بقلم لوه تشن ومحمد مازن
بكين 13 فبراير 2019 / يبدأ في العاصمة البولندية وارسو اليوم (الأربعاء) مؤتمر دولي يستمر لمدة يومين حول "الأمن والسلام في الشرق الأوسط" كانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن تنظيمه الشهر الماضي.
وعلى الرغم من أن القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة جوناثان كوهين نفى أن تكون إيران هي النقطة المركزية للمؤتمر، إلا أن التحركات السياسية الأمريكية، بما في ذلك جولة وزير الخارجية مايك بومبيو في وسط أوروبا وتنظيم مؤتمر وارسو ترمي في اتجاه تشكيل تحالف ضد الجمهورية الإسلامية.
لكن هناك عدة عوامل تُصعب من إخراج التحالف ضد إيران إلى النور، حسبما يقول محللون.
-- الخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا
رغم أن الولايات المتحدة دعت دولا كثيرة لحضور مؤتمر وارسو، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أنها لن تحضر. وتلعب موغيريني دورا هاما في جهود الاتحاد الأوروبي للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني.
ويعكس غياب المسؤولة العليا عن السياسة والأمن في أوروبا الخلاف السياسي الكبير بين أوروبا والولايات المتحدة حول الشؤون الإيرانية، ويبرز هذا الخلاف كواحد من أكبر العقبات أمام إنشاء التحالف ضد إيران.
فمنذ توليه منصبه، يحمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب راية "أمريكا أولا" ويعمل على تطبيق سياسة أحادية، حتى أن الإدارة الأمريكية انسحبت من عدد من المنظمات والمعاهدات الدولية، واشتبكت مع أوروبا حول قضايا الأمن والتجارة، الأمر الذي تسبب باستياء الدول الأوروبية.
وفي أواخر الشهر الماضي، أعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن إنشاء آلية جديدة لتيسير التجارة مع إيران من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني. وفي بيان مشترك، ذكرت الدول الثلاث أن هذه الآلية الخاصة تعكس الالتزام الراسخ والجهود المتواصلة التي تبذلها لمواصلة تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني.
وقال الخبير بالشؤون الأمريكية في المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة سون تشنغ شي، إن أوروبا تخشى انسحاب إيران من الاتفاق النووي الإيراني، "لأن ذلك سيكون له تأثير كبير على جهود عدم الانتشار النووي في المنطقة، وقد يحفز دولا أخرى على الدخول في سباق تسلح".
وأشارت الخبيرة في الشؤون الأوروبية بالمعهد الصيني للدراسات الدولية تشانغ باي إلى أن الأمن في الشرق الأوسط يرتبط بشكل مباشر بأمن أوروبا.
واختارت الولايات المتحدة عاصمة بولندا لاستضافة المؤتمر ولم تنظر إلى عواصم أوروبية أخرى مثل باريس أو برلين. ويظهر ذلك برأي المحللين الخلاف الواضح بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة تهدف إلى أحداث انقسام بين دول الاتحاد الأوروبي إزاء القضية الإيرانية.
وأوضح الخبير الصيني في شؤون الشرق الأوسط ما شياو لين، وهو استاذ في جامعة الدراسات الاجنبية ببكين أن الولايات المتحدة تسعى إلى دعم دول وسط وشرق أوروبا فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية في مواجهة ما تعتبره "الموقف السلبي" لدول أوروبا الغربية. لكن ما زالت دول أوروبا الغربية تسيطر على اقتصاد وأمن الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فإن تأثير دول وسط وشرق أوروبا في الشؤون الأوروبية محدود.
-- الانكماش الاستراتيجي في الشرق الأوسط
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تنظيم المؤتمر في يناير الماضي خلال جولته بالشرق الأوسط. وقبل ذلك، حرص بومبيو في خطاب ألقاه بالجامعة الأمريكية في العاصمة المصرية على توضيح استراتيجية بلاده.
وكان التغير الأبرز الذي تجلي في تصريحات بومبيو هو محاولة توجيه الوجود الأمريكي والجهود الإقليمية لمحاصرة "النفوذ الإيراني"، بعد نقض ترامب الاتفاق النووي الذي توصل إليه سلفه باراك أوباما مع الجمهورية الإسلامية.
ودعا بومبيو صراحة إلى ضرورة التصدي "للنظام الإيراني" خلال خطابه، لكن سياسة الانكماش الاستراتيجي في الشرق الأوسط في المرحلة الحالية تترك تأثيرا سلبيا على الجهود الأمريكية لإنشاء تحالف قوي ضد إيران.
وفي ديسمبر الماضي، أعلن ترامب سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا بعد تحقيق ما وصفه بـ"الانتصار" على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مما أثار القلق من انسحاب القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط أوسع. حاول بومبيو جاهدا في القاهرة تبديد قلق الحلفاء، لكن وعده من الصعب أن يقنع الحلفاء في المنطقة في ضوء عدم التوافق إزاء سياسات إدارة ترامب نفسها.
وقال سون تشنغ شي إن الولايات المتحدة تعيد توزيع مواردها الاستراتيجية في السنوات الأخيرة وتستثمر المزيد خارج منطقة الشرق الأوسط بسبب التراجع النسبي في قوتها. وتعتقد إدارة ترامب أن الإرهاب لم يعد التهديد الرئيسي للأمن القومي للولايات المتحدة، وبالتالي التقليل من الاستثمار في الشرق الأوسط والاعتماد أكثر على الحلفاء الإقليميين، بات سياسة واتجاه معمول بهما في إدارة ترامب.
ودعا بومبيو دول الشرق الأوسط إلى تحمل المزيد من المسؤولية والمساهمة أكثر في أمنها الخاص. وتكمن هنا غاية الولايات المتحدة في مواصلة قيادة الشرق الأوسط بدون بذل المزيد من الجهد والمال.
وبرأي المراقبين، فإن التأثير الإقليمي للولايات المتحدة سيتراجع في سياق تقليل استثمارها في المنطقة. وبالتالي، من الصعب أن تواصل الحفاظ على سيطرتها في المنطقة.
وقالوا إنه في ظل الانكماش الاستراتيجي هذا سيصعب على الولايات المتحدة أن تحصل على دعم قوي من الحلفاء الإقليميين لتحقيق هدفها المرجو.
-- الانقسام بين الدول العربية
يشارك في مؤتمر وارسو بحسب آخر التأكيدات وزير الخارجية البولندي جاسيك تشوابوتوفيتش، ونائب الرئيس الأمريكي مايك بينس ووزير الخارجية مايك بومبيو، وصهر الرئيس جاريد كوشنر، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، و11 دولة من الشرق الأوسط. ورفضت فلسطين ولبنان الدعوة، مما يعكس الخلاف بين الدول العربية بشأن القضية الإيرانية. والانقسام هذا بين الدول العربية قد يكون أبرز مشكلة أمام واشنطن لإنشاء التحالف.
واقترحت الولايات المتحدة إنشاء التحالف الذي يمثل نسخة عربية من "الناتو" لإضعاف نفوذ طهران في المنطقة. وسعى بومبيو خلال جولته إلى توحيد الدول العربية إزاء الفكرة.
ويعتقد جيورجيو كافيرو، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة غولف ستيت أناليتكس في واشنطن، أن الدول العربية لديها أولويات استراتيجية مختلفة ومواقف مختلفة تجاه إيران، ستكون العقبة الرئيسية التي تواجه ما يسمى بالتحالف.
وتعتمد قطر على إيران ودول أخرى في إمداد السلع بعد مقاطعة السعودية ودول أخرى. وتضطر طائرات الركاب إلى تجنب المجال الجوي للسعودية والدول المقاطعة والتحليق فوق إيران. وفي سياق ذلك، لا يتوقع أن تقف قطر بجانب السعودية ضد إيران.
كما أن عمان تحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران، ووقعت الدولتان على اتفاق للتعاون العسكري. ولا تريد الإمارات إثارة غضب إيران بسبب النزاع على الجزر. ويرتبط العراق بعلاقات وثيقة مع إيران. وتبعد مصر وإيران جغرافيا عن إيران وتهتان أكثر بالصراع العربي، فيما لا تهتم دول عربية أخرى بالفكرة من الأساس.
وقال ما شياو لين إنه "من الصعب على الولايات المتحدة إنشاء تحالف قوي متعدد الأطراف في الشرق الأوسط. فسوريا والعراق ولبنان بالتأكيد ليست لديها الاستعداد للانضمام إلى التحالف ضد إيران".