يستمرالتقسيم الاجتماعي للعمل جنبا إلى جنب مع الإنتاجية البشرية في التطوير، وتستند العولمة الاقتصادية على التقسيم الدولي للعمل والسوق العالمية. ولا يمكن أن تطور الإنتاجية البشرية بدون التقسيم الدولي للعمل. وتعتبر السلسلة الصناعية العالمية، وسلسلة التوريد التي تشكلت على أساس التقسيم الدولي للعمل من أهم إنجازات العولمة الاقتصادية، كما أنه يمثل الدعم الأساسي لاستمرار الازدهار والتنمية لاقتصادات جميع البلدان. لكن، خالف بعض السياسيين الأمريكيين هذا الاتجاه، قائلين مرارًا وتكرارًا إن "الولايات المتحدة تكبدت خسائر" من أجل الحصول على مزيد من المزايا، بل ويهتفون أن "الصين ابتلعت الولايات المتحدة بطريقة غير مسبوقة منذ عقود". وستخلق هذه الانانية وقصر النظر الخاطئة والمؤذية للأخرين مشكلة لتقسيم العمل الدولي.
لا يمكن لبعض السياسيين الأمريكيين إنكار الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة مفيد للبلدين والعالم. ويجب أن نرى، أن القوة في تجاوز الخلافات في المصالح المشتركة للصين والولايات المتحدة، لطالما كانت قوة مهمة دفعت البلدين الى الالتقاء في منتصف الطريق. وقد أدرك السياسيون الأمريكيون الذين تعاملوا مع العلاقات الدولية بمنظور استراتيجي طويل الأمد ذلك قبل سنوات عديدة. وقد أشار الرئيس نيكسون عندما زار الصين في فبراير 1972، إلى أن "ما يجمعنا هو أن لدينا مصالح مشتركة تتجاوز هذه الاختلافات".
العلاقة الاقتصادية والتجارية الطبيعية هي علاقة متبادلة المنفعة تقوم على التجارة العادلة، وليست لعبة محصلتها صفر "أنت خاسر، أنا رابح “. وتظهر نظرية الميزة النسبية للاقتصاد الدولي أن المكاسب التجارية لدولة ما ليست مشروطة بخسارة دولة أخرى، ويمكن لجميع الأطراف في التجارة الاستفادة من التجارة. وعزز التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الأمريكي نمو الاقتصاد الأمريكي، وخفض التضخم في الولايات المتحدة، وخلق عددًا كبيرًا من الوظائف للولايات المتحدة، وجلب فوائد ملموسة للمستهلكين الأمريكيين، وخلق فرصًا تجارية وأرباحًا غير محدودة للشركات الأمريكية، وروج للارتقاء بالصناعة الأمريكية.
يتحدث بعض السياسيين الأمريكيين عن العجز التجاري فقط، دون الإشارة إلى النمو الاقتصادي وزيادة العمالة وخفض تكاليف الاستهلاك وزيادة أرباح الشركات الناتجة عن التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة، فهم إما جاهلون أو يتظاهرون بالجهل. لقد استفادت الولايات المتحدة من احتلالها طرفي "المنحنى المبتسم" لتقسيم العمل في سلسلة القيمة العالمية للإنتاج في الصين والتصدير إلى العالم، وحصلت على معظم القيمة المضافة في التجارة الصينية الأمريكية. ويقدر باحثون من بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة أنه في عام 2018، كل دولار أمريكي ينفقه الأمريكيون على السلع المستوردة "صنع في الصين"، يذهب حوالي 0.56 دولار إلى الشركات والعمال الأمريكيين، ونسبة "العائد" هذه هي الأعلى بين جميع البلدان المستوردة للولايات المتحدة. في الواقع، سيعود رأس المال المتراكم من خلال الفائض التجاري الصيني إلى الولايات المتحدة في شكل استثمارات ومشتريات، مما يغذي السوق الاستهلاكية والسوق المالية الأمريكية.
تظهر التجربة التاريخية أن المنافع المشتركة التي يجلبها التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة تتجاوز بكثير النطاق الثنائي. بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008، اقترح وزير الخزانة الأمريكي الأسبق هنري بولسون، على قادة الولايات المتحدة "جعل الصين فرصة نمو للشركات والمستهلكين والمصدرين والمستثمرين الأمريكيين". وقد أثبتت الحقائق أن الصين قد اتخذت إجراءات فعالة للتعاون مع الشركاء العالميين وأصبحت محركًا مهمًا لتعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي. وفي عام 2009، تجاوزت مساهمة الصين في النمو الاقتصادي العالمي 50٪. في الوقت الحالي، شهد الاقتصاد العالمي تأثيرا كبيرا بسبب الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد، ووفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن الصين هي الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي يمكنه تحقيق نمو إيجابي في عام 2020. وسيساعد تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة في إنعاش اقتصاديات البلدين بعد تفشي الوباء، وهي لا تزال خطوة حكيمة تلبي تطلعات شعبي البلدين والعالم. وفي الآونة الأخيرة، دعت غرفة التجارة الأمريكية وأكثر من 40 اتحادًا صناعيًا إلى: " إمكانية أن يؤدي توسيع التجارة بين الصين والولايات المتحدة إلى تعزيز تعافي السلسلة الصناعية العالمية، وزيادة تعزيز الاقتصاد العالمي في ظل الوباء، وتوفير تأثيرات مفيدة للبلدان لاستئناف الإنتاج."
إن ما يحتاج إلى توخي اليقظة هو أن بعض السياسيين الأمريكيين يغيرون عمداً الرقم الإيجابي لـ "التعاون والفوز المشترك" إلى الرقم السلبي "أنت تربح، فأنا اخسر" حتى على حساب "تقليص" المصالح المشتركة للصين والولايات المتحدة، وخسائر غير مبررة للصين والولايات المتحدة والعالم. وقبل أيام قليلة، أرسل "التحالف الأمريكي للتجارة الحرة" وحوالي 160 شركة ومنظمة تجارية أمريكية رسالة مشتركة إلى الكونجرس الأمريكي، تفيد بأن الحرب التجارية الصينية الأمريكية تسببت في دفع الشعب الأمريكي 50 مليار دولار إضافية كرسوم جمركية في عام 2019، وانكمشت القيمة السوقية للشركات الأمريكية المدرجة في البورصة بمقدار 1.7 تريليون دولار. وهذه النتيجة جديرة بالتأمل، وقمع التعاون والدخول في المواجهة إلى اين؟ أشار البروفيسور جوزيف ناي، الأستاذ في جامعة هارفارد الأمريكية مؤخرًا، إلى أن الولايات المتحدة يجب ألا تفكر في قدرتها على تجاوز الدول الأخرى فحسب، ولكن أيضًا في قدرتها على التعاون مع الدول الأخرى لتحقيق الأهداف المشتركة.
ولتطوير العلاقات الصينية الأمريكية، يجب أن نتجنب الأخطاء الاستراتيجية، وتجنب ارتكاب أخطاء تاريخية لا يمكن إصلاحها بسبب قصر النظر. كما يمكننا التوافق مع اتجاه العولمة الاقتصادية من خلال القفز من التفكير في لعبة محصلتها الصفرية، واتباع مفهوم التعاون المربح للجانبين، وتحسين القدرة على تحقيق مكاسب متبادلة مع البلدان الأخرى.