بكين 28 نوفمبر 2018 /نشرت صحيفة ((كلارين)) الأرجنتينية اليوم (الأربعاء) مقالا بتوقيع الرئيس الصيني شي جين بينغ بعنوان "تدشين عصر جديد في العلاقات الصينية - الأرجنتينية"، وذلك قبل زيارة الدولة المقررة له إلي البلد الواقع في أمريكا الجنوبية.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
"تدشين عصر جديد في العلاقات الصينية - الأرجنتينية"
شي جين بينغ
رئيس جمهورية الصين الشعبية
إنه لمن دواعي سروري أن أحضر قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس وأقوم بزيارة دولة إلى جمهورية الأرجنتين بدعوة من الرئيس ماوريسيو ماكري في فصل الربيع الواعد بنصف الكرة الأرضية الجنوبي.
وكما تقول القصيدة الصينية القديمة: "إذا كان لديك رفيق بعيد يعرف قلبك، فالمسافة لا تستطيع فصلكما"، يكن الشعبان الصيني والأرجنتيني المحبان للسلام تفاهما ودعما متبادلين لبعضهما بعضا، على الرغم من البعد الجغرافي بينهما. وقد صمدت علاقاتنا الثنائية أمام اختبار الظروف الدولية المتغيرة وضربت مثلا للتضامن والتعاون من أجل تنمية مشتركة بين الاقتصادين الناشئين والبلدين الناميين.
الصين والأرجنتين صديقتان جيدتان تثقان ببعضهما بعضا. وفي اجتماعاتنا الأربعة خلال فترة قصيرة تبلغ عامان، توصلت والرئيس ماكري إلى اتفاق مهم حول سبل تطوير العلاقات الثنائية ولدينا رأي واحد فيما يتعلق بإيلاء أهمية هائلة للعلاقات الصينية - الأرجنتينية. وتدعم الصين بشدة الأرجنتين في استكشاف مسار تنمية يتناسب مع ظروفها الوطنية ولديها كل الثقة في مستقبلها. كما أن الآليات الثنائية، من بينها اللجنة الحكومية الدائمة، والحوار الإستراتيجي للتعاون والتنسيق على المستوى الاقتصادي، ولجنة الحوار السياسي على المستوى البرلماني، واللجنة المختلطة لشؤون التعاون الاقتصادي والتجاري، تعمل بسلاسة وتضخ زخما قويا في التقدم المستمر للعلاقات الثنائية. ودعم بلدانا أيضا بعضهما بعضا في الشؤون المتعلقة باحترام السيادة وتوطيد سلامة الأراضي.
الصين والأرجنتين شريكتان جيدتان فيما يتعلق بالتنمية المشتركة. والصين تعد ثاني أكبر شريك تجاري وأكبر مقصد للصادرات الزراعية بالنسبة للأرجنتين. وفي عام 2017، بلغ حجم التجارة الثنائية 13.8 مليار دولار أمريكي، بزيادة حوالي 2300 مرة منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية. ويحب المستهلكون الصينيون بشدة الفاكهة الطازجة واللحم البقري والخمور وطعام البحر الأرجنتيني. واستثمرت الصين ما يزيد على عشرة مليارات دولار في الأرجنتين في قطاعات كالبنية الأساسية والطاقة والاتصالات والزراعة، ما خلق عشرات الآلاف من فرص العمل المحلية. كما ساهمت المنتجات والتكنولوجيات الصينية في سعي الأرجنتين إلى زيادة الترابط والتنافسية. وزاد البلدان كذلك نطاق تبادل العملة المحلية. وقد فتحت مؤسسات مالية صينية فروعا لها في الأرجنتين. ووفر هذا التعاون المالي دعما وخدمات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأرجنتين.
الصين والأرجنتين صديقتان مقربتان معجبتان بإنجازات بعضهما بعضا وتقدران التعلم المشترك. وثمة هوايتان لدى الأرجنتينيين، وكلتاهما ترتكز على حركة الأقدام. الأولى هي كرة القدم والأخرى هي التانجو. التحق لاعبو ومدربو كرة القدم الأرجنتينيون بدوريات كرة القدم الصينية. وتخضع مجموعات من الشباب الصينيين للتدريب في مجال كرة القدم بالأرجنتين. وهناك جمعيات وأندية مخصصة لرقص التانجو في العديد من المدن الصينية. وتنافس الراقصون الصينيون وحصلوا على ميداليات في دورات عالمية للتانجو. وهناك اهتمام بين الأرجنتينيين بالصين واللغة الصينية. وقد اقتبس أسطورة الأدب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس إشارات ضمنية صينية - من بينها حلم الفراشة للفيلسوف تشوانغ تسو وسور الصين العظيم - في أعماله، بما فيها "خيزران الطلاء". وكان يمتلك بالفعل خيزران طلاء صينيا. وشارك ما يزيد على 800 ألف أرجنتيني في مهرجان المعبد للاحتفال بعيد الربيع والذي أقيم في مجتمعات محلية في وقت سابق من هذا العام. وتكتظ معاهد كونفوشيوس ومدارس الدوام الكامل العامة التي تدرس باللغتين الصينية والاسبانية، بالطلاب. ويعمل الجانبان معا أيضا على إيجاد طرق لتأسيس روابط جوية مناسبة بشكل أكبر للسائحين الصينيين كي يسافروا إلى الأرجنتين ويدركوا قيمة سحر الأنهار الجليدية وشلالات المياه وثقافة غاوتشو.
يمر العالم الذي نعيشه الآن بتغيرات هائلة لم نشهدها خلال قرن. وبينما لم يتوقف زخم تعدد الأقطاب والعولمة الاقتصادية، ظهرت أيضا تغيرات عالمية. وتمر كل من الصين والأرجنتين بمرحلة حاسمة من التنمية. ويبذل الشعب الصيني جهودا متواصلة لتحقيق حلم النهوض العظيم للأمة الصينية. كما يسعى الشعب الأرجنتيني إلى تحقيق حلم التنمية والنهوض الأرجنتيني. دعونا نغتنم الفرص التاريخية، ونمضي قدما في كل الأوقات، ونتكاتف من أجل تدشين عصر جديد في علاقة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والأرجنتين من أجل تحقيق منافع أكبر لشعبي البلدين.
أولا، نحن نحتاج إلى تعزيز التواصل الإستراتيجي القائم على الاحترام والثقة المتبادلين. ومن أجل تنمية علاقاتنا الثنائية، فمن المهم أن نرسم خطة ذات رؤية أوسع لتوجيه التبادلات في مختلف المجالات بين الحكومتين والمجلسين التشريعيين والأحزاب السياسية، وعلى المستويات دون الوطنية، إلى جانب زيادة تبادل الخبرات في مجال الحوكمة. ومن المهم أيضا أن نعمل على تعزيز التفاهم والثقة السياسية المتبادلين، وأن يمنح كل طرف الآخر دعما راسخا مستمرا في الشؤون المتعلقة بالمصالح الأساسية والشواغل الكبرى.
ثانيا، نحن بحاجة إلى تعميق التعاون العملي اللازم لتحقيق نتائج متبادلة النفع. ويجب بذل الجهود لتعميق الربط بين إستراتيجيات التنمية لدى البلدين من أجل المضي قدما بمبادرة الحزام والطريق. ويتعين تعميق التعاون في مجالات رئيسية مثل البنية الأساسية والطاقة والزراعة والتعدين والتصنيع. كما يتعين تعزيز تيسير التجارة ودعم أنماط التعاون الجديدة مثل التجارة الإلكترونية. وترحب الصين بمشاركة الأرجنتين المتواصلة في معرض الصين الدولي للواردات وتتطلع إلى قدوم المزيد من الصادرات الأرجنتينية إلى الصين. كما نتطلع إلى رؤية المزيد من المنتجات والخدمات الأرجنتينية ذات القيمة المضافة العالية في السوق الصينية، الأمر الذي من المتوقع أن يدعم تحول الأرجنتين من مخزن حبوب العالم إلى سوق تجارية كبيرة.
ثالثا، نحتاج أيضا إلى توسيع التبادلات الشعبية من أجل التعلم المتبادل. يتعين تشجيع المزيد من التفاعلات الشعبية، والتعاون في مجالات الثقافة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والرياضة والسياحة، كما يتعين توسيع التبادلات على المستويات دون الوطنية. ويجب تفعيل المزيد من الإجراءات اللازمة لتيسير تدفقات الأفراد وتشارك الخبرات التنموية. كل هذا يساهم في تعزيز الدعم الشعبي للصداقة الصينية - الأرجنتينية.
رابعا، نحتاج كذلك إلى تعزيز التنسيق والتعاون من أجل توفير الدعم المتبادل. ونعتزم تعزيز التنسيق عبر الأطر التعددية، والتي تشمل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة الـ77، من أجل تأكيد دعم العولمة الاقتصادية والنظام التجاري التعددي، ومن أجل حماية المصالح الأساسية للأسواق الناشئة والبلدان النامية. سوف نقدم معا مساهماتنا في الحفاظ على السلام العالمي وفي بناء اقتصاد عالمي مفتوح ومجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.
إن النمو الشامل والسريع للعلاقات الصينية - الأرجنتينية يعد خلاصة العلاقات النشطة بين الصين وبلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي. إن الصين وبلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي، وبوصفها بلدانا نامية وأسواقا ناشئة مهمة، أمامها جميعا فرص غير مسبوقة وأيضا تحديات غير مسبوقة. ولذلك، فمن المهم لنا أن نعمق التعاون وأن نحقق تقدما عبر تنسيق الجهود. ولهذا السبب جاءت دعوتي إلى إقامة مجتمع ذي مصير مشترك ولصياغة خطة جديدة للتعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق بين الصين وبلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي. وقد لقيت هاتان المبادرتان ترحيبا حارا من الأصدقاء في بلدان بالمنطقة. وبتوجيه يقوم على مبدأ التشاور والتعاون وتحقيق مصالح الجميع، فإن الصين مستعدة للعمل مع بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي على تعزيز الارتباط في المجالات الخمسة ذات الأولوية ، وهي السياسة والبنية الأساسية والتجارة والمال والعلاقات الشعبية. وكل هذا من شأنه أن يساعد في ترجمة التعاون بيننا في إطار مبادرة الحزام والطريق إلى منافع ملموسة لشعوبنا، وفي تيسير تحديث التعاون وتوطيد مجالات نمو جديدة في علاقتنا.
يوافق هذا العام الذكرى العاشرة لتدشين قمة مجموعة العشرين. وبعد عقد من إطلاقها، ومن خلال الإنجازات التي حققتها في مواجهة الأزمة المالية العالمية وفي تعزيز التعافي الاقتصادي العالمي، فإن القمة أصبحت ركيزة للاقتصاد العالمي وقوة دافعة للحوكمة الاقتصادية العالمية . ومن المهم للغاية بالنسبة لمجموعة العشرين أن تحافظ على دورها كمنتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي، وأن تمضي قدما بناء على التوافقات التي تم التوصل إليها خلال القمم السابقة، وأن ترسم مسارا للاقتصاد العالمي. واتباعا لمبدأ " بناء توافق من أجل تنمية عادلة ومستدامة"، فإن الصين تعتزم تقديم دعمها الكامل للأرجنتين في استضافة قمة مجموعة عشرين ناجحة، وهي القمة التي لدينا جميعا تطلعات كبيرة حيالها.
ونأمل أن تبقى مجموعة العشرين على تمسكها بروح التضامن والشراكة. وكما كان لتلك الروح دور فعال في توجيه مجموعة العشرين خلال عواصف الأزمة المالية العالمية، فإن هذه الروح ذاتها سوف تواصل إلهام المجموعة في الحفاظ على الأداء الجيد للاقتصاد العالمي. إن المضي قدما سويا بالاقتصاد العالمي على المسار الصحيح يمثل مهمة أساسية وواجبا رئيسيا لمجموعة دول العشرين. نحن بحاجة إلى تعزيز التنسيق والتعاون في سياسة الاقتصاد الكلي، والأهم أننا بحاجة إلى أن نتمسك بحزم بالنظام التجاري التعددي وببناء اقتصاد عالمي مفتوح.
نتطلع إلى أن تواصل مجموعة العشرين العمل على دفع عملية العولمة الاقتصادية. وتشيد الصين بشدة بالرؤية المتمركزة حول الشعب للتعاون في إطار مجموعة العشرين، والتي يتبناها الرئيس ماكري. لقد وفرت العولمة الاقتصادية قوة دفع كبيرة للنمو العالمي وساعدت على تدفق البضائع ورأس المال، وتحقيق إنجازات في العلوم والتكنولوجيا، وتطور الحضارات والتبادلات بين شعوب البلدان المختلفة. وأمام المشكلات التي ظهرت في تلك العملية، فإننا بحاجة إلى تبني نهج استباقي ومدروس، وإلى التصرف بما يصب في مصلحة بناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، وإلى السعي إلى تحقيق عولمة اقتصادية أكثر انفتاحا وشمولا وتوازنا بما يتفق مع مبدأ التشاور والتآزر وتحقيق منفعة الجميع، ليسهم هذا كله في تحقيق مصالح شعوب البلدان كافة.
كما نتطلع إلى أن تواصل مجموعة العشرين الاضطلاع بدورها الريادي في تشكيل المسارات المتجهة إلى تحقيق نمو مدفوع بالابتكار وحوكمة طويلة الأجل. لقد أوجدت التكنولوجيات وأنماط الأعمال التجارية الجديدة فرصا كما أوجدت أيضا تحديات. وتحتاج بلدان العالم إلى إنشاء محركات جديدة لتحقيق النمو العالمي عبر الابتكار، وإلى تعزيز قوة الدفع الخاصة بالاقتصاد الرقمي والثورة الصناعية الجديدة. ولأنه قد ينجم عن الابتكار مخاطر وتحديات بالنسبة للتوظيف، فمن المهم أن نعزز جاهزية عمالنا بالقدرة على التكيف مع التحول التكنولوجي. ونحتاج إلى مواصلة وضع التنمية في المقدمة والمركز خلال عملية تنسيق سياسة الاقتصاد الكلي العالمية، وإلى أن نعي حاجتنا إلى تحقيق التنمية من خلال مناقشاتنا حول التعاون الدولي في سائر المجالات. يجب استيعاب شواغل البلدان النامية ويجب الحفاظ على مساحة لها في فضاء التنمية. ويتعين بذل الجهود لدعم ارتباطية البنية الأساسية ومساعدة البلدان النامية على تجاوز الأزمات وتحقيق التنمية المستدامة.