التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني في سوتشي يوم 14 فبراير الجاري، لمناقشة امكانية اتخاذ تدابير مشتركة لتحقيق تسوية طويلة الأمد للوضع في سوريا. وهو رابع حوار مباشر يجمع قادة الدول الثلاث حول القضية السورية وأول قمة للقادة الثلاث بشأن محادثات استانا بعد إعلان الرئيس ترامب انسحاب بلاده من سوريا.
من سيملأ "الفراغ" بعد الانسحاب الأمريكي؟
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أعلن في صفحته على تويتر في 19 ديسمبر 2018، عن عزمّه سحب قوات بلاده من الأراضي السورية. وفي 8 فبراير، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر حكومية أمريكية، قولها إن الجيش الأمريكي سيسحب معظم قواته المنتشرة في سوريا في منتصف مارس وينهي أعمال الإخلاء الكاملة بنهاية أبريل. وتسائلت من سيملأ "فراغ السلطة" بعد انسحاب الجيش الأمريكي؟
أولا، تركيا. استجابة لمطالب أردوغان، يبدو أن ترامب قد تخلّى عن الأكراد السوريين ولو بصورة شكلية، ورجّح كفّة الميزان نحو الجانب التركي، وهو الأمر الذي لم يخفف من حدة التوتر في العلاقات الأمريكية التركية فحسب، بل زاد من المطامح التركية في الخريطة السياسية السورية.
ثانيا فرنسا. انتقدت فرنسا قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، وقالت بأنها ستبقى في سوريا" كقوة هامة" ضمن التحالف الدولي، للاضطلاع ببعض المهام الاستثنائية. مع ذلك، فإن الانتشار الفرنسي لن يمثل تحديا للنفوذ الروسي، ومن المتوقع أن تنسحب القوات الفرنسية من الأراضي السورية في المدى المنظور.
روسيا تريد أن تستفيد من الانسحاب الأمريكي لكبح ايران وتركيا
لا شك أن الانسحاب الأمريكي سيعزز النفوذ الروسي داخل سوريا، وهو ما يفسر ترحيب بوتين بقرار ترامب.
مع ذلك، فإن التحدي الأكبر بالنسبة لروسيا في الوقت الحاضر، يبقى متمثلا في موازنتها لعلاقاتها الحسّاسة مع تركيا. وقد أكّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 13 فبراير الجاري على أن قضية تخفيف حدّة الصراع في إدلب، ستكون واحدة من القضايا الرئيسية التي سيناقشها الاجتماع الذي سيعقد بين الرئيس الروسي ونظيره التركي. وكان لافروف قد تعمّد تمييع القضية الكردية في شمال شرق سوريا أثناء المؤتمر، وهي إحدى القضايا الخلافية في العلاقات الروسية التركية.
في الحقيقة، هناك علاقة بين مشكلة الأكراد والوضع في إدلب. فإذا تقدمت المعارضة السورية المعتدلة المدعومة من تركيا إلى مواجهة قوات تحرير الشام ومعالجة مشكلة ادلب، ثم اعترف أردوغان بسيطرة جيش الحكومة السورية على المناطق غير العسكرية، سيكون بإمكان بوتين تقديم تنازلات في قضية الأكراد السوريين.
غير أنه يبقى من غير السهل التوصل إلى عقد هذه الصفقة. حيث تحدثت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 5 يناير الجاري عن أن الأكراد السوريين قد تقدموا بإتفاقية سرية إلى موسكو ودمشق، تطرح تسليم المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية المسلّحة إلى الحكومة السورية، مقابل حصول الأكراد على الحكم الذاتي. لذلك فإن روسيا والأكراد تجمعهما مصلحة مشتركة، هي مقاومة النفوذ التركي. وهذا ما يجعل احتمال التوافق الروسي التركي أبرز نقاط تركز الاهتمام خلال الاجتماع، ومحور اللعبة طويلة المدى بين البلدين.
تمثل إيران القوة الأخرى التي تسعى روسيا إلى كبحها. حيث وقعت إيران وسوريا في 28 يناير الماضي، مذكرة تعاون اقتصادي طويلة الأمد، ستبني إيران بمقتضاها عدة محطات للطاقة في سوريا. ويسبب النفوذ الإيراني في سوريا مخاوف بالنسبة للجانب الروسي، وهو ما دعا روسيا إلى اتخاذ اجراءات سريعة. حيث أعلنت تأييدها لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، في اجتماع المنظمة الذي سيعقد حول هذا الشأن في 31 مارس القادم. من جهة أخرى، سيجري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في 21 فبراير الجاري زيارة إلى موسكو، لمناقشة الدور الإيراني في سوريا، حيث لا تأمل اسرائيل في أن يتوسع النفوذ الإيراني في سوريا. في حين تحاول روسيا الاعتماد على الدول العربية واسرائيل لتحقيق نفس الهدف أيضا.
ورغم أن الكرملين قد ذكر بأن هذا الإجتماع يهدف إلى التنسيق المشترك حول تسوية الوضع السوري على المدى الطويل. لكن للأسف، وبسبب الانسحاب الأمريكي وتباين مصالح دول مسار استانا والدول غير الإقليمية، تبدو الخريطة السياسية السورية أكثر تمزقا، كما يبقى التعرف على قدرة آلية التنسيق على الصمود لجولات أخرى في حاجة إلى المزيد من الترقب.