بغداد 23 ديسمبر 2018 / بعد تحسن الوضع الأمني وطرد التنظيم المتطرف من المدن التي كان يحتلها ويطبق فيها قوانينه الخاصة، بدأت تجارة الخمور التي كانت خلال السنوات الماضية من أكبر المحرمات والتي راح بسببها الكثير من المتعاملين بها، ضحايا للهجمات التي نفذها المتطرفون على محالهم وأماكن تواجدهم، بدأت بالعودة والانتعاش خاصة في مراكز المحافظات التي استعادتها القوات العراقية من سيطرة التنظيم المتطرف.
ورغم ان محافظتي ديالى شرقي العراق وصلاح الدين شمال وسطه ذات طبيعة عشائرية وريفية، ومجتمعهما متدين ومحافظ، وعاداته وتقاليده لا تسمح بشرب الخمر بصورة علنية ناهيك عن العمل والمتاجرة بالخمور، الا ان الخمر حاليا يتواجد فيهما وبصورة علنية، بل ان عدد الشباب الذين يحتسون الخمر ارتفع بشكل واضح، ويعود هذا إلى الحياة الصعبة وكثرة الممنوعات التي كان يفرضها التنظيم المتطرف.
وقال ابو سامر وهو صاحب محل لبيع الخمور في شارع خريسان وهو من الشوارع الرئيسية وسط مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى ويمتد لاكثر من (2 كلم) ويقسمه نهر خريسان إلى شطرين، لوكالة أنباء (شينخوا) إن "الوضع تحسن كثيرا بفضل الاستقرار الامني ومعدلات الطلب على الخمور جيدة ويمكن القول اننا في ربيع المهنة".
واضاف "منذ اكثر من 15 عاما تقريبا، وبعقوبة مدينة ساخنة والتنظيمات المتطرفة بمختلف عناوينها تتخذ منا عدوا مباشرا لها وتطلق الفتاوى والتهديدات، ما أدى إلى وقوع هجمات دامية راح ضحيتها العديد من الاصدقاء وزملاء المهنة"، مبينا أن انحسار العنف والتطرف ساهم في عودة وانتعاش تجارة الخمور وفتح المزيد من المحال لبيعها.
بدوره، قال يوسف ابو نسرين، صاحب محل لبيع الخمور قرب تقاطع الامين شرقي بعقوبة "اعداؤنا كثر، ولكن الوضع تغير نسبيا واصبحنا نشعر ببصيص امل دفعنا لفتح محالنا منذ عدة اشهر".
وتابع "قبل عام تقريبا كنت اقف وراء بوابة محلي المصنوعة من الحديد وانا في حالة خوف وقلق، تحسبا لاي اعتداء لكن الوضع اصبح اكثر امنا بالوقت الراهن"، مضيفا ان "طريقة البيع كانت عن طريق عمل فتحة صغيرة في باب المحل تسمح فقط بدفع النقود واخراج المشروب لمن يريد الشراء، اما الان فباب المحل مفتوح بشكل طبيعي من الصباح الى المساء".
واعتبر، اركان شاكر وهو شاب ثلاثيني اشترى للتو عددا من قناني البيرة من احد محال بيع الخمور في شارع خريسان، ان" شرب الخمور حرية شخصية وما دمت لا اسبب اذى للاخرين فلا يحق لاحد التدخل بما انا مقتنع به".
واضاف "بالفعل الامن نعمة وهذا ما نشعر به، لان المتطرفين حرموا كل شيء تقريبا ومنها الخمور، متسائلا هل يستحق من يشرب الخمر ان يقطع راسه".
وتابع شاكر "في السنوات الماضية كنت اضطر للذهاب الى بغداد لشراء ما احتاجه من المشروبات، وهذا امر محفوف بالكثير من المخاطر، سواء من قبل افراد القوات الامنية الذين غالبا ما يقومون باتلاف المشروبات عند المرور بنقاط التفتيش، او من افراد المجاميع المسلحة المتطرفة وهنا يكون الامر اشد خطورة حيث انهم لا يتوقفون عند اتلاف المشروبات وانما يصل الامر إلى قتل من يحملها".
من جانبه، قال ابو حازم (45 عاما) سائق سيارة اجرة ويعمل على نقل الركاب بين بغداد وبعقوبة، "إن عملي كسائق اجرة اتاح لي التعرف على كثير من الاشخاص الذين يعملون في نقاط التفتيش من خلال مروري بشكل يومي في هذه النقاط وهذا سهل لي نقل المشروبات بعد اخفائها باماكن محددة في السيارة وايصالها الى بعض الاصدقاء والاشخاص الذين اثق بهم وباسعار مضاعفة".
واضاف ان "متعاطي الخمور لم يكونوا مهتمين بمسألة ارتفاع السعر بقدر اهتمامهم بوصول البضاعة التي اصبحت نادرة في عموم محافظة ديالى، بعد ان صدرت فتاوى من تنظيم القاعدة و(داعش) وتنظيمات اخرى شيعية وسنية تحرم بشكل قطعي اي تعامل بالخمور ومن يخالف يكون عقابه القتل وبالفعل فقد تم صفية الكثير من باعة الخمور والمتعاطين الذين لم يلتزموا بتعليمات تلك التنظيمات، كما تم تفجير العديد من محلات باعة الخمور".
واشار ابو حازم إلى أن الطريقة الوحيدة التي كانت متاحة للحصول على الخمور ابان سيطرة المجاميع المتطرفة، هي التهريب وتصريف المشروبات من خلال بيعها سرا الى اشخاص موثوقين.
لكن باسم حميد وهو مدرس بدى ممتعضا من عودة محال بيع الخمور الى بعقوبة قائلا "الخمر حرام وفقا للشريعة الاسلامية وتركه ينتشر امر لا يليق بمجتمعنا المحافظ، يجب ان يكون هناك اجراء قانوني لان المحال الموجودة في شارع خريسان وسط بعقوبة وبعض المناطق هنا وهناك تحيطها منازل المدنيين من كل جانب".
واضاف " ارفض استخدام العنف والقوة في منع بيع الخمور، لكن ادعو الى التوعية والتثقيف المبني على الحقائق والادلة في اهمية الابتعاد عن الخمور نظرا لما تسببه من ضرر نفسي ومجتمعي وهي بوابة مهمة للجريمة".
وشاطره الرأي، تحسين السعدي، موظف متقاعد قائلا "اعتقد ان منح التراخيص والإجازات لتسهيل تجارة المشروبات الكحولية والخمور بانواعها في مدن محافظة ديالى المعروفة بالتزامها الديني والعشائري، امر لايمكن القبول به ويتضارب مع عادات وتقاليد المجتمع".
واضاف "من المؤسف ان نرى هذا الانتشار السريع لمحال بيع الخمور دون اية رقابة، وان نرى تلك السلعة التي حرمها الدين الاسلامي تباع وتشترى بكل يسر وسهولة، بحجة ان الامر حرية شخصية"، مطالبا "بوجود رقابة وتعليمات تلزم اصحاب المحال بعدم المجاهرة في عرض بضاعتهم وتحديد اعمار من يدخلون الى هذه المحال لحماية الشباب وللمحافظة على تقاليد المجتمع".
إلى ذلك، قال الخبير الامني يوسف الربيعي ان " تجارة الخمور تعود الى سنين طويلة في بعقوبة، لكنها توقفت بشكل كامل بعد عام 2006 بسبب فتاوى القتل والتفجيرات التي استهدفت محلات بيع المشروبات الروحية، ومن ثم عادت للظهور بعد 2010 لكن سرعان ما استهدفت بعدها محال عدة واغلقت"، مبينا ان بعقوبة تشهد حاليا عودة تدريجية لمحال بيع الخمور وخاصة ضمن المناطق التي تشهد استقرار امنيا وهذا يعطي رسالة بان الحياة بدأت تعود لطبيعتها بعد سنوات من العنف والقتل.
واشار الربيعي إلى ان الجماعات الدينية المتشددة بمختلف مسمياتها قتلت عشرات الاشخاص من الباعة واحرقت متاجرهم، واضطر الكثير من اصحاب هذه المهنة الى النزوح الى العاصمة بغداد او اقليم كردستان شمالي العراق حفاظا على ارواحهم".
على صعيد متصل، قال عبدالله الحيالي قائممقام بعقوبة (اعلى مسؤول اداري) إن "محال بيع الخمور تنحصر في مدينتي بعقوبة وخانقين، ونادرا ما توجد محال لبيع الخمور في بقية المدن الاخرى مفتوحة بشكل رسمي" لكنه اقر بوجود عمليات بيع سرية تحصل في بقية المدن والبلدات لكون عملية بيع الخمور تعد سمعة سيئة لاية عائلة وهذا ما يدفع البعض الى بيعها بشكل سري.
واضاف الحيالي مبتسما ان " جميع باعة الخمور ليسوا من المسلمين بل من الطائفة الايزيدية او من الديانة المسيحية، لكن الزبائن جميعهم من المسلمين وهنا تكمن المفارقة الكبيرة"، لافتا الى ان عملية فتح محل بيع الخمور تجري وفق معاملة رسمية واذونات من قبل البلدية ولا تجري بشكل عبثي"، مبينا ان 15 محلا مجازة رسميا لبيع الخمور في مدينة بعقوبة.
من جهة ثانية، انتشرت في بعض مدن محافظة صلاح الدين بعد طرد عناصر داعش منها محال بيع المشروبات الكحولية وبصورة علنية بعد ان كان المتعاطون يتداولونها بصورة سرية عن طريق شبكة ناقلين من بغداد او مدن اقليم كردستان.
وتتركز معظم محال بيع الخمور في مدينتي تكريت مركز المحافظة، والشرقاط إلى الشمال منها ويعمل فيها مواطنون عراقيون من المسيحيين والايزيديين، لكن جميع الزبائن هم من المسلمين.
ولاقى افتتاح هذه المحال استنكارا واستهجانا واسعين من قبل عامة المواطنين الذين عدوا الخطوة خرقا لقيم المجتمع الدينية والأخلاقية.
وقال الشيخ محمد الجبوري "استاذ جامعي"إن افتتاح محال بيع الخمور بصورة علنية يعد انتهاكا لقيم الدين الإسلامي الحنيف الذي حرم صناعة وتداول وشرب الخمور وعاقب مرتكبيها"، مشددا على ان اباحتها بهذه الصورة يشجع على نشرها بصورة اوسع بين الشباب الذين يمرون بظروف صعبة نتيجة البطالة والضياع التي يعيشونها.
من جانبه، قال خالد حمد موظف حكومي "ان افتتاح المحال بصورة علانية لا يغير من حقيقة انتشارها على نطاق واسع بين فئات الشباب خاصة وبدلا من تداولها بصورة سرية اصبحت الان معلنة".
اما سعدون الجبوري من بلدة الشرقاط "إن الخمور اصبحت متوفرة في اغلب المدن التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، ولدي صديق من مدينة الحويجة التابعة لكركوك اتبادل مع ارسال قناني المشروبات بين فترة واخرى".
ومضى يقول "بعد استعادتنا لحريتنا وتخلصنا من التنظيم المتطرف، اصبح بامكاننا ان نمارس حريتنا ونشرب الخمور، دون ان نؤثر على الناس الاخرين".
وبشأن الانتقادات لهذه الظاهرة، قال الجبوري "الطقوس الدينية بين الانسان وربه، ونحن بما اننا لم نخالف القانون لا نكترث لمثل هذه الانتقادات".
على صعيد اخر، قال العقيد احمد الحيدري من وزارة الداخلية "الشرطة مهمتها تطبيق القانون، وبالنسبة للخمور تقوم دوريات الشرطة بالتأكد من اصحاب محال بيع الخمور هل توجد لديهم اجازة رسمية ونافذة المفعول، فاذا كانت مطابقة للقانون نحترم ذلك واذا خالف القانون نتخذ الاجراءات القانونية بحقه".
واقر العبيدي بارتفاع نسبة الاشخاص الذين يشربون الكحول خاصة في المناطق التي كان يحتلها التنظيم المتطرف، بسبب الارهاب الذي مارسه بحق الناس والشباب بشكل خاص، ما دفع العديد من هؤلاء الشباب الى عمل كل شيء كان يمنعه التنظيم المتطرف ومنها شرب الخمور.
ويمنع القانون العراقي المسلمين من فتح محال لبيع الخمور ويشترط ان يكون صاحب المحل من غير المسلمين وان لا يقل عمره عن 21 سنة، وان يبعد المحل 500 م على الاقل عن المراقد الدينية و200 متر من المساجد و100 متر عن المدارس او المستشفيات.