الدوحة 3 ديسمبر 2018 / أعلنت قطر اليوم (الإثنين) انسحابها من منظمة الدول المصدرة للبترول ((أوبك))، في خطوة مفاجئة اعتبرها محللون وخبراء قرارا اقتصاديا محدود التأثير على أسعار النفط، لكنه يحمل صبغة ورمزية سياسية قد يكون لها تداعيات مستقبلية.
وذكر وزير الدولة لشؤون الطاقة سعد بن شريدة الكعبي في مؤتمر صحفي اليوم إن الانسحاب الذي سيدخل حيز النفاذ في يناير المقبل، يعكس رغبة بلاده في تركيز الجهود على تطوير صناعة الغاز الطبيعي المسال وتنفيذ خطط زيادة الإنتاج من 77 إلى 110 ملايين طن سنويا.
وقال الخبير الاقتصادي حسن العلي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن قرار الانسحاب مع أنه كان مفاجئا بالنسبة لعضو قديم ومؤسس ومؤثر في أوبك كقطر، إلا أن تأثيره محدود على أسواق وأسعار النفط.
وأوضح العلي أن قطر لاعب صغير في أوبك إذ تحتل المركز الـ 11 بين كبار منتجي المنظمة بحصة تبلغ تقريبا 600 ألف برميل يوميا، أي أقل من 2 بالمائة من إجمالي إنتاج أوبك، وقد ظل إنتاجها ثابتا إلى حد ما دون زيادة كبيرة تذكر.
وأكد العلي أن هذه الخطوة ستساعد قطر على ضخ أموالها حيث يمكن أن تجني فوائد أكبر وفي القطاع الذي يؤثر على سوق الطاقة وهو قطاع الغاز الطبيعي، وهذا القطاع مهم جدا عالميا.
وأضاف أن التركيز على رفع الإنتاج إلى 110 ملايين طن يعني عوائد مالية ضخمة لقطر ستمكنها مستقبلا من تعويض أي ضرر اقتصادي أصابها جراء المقاطعة التي فرضتها عليها السعودية، القائد الفعلي لأوبك، والإمارات العضو الآخر فيها، إلى جانب كل من البحرين ومصر.
وأفاد أن قطر تدرك جيدا التوجه العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة كالغاز المسال، ومن المتوقع أن تقل أهمية النفط كمصدر للطاقة في السنوات العشر إلى 15 المقبلة في حين ستزيد أهمية الغاز لدى المستهلكين الرئيسيين للطاقة في الغرب.
ولفت إلى أن لدى هؤلاء المستهلكين التزامات بخفض الكربون متعلقة باتفاقية باريس للمناخ وهذه الالتزامات ستكون محركا رئيسيا لنمو الطلب على الغاز، بالتالي ليس منطقيا بقاء قطر في أوبك والالتزام بقراراتها بينما تسعى لأن تصبح قوة رئيسية لزيادة إمدادات الغاز للغرب.
واتفق الباحث والمحلل الاقتصادي هيثم إبراهيم مع طرح العلي، مشيرا في حديثه إلى ((شينخوا)) إلى أن القرار "مبني على المصلحة الشخصية لقطر"، أو ما يمكن تسميه "سياسية قطر أولا".
وأوضح إبراهيم أن قرار الدوحة يجيء قبل أيام من اجتماع أوبك المقرر في 6 الشهر الجاري والذي ينتظر الاتفاق فيه على خفض الإنتاج للحفاظ على أسعار النفط، ويبدو أن قطر غير مرحبة بهذا القرار لأنها تخطط لزيادة انتاج كل من النفط والغاز.
وكان الكعبي قد أعلن في أكتوبر الماضي أن بلاده إلى جانب اعتزامها زيادة إنتاج الغاز ترغب أيضا في زيادة إنتاج النفط من 4.8 مليون برميل نفط مكافئ يوميا إلى 6.5 مليون برميل يوميا خلال ثماني سنوات.
وأضاف إبراهيم "صحيح أن قطر أكدت اليوم أنها ستفي بالتزاماتها، لكن هذا لا يعني الوفاء بالتزامات أوبك... هناك خلافات دائمة داخل أوبك، ففي حين ترى دول أن خفض الإنتاج ضروري تعتبره أخرى مضر بمصالحها، وربما رأت قطر أن قرارا كهذا لن يكون في صالحها".
وتابع "كذلك لا يمكن النظر إلى الخطوة بعيدا عن السياق المحلي، فقد حدث تغيير وزاري الشهر الماضي لتسريع خطط التنمية الشاملة في إطار رؤية قطر 2030، وجاء هذا التغيير بالكعبي الذي يقود عملاق الطاقة في الدولة (قطر للبترول) وزيرا وهو صاحب مقاربات وسياسات قوية".
ورغم أن الكعبي أكد أن قرار الانسحاب يرجع لأسباب فنية واستراتيجية وليست سياسية، إلا أن الخبراء يرون أن الخطوة تحمل رمزية سياسية وقد يكون لها تداعيات مستقبلية.
وقال العلي "هناك رمزية سياسية في قرار الانسحاب من أوبك وزيادة إنتاج الغاز، حتى وإن نفتها قطر، فالسعودية التي تقاطع قطر هي المحرك الأكبر لقرارات أوبك، وهي إلى جانب روسيا، أكبر منافس للدوحة في سوق الغاز، أكبر منتجين للنفط في العالم واللاعبين الأساسيين في سوقه".
ورأى أن هذه الخطوة هي أحد تبعات التوترات الجيوسياسية بين قطر ومقاطعيها وعلى رأسهم السعودية، وربما أرادت قطر أن تبعث برسالة مفادها أن الدوحة لا تريد رهن تبعيتها بقرارات السعودية لا في داخل أوبك ولا في خارجها.
وبالنسبة لروسيا فإن زيادة انتاج الغاز القطري يعني المحافظة على ريادة قطر في الأسواق العالمية في صناعة الغاز واستحواذها على حصة أكبر أمام الدب الروسي، بحسب العلي.
ويرى إبراهيم أن الخطوة تعد تطورا خطيرا في أوبك وتهدد وحدة التكتل، إذ ليس مستبعدا أن تتخذ دول أخرى موقفا مشابها للدوحة، لاسيما تلك الدول التي تشعر بعدم الرضا عن سياسات أوبك وقرارات خفض أو زيادة الإنتاج دون أي مسوغ وعدم التزام بعض الأعضاء بحصص الإنتاج المحددة.
وأضاف "انسحاب قطر، ودول أخرى سيقلل من المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بأسعار النفط في ظل هيمنة بعض اللاعبين وتلاعبهم بالإمدادات والأسعار، وستكون قطر ومن يحذو حذوها قوة محركة لتنويع العرض، لكن مع تعويم الأسعار حسب سياسات الدول سيكون المتضرر الأكبر هو صاحب الإنتاج الأكبر".
وأكد ذلك الاقتصادي ومدرب مهارات التفاوض القطري عبدالله الغانم الذي قال في تغريدة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) "خروج قطر من أوبك سيفتح الباب لخروج دول أخرى"، معتبرا أن انهيار المنظمة سيكون له "اضرار كارثية على السعودية".
وأضاف الغانم أن قطر التي تتربع على عرش أكبر مصدر للغاز في العالم ستعلن خلال الأشهر المقبلة عن شراكات دولية كبيرة، أكبر من أوبك في تحالف خاص بالغاز ومقره قطر.
ولم يستبعد كل من العلي وإبراهيم خطوة كهذه لاسيما أن قطر لها سياسات مخالفة للتوجه السعودي فهي تحافظ على علاقات ممتازة مع تركيا مع وجود قاعدة عسكرية لأنقرة على أراضيها، ولها علاقات دافئة مع إيران الخصم التقليدي للسعودية ومؤخرا بدأت تتقارب سياسيا مع العراق.
واعتبر الخبيران أن الدوحة التي وسعت نطاق تحالفاتها في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية للخروج من العباءة الخليجية، "ستستمر لا شك في توجهها المخالف وسيكون لكل ذلك تداعيات فقط علينا انتظار قادم الأيام لنرى كيف سترد أوبك كمنظومة وكيف سترد الدول المقاطعة المنضوية تحتها منفردة".