بغداد 11 فبراير 2019 / تشكل المناطق الفاصلة بين محافظتي ديالى شرقي العراق وصلاح الدين شماله ملاذا شبه آمن لعناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، الأمر الذي يشكل تهديدا لأمن المحافظتين لاستخدام التنظيم هذه المنطقة قواعد له ومعسكرات تدريب يطور فيها أساليبه في الاختفاء من القوات العراقية وخاصة الطيران الحربي والمسير.
أهم هذه المناطق، التي يختبئ فيها عناصر التنظيم هي امطبيجة التي تضم حاوي نهر العظيم، وهي منطقة واسعة تمتد بين المحافظتين، وتتميز بكثافة الاشجار فيها ووجود التلال والهضاب والتضاريس، والكهوف، ما يوفر بيئة آمنة للارهابيين، الذين هربوا من الموصل وكركوك وصلاح الدين، للاختباء بها مستغلين طبيعتها الجغرافية المعقدة.
ومن أجل تجنب الوقوع في أيدي القوات العراقية نتيجة العمليات العسكرية التي تنفذها هذه القوات أو الضربات الجوية المتكررة لمضافات وأوكار التنظيم خلال الاشهر الماضية لجأ التنظيم إلى استراتيجية جديدة لتقليل خطر الضربات وكشف مواقعه وتفادي رصد الطائرات المسيرة أو القصف المدفعي.
هذه الاستراتيجية تتلخص بحفر انفاق تحت الأرض ويتم تغطيتها ودفنها بحيث لا تختلف عن اي بقعة ارض حولها، حتى لا تجذب انتباه القوات العراقية، ويستخدم التنظيم هذه الانفاق للاختباء والنوم وتخزين الاسلحة والمواد الغذائية، وقد اطلق على هذه الطريقة التي تم كشفها من قبل القوات العراقية أخيرا تسمية (دواعش الارض).
وقال محمد العبيدي رئيس مجلس بلدة العظيم (65 كلم) شمال بعقوبة، مركز محافظة ديالى لوكالة أنباء (شينخوا) إن "المناطق الفاصلة بين ديالى وصلاح الدين وخاصة حوض امطيبيجة تشكل تهديدا مستمرا لكلا المحافظتين لانها الملاذ الاهم لخلايا داعش الهاربة مما يعرف بولايات التنظيم في ديالى وصلاح الدين وكركوك".
وأضاف أن "مناطق إمطيبيجة، والميتة، وقرى السادة، والبو كنعان" تتميز بتضاريسها المعقدة جدا وموقعها الاستراتيجي، فضلا عن عدم وجود سكان فيها فقد نزحوا منها منذ سنوات، وتوجد فيها خلايا نشطة لداعش، لا تعيش فوق الارض بل في انفاق تحولت إلى مضافات دائمة لعناصر وقادة التنظيم وهؤلاء نسميهم دواعش الارض".
وتابع ان "دواعش الارض، هي استراتيجية التنظيم للتخلص من الضربات الجوية التي ينفذها الطيران العراقي، التي فقد فيها التنظيم العشرات من قادته ومسلحيه والتي استهدفت مضافاته التقليدية وهي منازل القرى المهجورة".
إلى ذلك، قال مصعب العزاوي من أهالي قرية البوبكر القريبة من حاوي العظيم إن "عناصر تنظيم داعش يتواجدون في مناطق امطيبيجة والميتة لكنهم لا يظهرون في النهار، وفي الليل يكون ظهورهم ونعرف ذلك من خلال أضواء الدراجات النارية التي يستخدمونها".
وأضاف أن "داعش بعدما تعرض إلى ثلاث ضربات قاسية من قبل الطائرات الجوية في قصف مضافاته تحول إلى الاختباء تحت الارض، او ما يطلق عليه دواعش الارض، وهذه حقيقة وليس خيال فقد عثرت القوات الامنية على مضافات أخيرا اغلبها تحت الارض وكانت حديثة وليست قديمة".
من جانبه، قال مسلم العبيدي وهو ضابط سابق في الجيش إن " الكثير من القرى الزراعية كانت موجودة في امطيبيجة والميتة والسادة والبوكنعان لكنهم نزحوا بعد العام 2014 بسبب سيطرة تنظيم داعش، وقراهم الان تعبث بها خلايا التنظيم وتختبئ فيها، وهذا جعل تلك المناطق ملاذا لخلايا التنظيم من ديالى وصلاح الدين وكركوك".
وأكد أن دواعش الارض هي استراتيجية جديدة للتنظيم المتطرف للاختباء من الضربات الجوية ورصد الطائرات المسيرة أو قصف الهاونات، مشددا على أن منطقة امطبيجة تبقى في قمة التهديدات الامنية لديالى وصلاح الدين على حد سواء.
من جهته، قال صادق الحسيني رئيس اللجنة الامنية في مجلس محافظة ديالى إن "تنظيم داعش الارهابي يغير بين فترة وأخرى من تكتيكاته خاصة فيما يتعلق بالاختباء لتجنب الضربات الجوية".
وأضاف "لكن بالمقابل لدينا تطور كبير في الجهد الاستخباري الذي اسهم في تفكيك خلايا وشبكات، والاستدلال على الكثير من المضافات، بعضها تحت الارض، وضبط اسلحة ومعدات ومتفجرات خلال الاشهر الماضية".
اما الخبير الامني حسن التميمي فيرى أن المناطق الفاصلة بين محافظتي ديالى وصلاح الدين تعاني من مشكلة مزمنة وهي مسك الارض لمساحتها الواسعة والتى تحتاج إلى قوات كبيرة جدا وفق المنظور الامني.
ودعا إلى الاسراع باعادة سكان القرى المحررة ضمن تلك المناطق للتخفيف من وطأة الموقف، قائلا "إن هؤلاء الاهالي سيكون لهم دورا كبيرا في تعقب الخلايا النائمة والحفاظ على مناطقهم من ان تتحول إلى ملاذات أو مضافات لخلايا التنظيم الارهابي".
وأقر التميمي بأن حسم معركة امطيبيجة يعني انهاء موقع مهم لخلايا داعش كانت تلوذ اليه عند اي ضغط امني للاختباء او اعادة التنظيم.
من جهة ثانية، قال العميد المتقاعد عبدالله الجبوري من أهالي محافظة صلاح الدين "إن منطقة امطبيجة التابعة اداريا لمحافظة صلاح الدين تقع امنيا تحت مسؤولية ثلاث قيادات امنية، الاولى قيادة عمليات ديالى، والثانية قيادة عمليات سامراء، والثالثة قيادة عمليات صلاح الدين، وهذا احد الاخطاء التي أدت إلى اتخاذ التنظيم لهذه المنطقة كملاذ آمن له"، داعيا لان تكون المنطقة تحت قيادة واحدة تأخذ على عاتقها انهاء الخطر الامني الذي يهدد صلاح الدين وديالى.
وأضاف الجبوري "إن مناطق شرق الدور، وشرق سامراء، وشمال الضلوعية هي الاخطر في منطقة امطبيجية، حيث تبلغ مساحتها اكثر من (200 كيلو متر مربع) وتتكون من تضاريس صعبة وكثبان رملية ومبازل ونباتات كثيفة وتحتاج لقوات خاصة وعجلات خاصة لتطهيرها ومسك الأرض بقوات جيدة تسيطر على الموقف سيطرة كاملة".
وعن العناصر المتواجدة في المنطقة، أوضح الجبوري "أن عناصر تنظيم داعش المتواجدين فيها أغلبهم من المناطق المحيطة وهم يعرفون جيدا طبيعة الأرض والمداخل والمخارج وأماكن الاختباء ويختارون التوقيتات التي تناسبهم للإغارة على المناطق المجاورة والقوات الأمنية كما انهم يتلقون تموينا منها".
وتابع "ان ما يزيد من خطورة المنطقة هو ارتباطها بجبال حمرين ومكحول، بحيث يمكن لعناصر التنظيم الارهابي الهاربين من نينوى وكركوك وحتى من سوريا، الوصول اليها عبر الجبال" ، معربا عن اعتقاده بوجود بعض العناصر الاجنبية في المنطقة.
وأشار إلى أن القوات الامنية العراقية تقوم بين فترة واخرى بشن عمليات عسكرية على تلك المنطقة، لكن عناصر التنظيم استغلوا اهمال هذه المنطقة في السابق، وحفروا الانفاق والاوكار تحت الارض التي يبلغ طول بعضها اكثر من 10 أمتار للاختباء بها عندما تنفذ القوات العراقية عملياتها العسكرية.
واقترح الجبوري بأن تقوم القوات العراقية بتطهير كل منطقة ويتم إعادة أهلها اليها، وتشكيل قوة لحمايتها ينخرط بعض اهالي المنطقة في صفوفها لحمايتها، ومن ثم التحول إلى منطقة اخرى، حتى يتم تطهير جميع المناطق واعادة سكانها اليها، والقضاء على عناصر التنظيم ومنعهم من استخدام تلك المناطق كملاذ آمن لهم.
وكان فريق تابع للامم المتحدة ذكر في تقرير له أخيرا أن التنظيم المتطرف تحول، بعد خسارته أراضي في العراق وسوريا، إلى شبكة سرية، مضيفا "أن التنظيم تقلص إلى مجموعة متشتتة وهو يعطي توجيهات لبعض المقاتلين بالعودة إلى العراق للالتحاق بالشبكة هناك".
وكشف تقرير للبنتاجون الامريكي الجمعة الماضية عن قيام تنظيم داعش باعادة تشكيلاته في العراق أسرع مما في سوريا، مبينا أن 50 مقاتلا من الاجانب ينضمون شهريا للتنظيم، قائلا "إن غياب الضغط العسكري المستمر، يمكن ان تستعيد داعش الارض في غضون 6 الى 12 شهرا حال لم تأخذ حكومتا العراق وسوريا بالاعتبار الادعاءات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية".