بقلم/ الدكتور محمد أحمد عيد، باحث في الشؤون الاجتماعية والثقافية
مراجعة وتدقيق: صحيفة الشعب اليومية أونلاين
يحتفل الصينيون كل عام بمثل هذه الأوقات برأس السنة الصينية أو السنة القمرية الجديدة، وهذا العام يسمى بعام الخنزير ويعتقد الكثير من الصينيين أن المواليد الجدد تتأثر حياتهم وشخصياتهم برمز العام الذي يقبلون فيه إلى الحياة، حيث يكونون مواليد عام الخنزير رحماء ومتحمسون ومخلصون لعملهم وهم أيضا مرحون ومتفائلون ويثقون بالآخرين، أما نقاط ضعفهم في أنهم عاطفيون وعنيدون ومحافظون وقصيرو النظر بشكل كبير وأحيانا ما يبدون مزاجيين وغير مستقرين.
وكوني أعيش في الصين فإنني أعرف الكثير من التقاليد الشعبية الصينية التي تتخلل الاحتفال بالسنة الجديدة، حيث يعتبر عيد الربيع العيد الأكبر بالصين، ويبدأ الكثير من الصينيين العطلة قبل أسبوع من أول يوم من العام الجديد، لكن قمة الاحتفالات تكون في عشية رأس السنة.
ويقوم الصينيون خلال الأسابيع الثلاثة التي يستغرقها عيد الربيع والتي تتعطل فيها معظم المصالح الحكومية بالسفر إلى مسقط رأسهم لزيارة الآباء ولم شمل العائلة وبعمل أنشطة توارثوها عن الأجداد.
وفي هذا العام قررت أن ألبي دعوة صديقي السيد ليو لقضاء عطلة عيد الربيع في مقاطعة خبي في قرية شيان شيان؛ وفعلا ركبت الحافلة المتجهة من بكين الى قريته لمسافة 350 كم تقريبا قطعناها في أربع ساعات وعندما وصلت تفاجأت بوصول كامل أفراد عائلة صديقي لاستقبالي هناك وقد ازدانت سيارتهم باللافتات الحمراء وقام ابنه الكبير بإشعال بعض المفرقعات ابتهاجا بوصولي.
كنت فرحا جدا إذ أنها كانت المرة الأولى التي أكسر فيها حاجز الخجل والمجاملات الذي كان يلازمني طيلة فترة تواجدي في بكين؛ خصوصا بعد أن وصلنا ليلة راس السنة التي يسهر فيها الصينيون حتى منتصف الليل ليرحبوا بالسنة الجديدة مودعين السنة الفائتة بعبارة (باي نيان) وعبارات المباركات ( شين نيان كواي لاه) وغير من الامنيات الطيبة بهذه السنة.
وفي اليوم الأول وبعد تناول الفطور قامت زوجة صديقي بعمل الحلوى، ثم خرجنا الى المقابر لوضع الزهور على بعضها مقدمين الصلوات لأرواح الأجداد ومن ثم عدنا الى بيت والدته حيث اجتمع جميع افراد العائلة هناك وتناولنا طعام الغداء وتسامرنا بأحاديث المرح حيث قام الأباء بمنح أولادهم العيديات (خونغ باو) وبدأ الجميع باشعال شتى أنواع المفرقعات والألعاب النارية التي استمرت حتى الليل، وفى اليوم الثاني قامت زوجة صديقي بتنظيف المنزل وفرم الخضار وطهى اللحوم وطبخ العديد من الاطباق حيث تمتعنا بأجواء القرية وقمنا بالعديد من الزيارات لقارب السيد ليو وأصدقائه وفي اليوم الذي يليه قام ليو بذبح بعض الدواجن ومساعدة زوجته بإعداد العجين وخبزه
وسالت ليو عن سبب تعليق الكثير من الزينات الحمراء في أرجاء القرية وعلى أبواب البيوت فقال انها لاستقبال العيد وإشارة إلى تطلعنا للحظ السعيد في العام الجديد، أما إشعال المفرقعات والألعاب النارية، فقال إنها لطرد الأرواح الشريرة أما الاحفاد الصغار فلا بد أن يقوموا بارتداء الملابس الجديدة وزيارة الأجداد ليتلقوا منهم العيديات على سبيل التهنئة، ولكي أعرف أكثر عن عادات الصينيين سالت جدة ليو أن تعرفني بالمزيد من العادات فقالت لدينا الكثير من الأقرباء لتبادل الزيارات معهم وهي فرصة لنراهم بعد غياب سنة كاملة عنا ولا بد من المآدب لتناول الطعام الذي يجمع افراد العائلة الواحدة ويوحدهم كما لا بد من أن يصطحب الأزواج زوجاتهم إلى منازل الأهل ومعهم الهدايا للآباء، وهكذا تستمر أيام الاحتفالات حتى ينتهى اليوم الأخير للعيد بمهرجان الفوانيس.
كما شرحت لي مطولا عن التقويم الصيني والذي يعتمد على دورة زمنية مكونة من 12 سنة وكل سنة من هذه السنوات تتخذ من أحد الحيوانات رمزا لها وحسب التقاليد الصينية فإن أول عام في هذه الدورة يسمى بعام الفأر، يعقبه عام الثور ثم النمر فالأرنب ويتلوه التنين ثم الثعبان وبعده الحصان ثم الخروف، ويأتي بعده عام القرد ثم الديك فالكلب ثم تنتهى الدورة الزمنية بعام الخنزير، وهكذا تبدأ دورة جديدة مرة أخرى ليأتي الفأر ثم الثور.. وهلم جرا.
ومن حسن حظي أنني دعيت إلى حفل زفاف صديقة السيد ليو التي تدعى “جانغ” وكان حفلا صاخبا تعرفت من خلاله على عادات الصينيين في الاعراس التي يحضرها الاقارب والجيران والاصدقاء ويتناولون فيها الطعام والشراب وتحضر صديقات العروس ليقفن بجانبها في حفل جميل جدا.
كما أنني قدمت قالبا من الحلوى لابنة اخت صديقي مياو مياو في عيد ميلادها وغنيت لهم: “سنة حلوة يا جميل”.
صراحة كانت الأيام التي قضيتها في قرية شيان شيان من أجمل الأيام في حياتي؛ فناهيك عن أنني تعرفت فيها على عادات الصينيين خلال هذا العيد، فقد استطعت أن أكون العديد من الصداقات هناك ومشاهدة الكثير من الأطفال يفرحون ويمرحون، وكذلك الجلوس مع البسطاء من أهالي القرية الذين كانوا مبتهجين بحضوري وأكرموني غاية الاكرام.
بعدها ودعت صديقي ليو على أمل اللقاء به في مناسبات قادمة.
أخيرا أتوجه إلى صديقي ليو وعائلته بخالص الشكر والامتنان على استضافتهم وكرمهم وسعة صدرهم متمنيا لهم الفرح والسعادة ورغد العيش. كما أبارك للصين حكومة وشعبا حلول عيد رأس السنة الصينية وأتمنى أن يعود عليهم سنين وسنين قادمة تحمل لهم التطور والمكانة الممتازة بين الأمم والشعوب.