بكين 15 يوليو 2020 (شينخوا) أعلنت لندن يوم الثلاثاء عن حظر شامل لمشاركة هواوي في شبكة الجيل الخامس (5G) في بريطانيا، مما يشير إلى تحول واضح في سياسة البلاد تجاه شركة الاتصالات الصينية تحت ضغط من واشنطن والجماعات المحافظة المحلية.
قال وزير الدولة البريطاني للشؤون الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة، أوليفر داودن، "إنه (القرار) الصحيح لشبكات الاتصالات في المملكة المتحدة، ولأمننا القومي واقتصادنا، لكل من الآن وفي الواقع على المدى البعيد".
ولكن الحقيقة هي أن هذا قرار خاطئ وسيء لبلاده.
بادئ ذي بدء، فإن المخاوف الأمنية التي أثارتها الحكومة البريطانية لحظر هواوي، غير مقنعة أبدا.
وهواوي، مثل نوكيا واريكسون، هي مؤسسة خاصة مملوكة لآلاف من العاملين فيها. وبالتالي، فإن الذين يتهمون الشركة بالعمل لدى الحكومة الصينية، يكذبون تماما.
حتى الآن، لم يتمكن أحد- ولا حتى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين اللذان يحاولان النَيل من هواوي كلما أمكن- من تقديم أي دليل موثوق به لإثبات أية نظريات تهديد أمني.
في الواقع، يمكن لـ91 عقدا تجاريا تتعلق بشبكة الجيل الخامس، وقعتها هواوي مع شركاء حول العالم، أكثر من نصفها في أوروبا، يمكن أن تتحدث بوضوح عن كفاءة الشركة في الإدارة الأمنية.
قال جون سوفولك، مسؤول الأمن السيبراني والخصوصية العالمية في هواوي، في مقابلة مع شبكة ((بي بي سي))، ذات مرة، إنه "من المحتمل أن نكون المنظمة الأكثر انفتاحا وشفافية في العالم. وربما نكون أكثر المنظمات المطعون بها أيضا".
إضافة لذلك، فإن حظر هواوي لا يتوافق مع مصالح بريطانيا على المدى الطويل. فهو في الحقيقة، سيسبب تكاليف إضافية، وعملا هائلا، وتجربة عملاء غير سارة لحملة البلاد لبناء البنية التحتية الخاصة بها لشبكة الجيل الخامس.
في بيان نُشر بعد فترة وجيزة من صدور الحظر، قال إد بروستر، المتحدث باسم هواوي في المملكة المتحدة، إن القرار "يهدد بنقل بريطانيا إلى المسار الرقمي البطيء".
وعلى مدى عقود، لعبت هواوي دورا أساسيا في بناء شبكات الجيلين الثالث والرابع في بريطانيا، ولها سجل حافل. وهذه الشركة الصينية تعتبر أيضا رائدة في مجال اتصالات الجيل التالي، وتتمتع بأكثر براءات اختراع الجيل الخامس على مستوى العالم حتى عام 2019، وأكبر حصة من المساهمات القياسية لهذا الجيل، وفقا لدراسة أجرتها شركة (IPlytics) لمعلومات السوق.
إن كلا من فودافون وبي تي (BT)، وهما مشغلتان رائدتان للاتصالات في بريطانيا، تستخدمان معدات هواوي على نطاق واسع في شبكاتهما. ووفقا لتقرير من شبكة ((سي أن بي سي - CNBC))، فإن معدات شبكة (BT) تتكون حاليا من ثلثين من هواوي، والثلث الباقي من نوكيا، بينما تحتوي معدات شبكة فودافون على ثلث من هواوي، وثلثين من إريكسون.
في هذه الأثناء، حذرت شركة BT من انقطاع خدماتها للعملاء في جميع أنحاء البلاد إذا اضطرت إلى استبدال معدات هواوي بمزود آخر، في حين قالت فودافون إنها ستضطر إلى إنفاق "المليارات" لتنفيذ مثل هذه العملية.
قال أندريا دونا، رئيس شبكات فودافون بالمملكة المتحدة، للمشرّعين البريطانيين الأسبوع الماضي "أنا قلق من أن فرض تحول سياسات قاس للغاية، يمكن أن يعرقل انتعاشنا الاقتصادي في المملكة المتحدة".
وسيؤدي حظر هواوي أيضا إلى تقليل المنافسة في السوق، وزيادة الإنفاق. فشركتا نوكيا وإريكسون، وهما المزودان الآخران الوحيدان لمعدات الوصول اللاسلكي لشبكة الجيل الخامس والتي يمكن استخدامها حاليا في بريطانيا، تعرضان خدماتهما بسعر يبدو أنه أعلى من سعر هواوي.
والأهم من ذلك، إن الحظر سيلقي بظلاله على تعاون بريطانيا مع الصين، وهو تعاون ظل يكتسب زخما في السنوات الأخيرة، وله أهمية خاصة بالنسبة لهذه الدولة الأوروبية الساعية لتحقيق انتعاش اقتصادي قوي في فترة ما بعد بريكست، وما بعد الوباء.
كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد قال في وقت سابق من هذا العام، إنه لا يزال ملتزما بـ"العصر الذهبي" للعلاقات بين الصين وبريطانيا. لذلك، يتعين على الحكومة البريطانية القيام بما عليها من نصيب مستحق من الجهود لمنع القوى الخارجية من إفساد شراكتها مع الصين.
إن هذا الموقف المتغير من لندن ضد هواوي، سيكلف بريطانيا أيضا مصداقيتها. وبصفتها مركزا ماليا وتجاريا عالميا، فضلا عن كونها وجهة مواتية للاستثمارات الخارجية، فمن مصلحة البلاد الحفاظ على سوق عادلة ومنفتحة وغير منحازة.
ومما لا شك فيه أن حظر هواوي على أساس اتهامات واهية، سينجم عنه تأثير مقلق جدا، وسيدفع المستثمرين المحتملين في جميع أنحاء العالم إلى التردد عن ممارسة الأعمال التجارية في بريطانيا.
والأمر الجوهري هو أن صناع السياسة في مكاتب الحكومة البريطانية في 10 داونينغ ستريت، بحاجة إلى إدراك حقيقة أن قرارهم الحالي لا يعدو كونه مساعدة واشنطن على وضع "أمريكا أولا" على حساب بريطانيا نفسها.
وبالتالي، إذا كانوا يريدون حقا اتخاذ القرار الصحيح لبريطانيا، فينبغي عليهم إظهار الشجاعة والرؤية السياسية الضرورية، وتجاوز الأيديولوجية، ليعيدوا النظر في حظر غير مبرر أبدا على هواوي.