بكين 26 فبراير 2019 / انعقدت القمة العربية الأوروبية تحت عنوان "الاستثمار في الاستقرار" بمدينة شرم الشيخ المصرية على مدى يومي 24 و25 فبراير الجاري لتستحوذ على اهتمام الكثير من الخبراء والأكاديميين الصينيين الذين قالوا إنها تسلط الضوء على رغبة الجانبين في تكثيف العمل المشترك على تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة انطلاقا من ملفين رئيسيين وهما مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب.
وقد شكلت أول قمة للجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، والتي عقدت في مصر مبرزة دورها وثقلها في المنطقة، شكلت حدثا رفيع المستوى على نحو غير مسبوق مع مشاركة قادة دول عربية وأوروبية فيها من بينهم العاهل السعودي وأمير دولة الكويت والرئيس التونسي والمستشارة الألمانية ومستشار النمسا ورئيس المجلس الأوروبي. كما أنها رسمت مسارا جديدا للتنسيق والحوار بين العالم العربي وأوروبا حول قضايا في غاية الأهمية.
-- قمة: الفوز المشترك
نظرا للقرب الجغرافي بين الوطن العربي وأوروبا، يصعب على أي من الجانبين أن يقوما بمفردهما بحل مشكلتي الإرهاب والهجرة غير الشرعية اللتين كانتا من أبرز الملفات الحاضرة في القمة، إذ أن معالجتهما تتطلب من وجهة نظر الخبراء الصينيين تأسيس آلية للتبادل والتواصل من أجل مواجهة هاتين القضيتين اللتين تشكلان تهديدا لاستقرار المنطقة وأمنها.
وفي هذا الصدد، يقول ما شياو لين الأستاذ في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين إن الجانبين العربي والأوروبي تربطهما علاقات وثيقة ومصالح مشتركة ويحتاج كل منهما للتعاون مع الآخر، منوها إلى أهمية قيام أوروبا بضخ استثمارات في الوطن العربي على نحو يسهم في انتعاش اقتصادات بلدان المنطقة وتحقيق استقرارها وتحسين معيشة شعوبها، وهي ثلاثة أمور متصلة اتصالا وثيقا بالأمن الأوروبي.
فالهجرة غير الشرعية مشكلة ذات اهتمام مشترك في المنطقتين، فبسببها خسرت بلدان عربية أعدادا كبيرة من العمال الشباب النازحين، فيما واجهت أوروبا مشكلات أحدثت شقاقا فيما بينهما واضعفت من درجة الوحدة الأوروبية. وفي هذا السياق، يرى ما شياو لين أن الاستقرار من العوامل الجوهرية للقضاء على مشكلة الهجرة غير الشرعية من جذورها.
وشرح قائلا إن معظم اللاجئين غير الشرعيين في أوروبا جاءوا من بلدان عربية عانت من عقد من الاضطرابات والحروب وترد في الأوضاع المعيشية، وإن تعزيز التنسيق والتعاون بين الجانبين الأوروبي والعربي في تحقيق الأمن والنمو الاقتصادي كونهما متصلان اتصالا وثيقا بالتنمية سيسهم بلا شك في معالجة مشكلة الهجرة غير الشرعية .
أما على صعيد مسألة مكافحة الإرهاب التي تدخل مرحلة جديدة بعد هزيمة تنظيم (داعش) الإرهابي في العراق وسوريا، قال ما شياو لين إن تركيز القمة على هذا الموضوع يعبر عن مدى ضخامة التحدي الذي تشكله آفة الإرهاب وضرورة سعى الجانبين معا إلى القضاء عليها، محذرا من أي تدخل يمكن أن تقوم به قوى خارجية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وكذا من اتخاذ العناصر الإرهابية ورقة مساومة سياسية.
وشاطره الرأي ليو تشونغ مين مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، موضحا أن القمة تمثل نقطة انطلاق للعمل العربي الأوروبي على دفع الإصلاحات الاقتصادية في الدول العربية وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتحقيق التنسيق والتعاون بين قوات الجيش والشرطة في الجانبين.
-- قمة: تؤسس لآلية جديدة
مع اتفاق الزعماء الأوروبيين والعرب على إقامة الدورة الثانية من القمة العربية الأوروبية في عام 2022 في بروكسل، رأى الخبيران الصينيان ملامح آلية جديدة للتنسيق والتواصل تتشكل بين الجانبين العربي والأوروبي.
وفي هذا الإطار، ألمح ليو تشونغ مين إلى أن الاتحاد الأوروبي حاول مرات عدة قبل هذه القمة إنشاء نوع من التواصل بين الدول العربية والأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط للتغلب على التحديات المشتركة، ولكنه لم يخرج بنتائج بارزة.
"ولكن هذه المرة، من المتوقع أن تصبح القمة آلية جديدة تحفز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي لتحقيق التكامل بين الجانبين"، هكذا ذكر ليو، مشيرا إلى أن ما تحظى به أوروبا من تقنيات تكنولوجية وخبرات إدارية وتمويل يمكن أن يفيد المنطقة العربية وفي المقابل يمكن أن تعمل الدول العربية على تأمين توفير الطاقة لأوروبا.
وشرح قائلا إن مواجهة المنطقة العربية من ناحية لأزمة في تصدير النفط مع تقليل الولايات المتحدة اعتمادها على المنطقة في استيراد الطاقة هذا إلى جانب انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014، واحتياج أوروبا من ناحية أخرى لمزيد من واردات الطاقة من العالم العربي وخاصة في ظل المعوقات التي يشهدها الاتفاق النووي الإيراني، يبدو التكامل واضحا بين الجانبين في هذا الصدد.
وبالنظر إلى المستقبل، أجمع الخبيران الصينيان على أهمية تضافر عمل جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي بما يصب في صالحهما المشترك، ولاسيما عندما تعمل القمة العربية الأوروبية كآلية طويلة المدى تضع خططا وأهدافا محددة وتجسدها على أرض الواقع.