا من الرأي العام الدولي. وصرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن إبرام اتفاق وقف إطلاق النار يبين أن ليبيا قد اتخذت خطوة أساسية نحو السلام والاستقرار. ورحب الاتحاد الأوروبي بإبرام اتفاق وقف إطلاق النار، قائلاً:" إن هذه خطوة أساسية في استئناف الحوار السياسي"، ويحث على تنفيذها الفوري.
يرى الخبير الليبي في العلاقات الدولية خالد منتصر، أن اتفاق وقف إطلاق النار مدعوم من دول الجوار الليبي ودول الشرق الأوسط والمجتمع الدولي، وهو إجماع واسع.
وقال وانغ جين: "كل شيء صعب في البداية، ووقف إطلاق النار هو الخطوة الأولى والأكثر أهمية في عملية السلام في ليبيا ".
الاتفاقية المزمع تنفيذها
كيف يمكن تنفيذ الاتفاقية الورقية للسلام في ليبيا؟ لا يزال القلق من العالم الخارجي قائما. قال أحد سكان طرابلس لرويترز: "إذا لم تكن هناك قوة أو آلية لطرد المرتزقة ووقف كل القوات المسلحة الأجنبية وحل جميع الميليشيات وجمع كل الأسلحة، فلن يكون هذا الاتفاق سوى حبرا على ورق".
يعتقد المحلل العسكري الليبي خليفة التليسي أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال بحاجة إلى دعم أقوى من القوى الخارجية.
"لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار." وفقا لستيفاني ويليامز ، القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، اتفقت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة مع الأمم المتحدة على إنشاء آلية مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
وأشار وانغ جين إلى أن متابعة عملية السلام في ليبيا ما زالت تواجه العديد من التحديات والمشاكل، على سبيل المثال، كيفية التعامل مع العلاقة بين القوتين السياسيتين، وكيفية بناء القوة العسكرية للبلد في المستقبل، وكيفية تأكيد الوضع القانوني لبعض المنظمات المليشيات أو الجماعات العسكرية المحلية، وكيفية استعادة بناء البنية التحتية وحياة الناس التي تضررت من الحرب، وكيفية موازنة العلاقات الدبلوماسية مع الدول ذات الصلة داخل وخارج المنطقة، إلخ. "وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية لا يمثل السلام حقًا، ولا يزال الطريق طويلاً قبل أن يتم حل القضية الليبية بالكامل."