واشنطن 11 سبتمبر 2020 (شينخوا) خضعت استجابة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه كوفيد-19، للمزيد من الفحص الدقيق إثر ما كشفه الصحفي بوب وودوارد من أن ترامب تعمد تضليل عامة الأمريكيين بشأن خطورة الوباء.
ويعتزم وودوارد، المعروف بأنه وراء الكشف التاريخي المتعلق بفضيحة ((ووترغيت)) التي أدت إلى استقالة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، إصدار كتابه الجديد "الغضب" يوم الثلاثاء المقبل.
أما ترامب، فسارع للدفاع عن نفسه بعد وقت قصير من ظهور الأنباء عن الكتاب، وعقد مؤتمرات صحفية ليومين متتاليين، للتنديد بالمزاعم القائلة إنه كذب متعمدا على الشعب الأمريكي بشأن الخطورة المهلكة لكوفيد-19.
رغم ذلك، فإن المحاولة المفضوحة للرئيس، لتضليل عامة الأمريكيين، لم تشوه الحقائق المحيطة بالفيروس وانتشاره عالميا فحسب، بل جعلت أيضا الإصابات والوفيات التي كان من الممكن تجنبها، أمرا لا مفر منه.
"الشيء القاتل"
لقد نقل وودوارد في الكتاب عن ترامب قوله، على الهاتف مع الصحفي الحائز على جائزة بوليتزر، في وقت سابق في الـ7 من فبراير، حول فيروس كورونا، إنه (الفيروس) ينتقل عبر الهواء، ولذلك "فهو أكثر فتكا من الأنفلونزا الشديدة".
ولكن في الـ27 من فبراير، قال الرئيس أمام مجموعة من القادة الأمريكيين من أصل أفريقي في اجتماع بالبيت الأبيض، إن الفيروس "سيختفي. كالمعجزة". وكرر عبارات مماثلة في لقاءات علنية 33 مرة منذ بداية تفشي الفيروس حتى منتصف أغسطس، وفقا لإحصاء صحيفة ((واشنطن بوست)).
وكشف كتاب وودوارد أيضا عن أن ترامب قد اعترف بالتقليل من خطورة الموقف - وتعهد بمواصلة ذلك - حتى لا يتسبب في حالة من الذعر بالبلاد.
قال الرئيس لوودوارد في 19 مارس "أردت دائما التقليل من شأنه. وما زلت أحب التقليل من شأنه، لأنني لا أريد أن أثير حالة من الذعر".
ومع اشتداد الغضب بسبب خداعه هذا، عقد ترامب مؤتمرا صحفيا يوم الأربعاء في البيت الأبيض، لتبرير خطئه، زاعما "لم أكذب".
ويوم الخميس، كرر ترامب أمام للصحفيين أن نيته كانت لتهدئة البلاد، وقال "الحقيقة هي أنه يجب أن يكون هناك هدوء. لا تريدني أن أقفز للأعلى والأسفل وأنا أصرخ، أنه سيكون هناك هلاك كبير. وسيكون هناك... ذلك، سيتسبب فعلا بمشاكل خطيرة للبلاد".
الجدير بالذكر هنا أيضا أن وودوارد يواجه انتقادات لتأخره في الكشف مباشرة عن تصريحات ترامب هذه، بعد أن أنهى 18 مقابلة مع الرئيس في مارس.
في تغريدة على تويتر، تساءل ديفيد بوردمان، عميد معهد الصحافة بجامعة تمبل، عما إذا كان من الأخلاقي من وجهة نظر الصحافة "إبقاء مثل هذه المعلومات المثيرة (لنشرها) في كتاب".
قال وودوارد في مقابلة "كنت أعلم أنه بإمكاني إبلاغ النص الثاني للتاريخ، وأعلم أن بإمكاني قول ذلك قبل الانتخابات"، وفقا لما نقلته عنه صحيفة ((واشنطن بوست))، مضيفا أنه كان بحاجة لوقت إضافي للتحقق من مصدر وصدق المعلومات التي أخبره بها ترامب.
إلقاء اللوم على الآخرين
حتى الآن، يصر ترامب على أن الولايات المتحدة كانت بحالة جيدة، وكانت ستبقى على هذا النحو لولا وصول ما أسماه متحيزا "فيروس الصين"، وأنه كان ينبغي على الصين منع الفيروس من أن ينتشر خارج حدودها.
ومن خلال إلقاء اللوم على الصين، ومن خلال النظر إلى ما كشفه وودوارد، سيتعين على الناس أن يتفحصوا ما إذا كانت هذه هي الاستراتيجية المتعمدة للرئيس: فقد غضّ الطرف عن حقيقة أن الصين، التي كانت من أوائل الدول التي أجرت البحوث حول فيروس كورونا الجديد وأبلغت المجتمع الدولي عن نتائج بحوثها، قد انخرطت في جهد شامل لمكافحة الوباء من خلال إعطاء الأولوية لحياة الناس وتأييد التعاون الدولي في مواجهة هذا التهديد المشترك.
وظل ترامب أيضا غير قادر على الاعتراف بحقيقة أن إلقاء اللوم على الآخرين لم يخدم أبدا التعامل مع الأزمة التي واجهها في داخل بلاده، فحسب، بل أضاع أيضا الوقت الثمين خلال المرحلة المبكرة حيث كان من الممكن إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح التي فُقدت بلا مبرر، من خلال وصف العلاجات المناسبة.
قال معهد بروكينغز، وهو معهد بحثي مقره واشنطن، في مقال نُشر في 19 أغسطس، إن "حقيقة أن الولايات المتحدة تعاني من أسوأ تفش لكوفيد-19 في العالم، هي في جزء كبير منها، نتيجة تصرفات قادتنا وتقاعسهم عن التحرك"، مضيفا أن "نلوم الصين بدون أن نلوم أنفسنا ليس حسابا صادقا".
وأضاف المعهد أن بعض الدول "ومنها الولايات المتحدة"، "لم تتبنَّ (إجراءات) الاختبارات الصارمة، وتتبع جهات الاتصال، والتباعد الاجتماعي، وغيرها من الإجراءات التي تبنتها الصين بنجاح لاحتواء الانتشار خارج ووهان، حتى بعد تأكيد السلطات الصينية والعلماء الصينيين، إمكانية انتقال العدوى بين البشر في 20 يناير، وإغلاق ووهان في 23 يناير، والتحذير في 24 يناير في بحث نُشر على مجلة ((لانسيت)) من "تفشي فيروس كورونا الجديد (بما يشكل) قلقا صحيا عالميا".
وجاء في مقال معهد بروكينغز أيضا أن "النقطة الأكثر أهمية، رغم كل شيء، هي أن لعبة إلقاء اللوم كانت ولا تزال تشتت الانتباه بشكل خطير عن العمل الأساسي والصعب الواجب للسيطرة على هذا المرض الرهيب".
إن هذه الكلمات ينبغي أن تكون جرس إنذار للرئيس، الذي حذرت مجلة ((ذا نيشن)) في مقال رأي يوم الخميس، من أنه "سيستمر في الكذب، وسيظل الأمريكيون يموتون".
هجوم الديمقراطيين
لقد جاءت محاولة الرئيس لتغيير هذا الحديث، قبل أقل من ثمانية أسابيع من الانتخابات الرئاسية التي اصطبغت بشكل أساسي بصبغة هذا الوباء غير المسبوق. لذلك، سيكون رأي الناخبين بشأن المرشح الأكثر كفاءة في التعامل مع الأزمة، عاملا حاسما في نتيجة الانتخابات.
استغل جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، ومنافس ترامب حاليا في الانتخابات المقبلة، التقارير الواردة عن الكتاب، لمهاجمة ترامب يوم الأربعاء، قائلا في لقاء في ميشيغان، إن الرئيس الحالي "لديه المعلومات. وكان يعلم مدى خطورة الأمر. وبينما كان هذا المرض القاتل يعصف ببلادنا، فشل متعمدا في القيام بعمله. إنها خيانة تتعلق بحياة أو موت الشعب الأمريكي".
ووصف بايدن فشل الرئيس في التصرف بأنه "يتجاوز الخسة. إنه تقصير في الواجب، وصمة عار. لقد كان يعلم كم كان (الفيروس) قاتلا. كان يعرف، وقلل من شأنه متعمدا. والأسوأ من ذلك، أنه كذب".
وردّ ترامب على المرشح الديمقراطي بتذكير المراسلين بما قال إنه سوء تصرف بايدن مع أنفلونزا الخنازير خلال رئاسة أوباما.
وقال "عندما كان جو بايدن نائبا للرئيس، كان أسلوبه الفاشل في التعامل مع أنفلونزا الخنازير كارثيا"، مضيفا "والآن يخبرنا كيف نتصرف؟ إنه لا يستطيع إدارة نفسه".
وانتقد الرئيس أيضا قرار خصمه (بايدن) بالسعي إلى "إغلاق شامل" لوقف انتشار الفيروس. كان بايدن قد أعلن أنه سيغلق البلاد مرة أخرى إذا رأى العلماء وخبراء الصحة العامة أنه ضروري للتعامل مع الوباء.
وخلال رحلة إلى فلوريدا، المحطة الأولى في حملتها الانتخابية كمرشحة ديمقراطية لمنصب نائب الرئيس، سعت كامالا هاريس لاستغلال ما كشف عنه كتاب وودوارد، لإقناع الناخبين بأن بايدن، وليس ترامب، هو من سيقود الشعب الأمريكي للتخلص من الوباء.
وفي كلمة أمام الحضور في جامعة فلوريدا ميموريال، وجهت هاريس انتقادات لترامب، قائلة إنه "يتحمل مسؤولية فريدة ومهمة وخاصة جدا، لتركيز جهوده على ما يحفظ سلامة الشعب الأمريكي"، لكنه وصف فيروس كورونا بأنه "خدعة" وتجاهل "خطورة (الفيروس) لدرجة أنه اقترح على الناس عدم ارتداء الأقنعة".
وأضافت "إنه شخص لا يولي أي اهتمام لصحة وسلامة ورفاهية الشعب الأمريكي، ومتورط بشكل علني بتجاهل صارخ لأرواح وسلامة الشعب في هذه البلاد"، قائلة للحشد في هذه الكلية المعروفة تاريخيا بأنها قريبة من الأمريكيين السود، إنها وجدت سلوك الرئيس "شائن جدا".
لقد أصبحت فلوريدا بؤرة الوباء في الولايات المتحدة هذا الصيف حيث تسبب الفيروس في أكثر من 12 ألف حالة وفاة و650 ألف حالة عدوى في 6 أشهر فقط.
فيروس خارج عن السيطرة
جاءت المعلومات التي كشف عنها وودوارد في وقت يقترب فيه عدد الوفيات المرتبطة بكوفيد-19 في الولايات المتحدة من الـ200 ألف حالة، وتجاوز إجمالي حالات الإصابة 6.4 مليون حتى ظهر يوم الجمعة، وفقا لإحصاءات من جامعة جونز هوبكنز.
ورد في مقال نشرته مجلة ((تايم)) يوم الخميس، أنه "في هذه المرحلة، يمكننا أن نبدأ في رؤية السبب وراء تعثر الولايات المتحدة: فشل القيادة على العديد من المستويات وعبر الحزبين؛ وعدم الثقة في العلماء، ووسائل الإعلام والخبرة بشكل عام؛ والمواقف الثقافية الراسخة بعمق حول الفردية وكيف نثمن حياة البشر، قد اجتمعت كلها لتؤدي إلى استجابة فاشلة بشكل كارثي تجاه الوباء".
وجاء في المقال أيضا أنه "رغم أن مشاكل أمريكا منتشرة على نطاق واسع، لكنها تبدأ من القمة. إن الصحيفة الكاملة لإخفاقات الرئيس دونالد ترامب في الاستجابة تجاه الوباء، ستكون مصدرا يُشبع كتب التاريخ".
هناك توقع بأن يصل معدل الوفيات اليومي في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 3000 في ديسمبر، مقارنة بالمعدل اليومي البالغ حوالي 1000 حاليا، وفقا لما أعلنه مؤخرا معهد القياسات والتقييمات الصحية في جامعة واشنطن، مضيفا أنه من المتوقع حدوث نحو 225 ألف حالة وفاة أخرى من الآن وحتى نهاية العام، ليرتفع إجمالي عدد الوفيات إلى 410 آلاف في يناير من العام المقبل.
قال أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، يوم الجمعة إنه لا يتفق مع ما قاله ترامب في اليوم السابق بأن الولايات المتحدة "تقترب من زاوية" كبح انتشار الفيروس.
وصرح لشبكة ((أم أس أن بي سي)) الأمريكية في مقابلة، بأن البيانات الحالية المتعلقة بفيروس كورونا بالبلاد "مقلقة"، مُحذرا من "وضع أكثر خطورة" في الخريف والشتاء.