بكين 15 فبراير 2020 (شينخوا) تراجعت بكين وواشنطن يوم الجمعة عن فرض بعض التعريفات الجمركية الإضافية على واردات الآخر، وفقا لاتفاق المرحلة الأولى الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة الذي وُقع الشهر الماضي وذلك في مسعى مشترك لتخفيف حدة التوتر.
بعد مرور عامين تقريبا على بدء الولايات المتحدة لهذا الخلاف بشكل أحادي، اتخذ أكبر اقتصادان في العالم أخيرا الخطوة الأساسية الأولى لإنهاء هذه الحلقة المفرغة من الفرض المتبادل للتعريفات الجمركية وعادا إلى المسار الصحيح.
هذا التقدم الذي أُحرز بشق الأنفس يبث حالة من الارتياح المرحب بها في العالم بأسره، الذي انتابه التوتر وسط تصاعد حالة عدم اليقين. كما يقدم دليلا قويا على أن الصين والولايات المتحدة قادرتان، رغم خلافاتهما، على معالجة مشكلاتهما على أساس مبادئ المساواة والاحترام المتبادل.
لا أحد يخرج فائزا من أي حرب تجارية؛ إنها مجرد مسألة من يخسر أكثر أو أقل. فعلى مدى الأشهر الـ18 الماضية، كانت الشركات والمزارعون والمستهلكون في الولايات المتحدة هم الذين تحملوا الوطأة الكبرى للتعريفات الجمركية التي فرضتها واشنطن.
وتظهر البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الأمريكية أن المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة دفعوا 42 مليار دولار أمريكي إضافية بدءا من فبراير 2018 حتى أكتوبر 2019 نتيجة النزاعات التجارية. علاوة على ذلك، فإنه في الأشهر السبعة الأولى من عام 2019، انخفضت صادرات السلع الأمريكية إلى الصين بنسبة 18.2 في المائة، فيما انخفضت وارداتها منها بنسبة 12.3 في المائة.
إن السبب الأساسي وراء ارتفاع التجارة البينية بنحو 252 مرة من 2.5 مليار دولار في عام 1979 إلى 633.5 مليار دولار في عام 2018 هو أنها مفيدة للجانبين وفقا لتلك الأرقام الفلكية. وقد أشار تقرير نشرته مؤسسة بروكينغز في فبراير 2018 إلى أن "الصادرات الأمريكية إلى الصين تدعم حوالي 1.8 مليون وظيفة في قطاعات مثل الخدمات، والزراعة، والسلع الرأسمالية".
وفي الوقت الذي يعتزم فيه البلدان تنفيذ اتفاق المرحلة الأولى، ثمة إمكانات هائلة في التجارة الثنائية تقف في انتظار أن تتحقق الاستفادة منها.
فالصين تقوم حاليا بإعادة هيكلة اقتصادها واتباع نمط نمو موجه نحو الجودة. كما تنفذ مجموعة من الإجراءات لإتاحة أوضاع متكافئة على الصعيد المحلي. وبالنسبة لرواد الأعمال الأجانب، بمن فيهم المستثمرون الأمريكيون، فإن وجود اقتصاد صيني أكثر انفتاحا يعني فرصا تجارية أكثر جاذبية وربحية.
وبالنسبة للمجتمع الدولي، فإن وجود علاقات نشطة بين الصين والولايات المتحدة سيسهم أيضا في الاستقرار والازدهار العالميين. وكما علقت مؤخرا المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، فأن اتفاق المرحلة الأولى التجاري بين الصين والولايات المتحدة سيحد من حالة عدم اليقين التي أعاقت نمو الاقتصاد العالمي، رغم الحقيقة المحزنة والمتمثلة في أن التأثير التراكمي للنزاع التجاري، وفق حسابات صندوق النقد الدولي، قد يعني خسارة قدرها 0.8 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو حوالي 700 مليار دولار، بحلول عام 2020.
في المرحلة التالية، ومن أجل التوصل إلى حل مبكر وكامل للقضية التجارية، يتعين على البلدين أن ينفذا بحسن نية الاتفاق التجاري، فضلا عن الإجماعات الهامة الأخرى التي توصل إليها الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في مناسبات مختلفة، لبث الاستقرار في الاقتصاد العالمي خلال هذه الفترة الزمنية المشوبة بعدم اليقين.
في الوقت الحالي، تبذل الصين قصارى جهدها لمكافحة فيروس كورونا الجديد، وتتلقى تبرعات من العديد من القطاعات في الولايات المتحدة.
وهذا الوباء هو تذكير واقعي بأن التحديات المشتركة غير المتوقعة التي تواجهها البشرية كثيرة، وبأن التعاون مطلوب بشكل ملح بين أعضاء المجتمع الدولي.
وتتحمل الصين والولايات المتحدة، باعتبارهما دولتين كبريين على المسرح العالمي، مسؤولية خاصة تجاه العمل معا على تعزيز شراكتهما الاقتصادية والمساعدة في حل الأولويات الأكثر إلحاحا في العالم، مثل تغير المناخ وغيرها من القضايا الأخرى المتعلقة برفاه البشرية في المستقبل.
وقد كتب هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ورائد إعادة تطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، في كتابه (حول الصين)، يقول "يا لها من خاتمة رائعة إذا ما تمكنت الولايات المتحدة والصين، بعد أربعين عاما، من دمج جهودهما ليس لهز العالم، وإنما لبنائه".
لقد أثبتت السنوات الـ40 الأولى منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين بكين وواشنطن في الأول من يناير عام 1979 أنه عندما يعمل البلدان معا، يمكنهما أن يحققا الخير لشعبيهما والعالم بأسره.
ولأن العلاقات الثنائية الأكثر أهمية في عالم اليوم تسير في الـ40 عاما الثانية، فهناك بين أيدي البلدين فرصة سانحة لفعل خير أكبر للجميع.