خالد بن ضحي الكعبي المدير العام - مؤسسة العين الإخبارية |
أما على المستوى الاقتصادي، فتنظر الإمارات إلى الصين كسوق ناشئة مهمة، وفي الوقت نفسه يزداد تفاؤل المستثمرين الصينيين بإمكانات السوق الإماراتية وآفاقها. فنجد أنه في عام 2017 أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، وقد بلغ حجم التجارة غير النفطية بين البلدين في ذاك العام نحو 53,3 مليار دولار. وفي يوليو عام 2017، وقعت الإمارات والصين اتفاقية تعاون بين الحكومتين واتفاقية رسمية للاستثمار في المنطقة النموذجية وفي ديسمبر من العام نفسه، أكدت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية أن المنطقة أول منطقة تعاون إنتاجي في البلاد تحت مبادرة الحزام والطريق، وفي هذا الإطار جاءت مشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في منتدى "الحزام والطريق" الذي عقد في العاصمة الصينية بكين في إبريل الماضي إلى جانب أكثر من 40 زعيماً عالمياً، لترسيخ دور الإمارات وشراكاتها الدولية مع أي مشروع يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، ومنها هذا المشروع الصيني العالمي العملاق، والآن تذهب نحو 15% من مجمل صادرات الإمارات النفطية إلى الصين، وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تدفُّق الاستثمارات الصينية إلى الإمارات. ويكفي أنْ نذكر في هذا السياق إلى أنَّ هناك نحو 300 ألف مواطن صيني يعيشون ويعملون في الإمارات، كما أن عدد الشركات الصينية العاملة في الإمارات يناهز 4200 شركة من بينها 170 شركة كبيرة والباقية تتراوح بين المتوسطة وصغيرة الحجم علاوة على 2500 علامة تجارية صينية مسجلة، وتنشط معظم الاستثمارات الصينية، التي بلغت نحو 2.8 مليار دولار، في قطاعات المقاولات والهندسة والتجارة والتأمين والنقل والنشاطات العقارية. حيث تنظر الشركات والمستثمرين الصينيين للإمارات على أنها بوابة التجارة الصينية إلى أسواق المنطقة والعالم، ما يدفع كبرى الشركات التجارية الصينية إلى اختيار الإمارات لإقامة مراكزها المتقدمة التي تنطلق منها إلى العالم، مستفيدة من القدرات الكبيرة التي توفرها الدولة لحركة التجارة العالمية والإقليمية من خلال تطور بنيتها التحتية وكفاءة خدمات الموانئ والمناطق الحرة والخدمات الجمركية، التي تتيح مجتمعة للتجار والمستثمرين تحقيق قيمة مضافة حقيقية تعزز عائدات عملياتهم التجارية، وكانت آخر الشراكات والمشاريع التي نفذها البلدان تمثلت في افتتاح محطة كوسكو أبوظبي للحاويات التابعة لشركة كوسكو الملاحية للموانئ المحدودة في ميناء خليفة، والتي تعد أول محطة دولية لشركة كوسكو الملاحية للموانئ التابعة لشركة كوسكو الصينية للشحن، وهي أكبر شركة شحن متكاملة في العالم.
ومن المشاريع العملاقة المزمع إطلاقها مجمع "سوق التجار" الذي سيتم إنشاؤه في دبي لتخزين وشحن البضائع الصينية إلى العالم، هذا المشروع يؤكد دور الإمارات كشريك استراتيجي ومحطة عالمية محورية لطريق الحرير. ويؤكد أيضا على أن الإمارات ستساهم في إحياء هذا الطريق التاريخي، وستقف إلى جانب العالم في خلق مناخ اقتصادي وتنموي، وستشكل حلقة وصل اقتصادية وتجارية دولية، في المقابل فإن انضمام الإمارات إلى المبادرة الصينية "حزام واحد.. طريق واحد"، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، والتي يقدر حجم الاستثمارات الصينية الموجهة إليها بحوالي 900 مليار دولار، يتوقع أن تتضاعف المكاسب الاقتصادية لدولة الإمارات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، من المتوقع زيادة حجم التجارة بين الدولتين إلى 70 مليار دولار بحلول 2020 فضلا عن توقعات بأن تكون الإمارات من أكبر الدول المستفيدة من تدفق السياح الصينيين إليها. خاصة أن الإمارات أصبحت أكثر وجهة سياحية إقبالا للسياح الصينيين عربيا وشرق أوسطيا، إذ تجاوز عدد السياح الصينيين إلى الإمارات مليون نسمة للمرة الأولى في عام 2017، ويبلغ عدد السياح الصينيين الذين يقومون بالترانزيت في الإمارات 3.5 مليون نسمة، وفي عام 2017، أصبحت الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط تحصل على معاملة إعفاء مواطنيها من تأشيرة دخول الصين.
في زيارته الأخيرة للصين قبل 4 أعوام قال الشيخ محمد بن زايد "إن تعزيز العلاقة مع جمهورية الصين الشعبية يمثل توجها استراتيجيا أساسيا لدولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة"، وأكد أن "زخم العلاقات من عقود ماضية من صداقة وتعاون ومصالح مشتركة في المجالات كافة يمثل أساسا قويا لانطلاقة كبيرة لعلاقاتنا في المستقبل"، هكذا يرى الشيخ محمد بن زايد الصين وهكذا يثمن العلاقة معها ويقدر أهميتها، وهكذا يتطلع إلى آفاق تلك العلاقة ومستقبلها ويرى أنه مازالت هناك فرصا وإمكانيات كبيرة للذهاب بتلك العلاقات بعيدا بما يلبي طموحات البلدين، وهو ما عبر عنه صراحة أثناء زيارته الأخيرة بقوله إنه "على الرغم من التطور الكبير للعلاقات الاقتصادية والتجارية خلال السنوات الماضية، فإن هناك طموحات مشتركة لمزيد من التطوير خلال السنوات المقبلة، خاصة أن ثمة إمكانات وفرصا كبيرة لهذا التطوير" وما زيارته الحالية للصين إلا ترسيخا لهذه الرؤية وتعزيزا لها وتطلعا إلى آفاق أرحب من التعاون بين قوتين فاعلتين على الصعيدين الدولي والإقليمي وسعيا وراء فرصة جديدة لتعميق وتوسيع التعاون والشراكة الثنائية بين البلدين ودفع علاقاتهما القائمة على الصداقة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة إلى الأمام.