القدس 2 أبريل 2019 / يتزاحم المشهد السياسي والأمني العام في إسرائيل الأيام الأخيرة بأحداث كثيرة بدءا من التوتر المتجدد مع قطاع غزة خاصة على الحدود الفاصلة ومرورا بالجهود المصرية والأممية الساعية لتثبيت تفاهمات التهدئة، ووصولا إلى اقتراب ساعة الصفر لانطلاق انتخابات الكنيست الحادية والعشرين.
ومن المقررأن تجرى الانتخابات في التاسع من الشهر الجاري والتي تحتدم فيها المنافسة لتحديد هوية الحزب الذي سيقود دفة الدولة العبرية لأربع سنوات مقبلة.
وسط تلك الملفات الشائكة يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيزا من الوقت ليطير إلى موسكو الخميس المقبل للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو لقاء سيعقد قبل خمسة أيام فقط من انتخابات الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، الأمر الذي أطلق جملة من التكهنات والتحليلات حول الهدف من ورائه في ذلك التوقيت.
"هواجس نتنياهو الانتخابية"
ويرى أستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة بن غوريون داني روبنشتاين، أن "السبب وراء طلب نتنياهو زيارة موسكو ولقاء الرئيس بوتين في هذه الفترة بالذات انتخابي بامتياز.
ويقول روينشتاين، أن نتنياهو يشعر بتهديد كبير بخسارة حزب الليكود برئاسته انتخابات الكنيست لصالح منافسه الأبرز تحالف حزب أزرق أبيض (كحول لفان) برئاسة الجنرال السابق بيني غانتس ولذا يحاول كسب مزيد من الأصوات من خلال الظهور بأنه الزعيم الإسرائيلي الذي يستقبل في عواصم صنع القرار العالمية والحريص على أمن إسرائيل حتى في خضم المعركة "الانتخابية".
ويشير السياسي الإسرائيلي، إلى أن نتنياهو يسعى من وراء ذلك "لزيادة شعبيته في صوف الناخبين الإسرائيليين".
وتجرى الانتخابات العامة للكنيست الحادية والعشرين يوم الثلاثاء من الأسبوع المقبل ويواجه خلالها حزب الليكود الحاكم تحديا كبيرا من ائتلاف أزرق أبيض (كحول لفان) بقيادة غانتس الذي يتقاسم القيادة مع سلفه غابي اشكنازي ووزيرالأمن الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون بالإضافة إلى عضو الكنيست يائير لبيد رئيس حزب هناك مستقبل (يش عتيد) الذين باتوا بائتلافهم الحزب صاحب الحظ الأوفر في الحصول على أكبر عدد من المقاعد في الكنيست القادمة بحسب استطلاعات الرأي التي أظهرت تقدمهم بفارق ثلاثة مقاعد على الأقل عن الليكود.
لكن ورغم ذلك فإن معسكر اليمين في إسرائيل وفي مقدمته حزب الليكود برئاسة نتنياهو يتفوق مجتمعا على معسكر وسط يسار الذي يقوده زعيم تحالف أزرق أبيض غانتس ما يمنح معسكر اليمين أفضلية في حظوظ تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل.
ويوافق المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي الرأي بأن "الهدف من وراء زيارة نتنياهو إلى موسكو في هذه الفترة هو خدمة مصالحه الانتخابية، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تربطه علاقة قوية جدا بالرئيس الروسي بوتين وهو ما يفسر استجابة الأخير لطلب نتنياهو الاجتماع به".
"الوجود الإيراني في سوريا"
لكن بن يشاي يستطرد قائلا إن "هواجس نتنياهو الانتخابية ليست الهدف الأساسي من وراء زيارته إلى موسكو، لافتا إلى أن "قضية استمرار التموضع العسكري الإيراني في سوريا تقلق رئيس الوزراء الاسرائيلي كثيرا وهو يريد أن يطلع الرئيس الروسي على ما تملكه إسرائيل من معلومات بهذا الخصوص".
ويذهب بن يشاي إلى أبعد من ذلك بالقول، إن نتنياهو "ربما سيطلع بوتين على معلومات استخباراتية حصلت عليها إسرائيل مؤخرا تتعلق بتعزيز التواجد العسكري الإيراني في سوريا".
ويستذكر المحلل الإسرائيلي اللقاء الأخير الذي جمع نتنياهو مع بوتين في العاصمة الروسية موسكو في فبراير الماضي وتعهد خلاله الرئيس الروسي لنتنياهو بعمل موسكو كل ما بوسعها للحد من التموضع العسكري الإيراني في سوريا، وكذلك إبعاد العناصر المسلحة التي تدور في فلك إيران عن المناطق الحدودية القريبة من إسرائيل وهو ما لم يحصل حتى الآن".- بحسب بن يشاي-.
ويأتي اللقاء بين نتنياهو وبوتين بعد نحو أسبوع من نشر تقارير إعلامية تحدثت عن شن سلاح الجو الإسرائيلي هجوما على مخازن إسلحة إيرانية في مدينة حلب شمال سوريا.
وعلى إثره جرى اتصال هاتفي بين نتنياهو وبوتين يوم الإثنين الماضي ناقشا - بحسب بيان صادر عن الكرملين - التنسيق العسكري بين الجيشين الإسرائيلي والروسي، إضافة إلى الأوضاع في الشرق الأوسط.
ويقول بن يشاي، إن "نتنياهو سيؤكد للرئيس الروسي أهمية الهجمات التي تنفذها إسرائيل ضد أهداف إيرانية في سوريا ومساهمتها الكبيرة في إضعاف التموضع العسكري للجمهورية الإسلامية في ذلك البلد".
ويضيف، أن "رئيس الوزراء الاسرائيلي سيطلب من بوتين مواصلة منح المقاتلات الإسرائيلية حرية التحليق في الأجواء السورية وكذلك استمرار التنسيق العسكري المشترك بين جيشي البلدين فيما يتعلق في سوريا".
ويشير بن يشاي، إلى أن "نتنياهو ربما يطلب من مضيفه الروسي الإحجام عن منح النظام السوري إمكانية تشغيل بطاريات الدفاع الجوي الروسية "أس 300" التي زودت موسكو بها دمشق قبل عدة شهور ولكن التحكم بتشغيلها لا يزال حتى الآن بأيدي الضباط الروس".
من جانبه اعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس الدكتور مئير مصري، إن لقاء نتنياهو وبوتين " يأتي استكمالا للقاء السابق الذي جرى بينهما قبل خمسة أسابيع والذي اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي خلاله تقصير زيارته إلى روسيا والعودة إلى إسرائيل.
وتزامن اللقاء في حينه مع إعلان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي مندلبليت توصياته بخصوص ملفات الفساد الثلاثة التي يشتبه بنتنياهو التورط فيها".
ويعتقد مصري، أن "نتنياهو يريد أيضا أن يضرب عصفورين بحجر واحد من وراء اللقاء فمن جهة يرغب بإيصال رسالة للناخب الإسرائيلي مفادها أنه القائد الوحيد الذي يستقبل بحفاوة في عواصم صنع القرار العالمية، والقادر على الدفاع عن المصالح الإسرائيلية في تلك العواصم".
ويتابع، أن نتنياهو يريد من جهة ثانية ضمان استمرار التنسيق السياسي والعسكري بين إسرائيل وروسيا لاسيما وأن موسكو باتت صاحبة الكلمة الفصل في سوريا والمسيطرة على أجوائها.
ولا يستبعد مصري، أن تكون هناك "صلة بين الزيارة وبين الهجوم المنسوب إلى إسرائيل في مدينة حلب السورية الأسبوع الماضي، مشيرا إلى أن "أي تحرك عسكري إسرائيلي في سوريا يعتبر تحركا في منطقة تقع تحت النفوذ الروسي ولذا يجب التنسيق مع صاحب القرار".
ويعتبر مصري، أن ذلك " لا يعني أن الروس يوافقون على كل ما تقوم به إسرائيل في سوريا أو أن الأخيرة تأخذ الإذن من روسيا قبل أي عمل عسكري، لكن إسرائيل تريد أن تثبت للروس أنها تحافظ على الخطوط العريضة المتفق عليها بين الجانبين".
ويرى أن "العلاقات بين موسكو وطهران ليست في أفضل أحوالها في هذه الفترة، معتبرا، أن "روسيا تعد شريكا في جهود احتواء الدور الإيراني العسكري في سوريا وأن موقفها الحالي يعتبر متقدما إلى حد بعيد مقارنة مع موقفها قبل نحو عام".
ويتابع، أن "موسكو باتت تتفهم تماما المخاوف الإسرائيلية من خطورة نصب صواريخ إيرانية على الأراضي السورية".
ويتوقع مصري، أن "يطلب نتنياهو من موسكو الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان على غرار ما فعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وذلك رغم علم رئيس الوزراء الإسرائيلي المسبق برفض روسيا المطلق للقرار بسبب العلاقة التي تربطها بالنظام السوري".
ويستبعد مصري، أن "يعرض نتنياهو على بوتين خطة لإخراج القوات الإيرانية من سوريا"، مقرا ب"محدودية التأثير الإسرائيلي على القرارات الروسية وعجزها عن أن تقول للزعيم الروسي ما الذي يجب فعله في سوريا".
وسبق أن التقى نتنياهو مع بوتين 12 مرة منذ عام 2015، وكان وصف في تغريدة كتبها في 27 فبراير الماضي العلاقة المباشرة التي تربطه في الرئيس الروسي بأنها "تشكل بعدا حيويا ساهم في منع المخاطر والاحتكاكات بين جيشي البلدين وكذلك في إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة".