بكين 25 مارس 2019 / في منتدى بوآو الآسيوي الذي عقد في مقاطعة هاينان في أقصى جنوب الصين العام الماضي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الصين ستطلق إصلاحات أوسع وأكثر جرأة وتزيد من انفتاح الاقتصاد الصيني.
وخلال السنة الفائتة، حافظت الصين على الوفاء بوعودها بشأن المزيد من الإصلاح والانفتاح عبر أفعال ملموسة.
-- المزيد من الإصلاحات والانفتاح
في خطاب هام ألقاه في حفل افتتاح مؤتمر منتدى بوآو الآسيوي السنوي في إبريل الماضي، تعهد الرئيس شي بجولة جديدة من تدابير الإصلاح والانفتاح.
ووعد بأن الصين سوف تقوم بشكل كبير بتوسيع الوصول إلى الأسواق وخلق بيئة استثمارية أكثر جاذبية وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية وأخذ زمام المبادرة لتوسيع الواردات.
وفي الأشهر التالية، استضافت الصين سلسلة من الأحداث الدبلوماسية والاقتصادية، بما في ذلك قمة منظمة شانغهاي للتعاون في تشينغداو، وقمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك)، ومعرض الصين الدولي الأول للواردات.
وحضر معرض الصين الدولي للواردات 172 دولة ومنطقة ومنظمة دولية وأكثر من 3600 شركة. وذكرت وزارة التجارة الصينية إن المعرض الثاني الذي سيعقد في وقت لاحق من هذا العام سيضم مساحة أكبر للعرض وسيحضره المزيد من الدول والشركات.
إلى جانب ذلك، خلال "الدورتين" اللتين اختتمتا للتو، وهو حدث سنوي رئيسي في التقويم السياسي للصين، اعتمدت الصين قانون الاستثمار الأجنبي الموحد الأول، الذي سيدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير 2020.
وقال رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ في مؤتمر صحفي عقب اختتام الدورة التشريعية إن الصين ستطرح سلسلة من اللوائح والوثائق المتناسقة مع قانون الاستثمار الأجنبي لتوفير حماية أفضل للحقوق والمصالح المشروعة للمستثمرين الأجانب.
ولدى وصفه القانون الجديد بأنه مجموعة "معقولة" من السياسات، قال ديفيد دولار، وهو زميل بارز في مركز جون إل ثورنتون الصيني بمعهد بروكينغز، إنه "بالتأكيد خطوة إلى الأمام" في الإصلاح والانفتاح المستمر في البلاد.
وأضاف أن فتح المزيد من القطاعات من شأنه أن يسمح بدخول واردات ذات جودة عالية وكذلك يزيد من المنافسة حتى يمكن للشركات الصينية أن تتحسن، الأمر الذي سيفيد في نهاية المطاف النمو الاقتصادي للصين.
بدوره، قال سيلكوك كولاك أوغلو، مدير المركز التركي لدراسات آسيا والمحيط الهادئ، إن القانون "يعزز حماية حقوق الملكية الفكرية للمستثمرين الأجانب ويجعل الشركات الدولية تستثمر أكثر في الصين بثقة".
-- الوفاء بالوعود
من خلال عقد معرض الصين الدولي الأول للواردات وفتح المزيد من القطاعات أمام الاستثمار الأجنبي، أثبتت الصين أنها ستفي دائما بما وعدت به.
وأُنشئت حوالي 960 ألف شركة باستثمار أجنبي في الصين، مع تجاوز الاستثمار الأجنبي المباشر المجمع 2.1 تريليون دولار أمريكي بحلول نهاية 2018، وفقا لوزارة التجارة الصينية.
وأفاد كولاك أوغلو، وهو أيضا أستاذ في العلاقات الدولية، أن القانون الجديد سيتيح للمستثمرين الأجانب "التمتع بمعاملة لا تقل تفضيلا عن تلك الممنوحة للمستثمرين الصينيين في مرحلة الوصول إلى الاستثمار".
ووفقا للبنك الدولي، جاءت الصين في المرتبة 46 عالميا فيما يتعلق بسهولة ممارسة أنشطة الأعمال في عام 2018، متقدمة من المرتبة 78 في عام 2017. وفي هذا الإطار، أشار كولاك أوغلو إلى أن قانون الاستثمار الأجنبي سيكون "ترتيبا تاريخيا من شأنه أن يفتح باب الصين بشكل أوسع أمام العالم الخارجي".
وتعد مبادرة الحزام والطريق، التي اقترحها الرئيس شي في عام 2013 لتعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين شبكة التجارة والبنية التحتية التي تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا وما وراءها، دليلا آخر على تصميم الصين في السير نحو مزيد من الانفتاح.
خلال العام الماضي، انضم المزيد من الأصدقاء إلى المبادرة، حيث قامت أكثر من 50 دولة ومنظمة دولية إضافية بالتوقيع على وثائق التعاون، مما يرفع العدد الإجمالي لمثل هذه الوثائق إلى أكثر من 150. وأثناء زيارة الدولة التي قام بها الرئيس شي مؤخرا لإيطاليا، وقعت الدولة الأوروبية مع الصين مذكرة تفاهم حول التعاون بشأن مبادرة الحزام والطريق، لتصبح أول دولة من مجموعة السبع تنضم إلى المبادرة.
وقالت كارولا رامون بيرجانو، وهي عضو في مجلس العلاقات الدولية الأرجنتيني، "أعتقد أن المبادرة لديها إمكانات كبيرة من حيث التنمية الاقتصادية والتعاون الدولي. وهي مفهوم مثير للاهتمام للغاية وإطار لنوع جديد من التعددية التي تدفعها الصين".
وأضافت رامون بيرجانو أنه بالنسبة لدول مثل الأرجنتين، التي تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتعزيز التجارة، فإن مبادرة الحزام والطريق تعتبر مقترحا جذابا وذي صلة، مشددة على أنها سوف تساعد البلاد في "تحقيق تنمية شاملة ومستدامة" على المدى الطويل.
-- منافع عالمية
ومع قيام الصين تدريجيا بدفع الانفتاح في مختلف القطاعات وفقا للجدول الزمني الذي تم الإعلان عنه في منتدى بوآو الآسيوي العام الماضي، يواصل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع ناتجه المحلي الإجمالي الذي يتجاوز حاليا 90 تريليون يوان (حوالي 13.4 تريليون دولار أمريكي)، المساهمة في النمو العالمي.
وقال لي في تقريره حول عمل الحكومة إنه على الرغم من أن الصين واجهت بيئة معقدة وصعبة نادرا ما شوهدت منذ سنوات عديدة مع تعرض الاقتصاد لضغط هبوطي جديد، إلا أن الأمة تمكنت من تحقيق الأهداف الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في 2018.
وأضاف لي أن "الصين ما تزال تمر بفترة مهمة من الفرص الإستراتيجية للتنمية ولديها مرونة كبيرة وإمكانات هائلة وإبداع عظيم لإطلاقه".
ووفقا لبيانات صادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، جاء تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين في المرتبة الأولى بين الدول النامية لمدة 27 عاما متتاليا.
وقال كولاك أوغلو إن "الصين قامت بعمل رائع لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد منذ عام 1979. وقد وفر الانفتاح التدريجي للسوق المحلية الصينية تنمية مستدامة ضمن بيئة مستقرة".
ولفت سواران سينغه، وهو أستاذ في كلية الدراسات الدولية في جامعة جواهر لال نهرو، ومقرها دلهي في الهند، إلى أن عقود التحول الأربعة الأخيرة في الصين جذبت اهتماما عالميا وسعت معظم الدول بشدة لبناء صلات مع الصين.
وقال إن "هناك قبول متزايد اليوم حيال أخذ الصين زمام المبادرة في العديد من المبادرات الإقليمية والعالمية".
فيما أشار دنكان فريمان، وهو زميل باحث في كلية أوروبا في بروج ببلجيكا، إلى أن "الانفتاح والإصلاح في الصين كان أمرا في غاية الأهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي على مدى السنوات الـ 40 الماضية. ويزداد اتسامه بذلك اليوم حيث أن الصين لديها اقتصاد كبير للغاية".
ولدى تعليقه على الاتجاه الاقتصادي العالمي، ذكر الخبير أن هناك عددا معينا من التحديات، بما في ذلك تلك التي يواجهها النظام الاقتصادي الدولي والنمو العالمي.
وقال "لهذا السبب، فإن التزام الصين بمواصلة الإصلاح والانفتاح والحفاظ على نموها المحلي أمر في غاية الأهمية نظرا لكونه مساهمة ليس فقط في الحفاظ على النظام الاقتصادي العالمي المفتوح وإنما أيضا في النمو العالمي".