تواجه العولمة الاقتصادية تحديات كبيرة في الوقت الحالي، مع تفاقم النزاعات التجارية والاستثمارية وتصاعد موجات الحمائية والانعزالية، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا لنظام التعددية التجارية، الأمر الذي يدفع البعض إلى التساؤل عن مدى تأثير الوضع الحالي على مصالح الصين الاقتصادية.
في هذا الصدد يرى كبير الباحثين بالمركز الصيني للتبادل الاقتصادي الدولي تشانغ يان شنغ، ان البيئة الدولية الحالية لها تأثيرات سلبية على الصين، لكن ذلك يبقى في اطار التحكم.
“علينا أن نقرّ بوجود ظاهرة هجرة بعض الشركات المصدّرة المتمركزة حول كثافة اليد العاملة من الصين نحو بلدان أخرى، لكن علينا أن ننظر إلى هذه الظاهرة بشكل موضوعي وعقلاني،" يقول تشانغ يان شنغ.
أولا، رغم أن مغادرة هذه الشركات للصين تمكّنها من تقليل بعض التكاليف، لكن ذلك يدفعها نحو مخاطر غامضة. مثل التكامل القطاعي للصناعات، وبيئة التنمية الاقتصادية وكفاءة اليد العاملة وغيرها من العوامل الأخرى التي تضعها الشركات في الاعتبار. لذلك تبقى نسبة الشركات التي ترحل من الصين بسبب الحمائية والانعزالية قليلة نسبيا.
ثانيا، هناك عوامل متنوعة دفعت بعض الشركات إلى اغلاق مصانعها في الصين، وتحويل قدراتها الإنتجاية إلى أسواق أخرى، ولا يعود السبب فقط إلى تأثيرات الحمائية والانعزالية الأجنبية. فهناك بعض الشركات تواجه مشاكل ادارية وأخرى تنتمي إلى المجالات الانتاجية السفلية، التي تأثرت بارتفاع تكلفة اليد العاملة والأرض في الصين.
"تتغير السلسلة الصناعية العالمية باستمرار وفقا لتقسيم العمل العالمي وخريطة توزع الصناعات في العالم. لذلك يبقى الخروج من والدخول إلى السلسلة الصناعية ظاهرة طبيعية في اقتصاد السوق." ويضيف تشانغ يانشنغ بأن خروج بعض الشركات الأجنبية الناشطة في مجال الصناعات ذات القيمة المضافة المتدنية، يعد ظاهرة متماشية مع المرحلة الحالية التي يخطوها الاقتصاد الصيني.
لا تمثل هجرة بعض من هذه الشركات للسوق الصينية أمرا مخيفا، فالأهم هو أن نرى ان كان هناك دخول لرؤوس الأموال الأجنبية عالية الجودة. وبخصوص ذلك، تظهر البيانات أن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية على صناعة الأدوية والصناعات الإلكترونية والمعدّات قد نما تباعا بـ 12.8 % و25% خلال النصف الأول من العام الحالي، على اثر تدابير الانفتاح الجديدة التي اتخذتها الحكومة. كما نما الإستثمار الأجنبي في الخدمات المعلوماتية والبحث العلمي والتصميم وتحويل نتائج البحث العلمي تباعا بـ 68.1% و77.7% و62.7%، وهو ما يعكس جاذبية الصين القوية لرؤوس الأموال الأجنبية عالية الجودة.
وترى شينغ هويوان مديرة مركز أبحاث خدمات الاستعانة بمصادر خارجية بوزارة التجارة الصينية أن الصين تمتلك منظومة صناعية متكاملة وبيئة صناعية ملائمة، وتتمتع بمميزات قوية على المستوى النطاقي. إذ يمكنها توفير عدد كبير من الكفاءات العالية والاضطلاع بالمشاريع عالية التقنية ومشاريع البحث العلمي. في المقابل تبقى الأجور في الصين أقل نسبيا من الدول المتقدمة، مما يشكل حزمة من المميزات التي يتلهف إليها المستثمر الاجنبي. وهو ما يفسر تواصل اقبال رؤوس الأموال الأجنبية عالية الجودة على السوق الصينية، وتفضيل الشركات الموجودة سلفا البقاء داخل الصين.
في هذا الجانب، يشير تشانغ يانشنغ إلى أن الصين ستطرح المزيد من التدابير المشجعة للمستثمرين الأجانب، ويؤكد على أن الصين تمتلك الأسس والظروف اللازمة لجذب المزيد من الاستثمارات عالية الجودة.
ثم لا شك في أن الحجم الضخم للسوق الصينية الذي يضم 1.4 مليار نسمة وطبقة وسطى يبلغ تعدادها 400 مليون نسمة يمثل فرصة بالغة الاهمية لمختلف الشركات الأجنبية. واضافة للحجم الضخم، تشهد السوق الصينية تغيرا هيكليا متسارعا وملحوظا، حيث بات المستهلكون الصينيون يرغبون في الحصول على مستوى افضل من الخدمات المعلوماتية والعلاجية والصحية والمالية والثقافية وغيرها. وهو ما يتيح فضاءً واسعا للنمو بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات.
في هذا السياق، أظهر استطلاع صادر عن غرفة التجارة الأمريكية بشنغهاي، أن أكثر من 80% من رؤوس الأموال الامريكية متفائلة بآفاق النمو داخل السوق الصينية خلال السنوات الخمس القادمة. كما أوضح استطلاع أجرته الوكالة الالمانية للتجارة الخارجية والاستثمار، بأن عدد الشركات الألمانية في الصين قد فاق 5200 شركة. ومع توسع انفتاح الصين سيرتفع حجم الاستثمار الأجنبي في الصين بشكل مستمر. "لم يغادر أيا من أعضائنا الصين، لأن جاذبية السوق الصينية لا تقاوم،" يقول هارلي سيدين، رئيس جمعية رجال الأعمال الأمريكيين في جنوبي الصين.