بكين 30 مايو 2019 / بانتشالها نحو 82 مليون نسمة من براثن الفقر في الفترة ما بين عامي 2012 و2018، قطعت الصين شوطاً كبيراً في تحقيق هدف صينٍ خالية من الفقر بحلول العام 2020، ما لفت أنظار وإعجاب العالم من جهة، وأتاح نموذجاً علمياً وعملياً يمكن الاستفادة من خبراته الجمّة من جهة أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يُضيف لَبِنَة أخرى في بناء مجتمع عالمي تسوده العدالة والمساواة وتعميم الخير والمنفعة لجميع الشعوب الراغبة في النهوض والتنمية والتطور المُستدام.
ونتيجة للجهود الجبّارة التي تضافرت بين الحكومة والشعب معاً، تراجع عدد السكان الريفيين الفقراء في الصين بواقع 13.86 مليون نسمة في عام 2018 فقط، وواصلت البلاد تركيزها على خلق ما يربو على 11 مليون وظيفة حضرية جديدة، وخفض عدد الريفيين الفقراء بأكثر من 10 ملايين نسمة في عام 2019.
وفي تعليقه على الإنجازات الضخمة التي حققتها الصين في هذا المجال، قال هشام أبو بكر متولي، باحث اقتصادي أول بوزارة الصناعة والتجارة المصرية، إن الصين أثارت إعجاب العالم لسببين: يتمثل الأول في تحقيقها نهضة اقتصادية كبيرة بوأتها وصافة أكبر اقتصاد في العالم، والثاني؛ تلك الخطوات الواسعة التي قطعتها في حربها لمكافحة الفقر بطريقة علمية ومخططة ومستدامة، لتحقيق هدف جديد سامٍ بأن تكون دولة خالية من الفقر بحلول عام 2020.
وأشار متولي في حديث لوكالة أنباء شينخوا إلى حاجة القارة الأفريقية الماسّة إلى استقاء الدروس من الخبرة الصينية في مجال مكافحة الفقر، مؤكداً أن الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة الصينية بتعميق الإصلاح والانفتاح وتبسيط الموافقات الإدارية وزيادة صلاحيات الحكومات المحلية، إلى جانب عدم التسامح أبداً في مكافحة أي مظهر من مظاهر الفساد، ودفع الحضرنة وغيرها، تعتبر من أهم الأدوات الفعّالة والأساسية في خارطة طريق الصين لتحقيق أهدافها الإنمائية ومكافحة الفقر.
ما من شك في أن النمو القوي والطويل الأمد يعتبر المحرك الرئيسي لتقليص الفقر، كما أن التنمية الاقتصادية الصينية، بمعدل نمو سنوي بلغ في المتوسط 9.5 بالمئة منذ بدء تطبيق الصين سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978 وحتى عام 2017، ساهمت في خلق المزيد من الوظائف والفرص لزيادة الدخل.
وحول ذلك؛ قال متولي إن الحكومة الصينية أضحت أقوى وأكثر قدرة على مساعدة المعوزين للخروج من براثن الفقر، بينما تحرص على منح الحكومات المحلية سلطات وصلاحيات أوسع تُمكنها من اتخاذ قرارات سريعة وهامة لجذب الاستثمارات والعمل على استقرارها، مشيرا إلى حرص الصين على مكافأة وترقية المسؤولين الذين حققوا أداء متميزاً على صعيد الحوكمة، الأمر الذي منح المزيد من الفعالية وعزز الكفاءة لكافة السياسات والاستثمارات.
وأكد متولي على نجاح الصين في تقليص مستوى الفقر بينها وافريقيا، بعد أن كانت أكثر عوزا من القارة السمراء في بداية الثمانينيات من القرن السابق، علما بأن نسبة الفقر في ريفها كانت 97.5 بالمئة عام 1978، بينما كانت نسبة الفقر في أفريقيا جنوب الصحراء نحو 46 بالمئة فقط. وحتى عام 2012، انخفضت نسبة الفقر في الصين إلى 10.2 بالمئة ثم إلى 3.1 بالمئة عام 2017، بينما بقيت النسبة في أفريقيا جنوب الصحراء عند 43 بالمئة.
وبلغ عدد الوظائف الريفية والحضرية في البلاد 776 مليونا حتى نهاية عام 2017، بزيادة 375 مليون وظيفة قياسا إلى عام 1978.
وفي العام الماضي، انخفض معدل الفقر في الصين إلى أقل من 2 بالمئة، وسط جهودها الرامية إلى القضاء التام على الفقر بحلول 2020.
ونوّه متولي بالمعجزة غير المسبوقة التي حققتها الصين في التاريخ العالمي بشأن تقليص الفقر، في الوقت الذي لم تستطع فيه إلا دول قليلة في القارة السمراء تحقيق معدلات نمو أعلى إلى حد ما.
تزخر أفريقيا بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز الطبيعي وكذلك بالمعادن الثمينة والغابات وغيرها من الموارد العديدة. وفضلا عن ذلك، فإنها تعُجّ بأعداد هائلة من القوى العاملة الرخيصة علاوة على الأراضي الشاسعة غير المسُتغلة.
وأشار متولي إلى عدم قيام العديد من الدول الإفريقية باتخاذ خطوات ملائمة وشاملة للإصلاح والانفتاح الاقتصاديين فيها، ما جعل نموها الاقتصادي غير متناسب أبداً مع ما تزخر به من إمكانيات مادية وبشرية وموارد طبيعية لتكون في مستويات أفضل.
ودعا متولي إلى ضرورة وضع التجربة الصينية في الإصلاح الشامل موضع دراسة واستفادة لخدمة أهداف الدول الافريقية في النهوض والنمو ومواصلة التطور وفقا لظروفها الاقتصادية. مضيفاً: بالطبع، لا يمكن للبلدان الأفريقية ببساطة أن تُحاكي التجربة الصينية، لكن يتعين عليها على الأقل التعلم منها بصورة مرنة بما يتناسب مع ظروفها الواقعية.
ولفت متولي إلى مجالات التعاون المتنوعة ومتعددة الأوجه التي قامت بها الصين وأفريقيا، وهو ما تجلى بشكل واضح في تطوير البنية التحتية والطاقة وغيرها من المجالات في القارة السمراء، مؤكداً في ذات الوقت على أن قصة نجاح الصين في تقليص الفقر تُقدم درساً عميقاً يجب أن تتعلمه أفريقيا.
واستطرد متولي قائلا: إن من أحد أهم عوامل نجاح الصين، والذي يمكن لأفريقيا الاستفادة منه، هو تعزيز قدرتها على مكافحة الفساد من خلال تعزيز شفافية الشؤون الحكومية وإعلاء سيادة القانون، لأن تطبيق ذلك سيضمن للقارة السمراء وضع قدميها بشكل ثابت وصحيح على مسار النهضة والنمو الاقتصاديين، اللذين لن يكونا بعد ذلك أمرا مستحيلا أو بعيد المنال بالنسبة لها.