بقلم لي وي جيان، باحث في معهد شانغهاي للدراسات الدولية
منذ بدء "مسيرة العودة" على حدود قطاع غزة في 30 مارس من العام الحالي، اندلعت عدة مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما ترافقت المواجهات مع أزمة نقل السفارة الأمريكية. وقد قامت السلطة الفلسطينية على اثر ذلك برفع دعوى إلى محكمة العدل الدولية، اتهمت فيها الولايات المتحدة بإنتهاك "اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية". رغم ذلك، لم تحظ كل هذه الأحداث بإهتمام وسائل الإعلام العالمية.
ظل "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، عبارة عالية التردد في الأخبار الدولية منذ ثمانينيات من القرن الماضي. لكن هذه القضية لم تعد تحظى بنفس الإهتمام الدولي في الوقت الحالي، وهذا يعود إلى التقلبات المثيرة التي شهدتها أوضاع الشرق الأوسط والوضع الدولي خلال العقود الأخيرة.
يعود السبب الرئيسي لاستمرار تهميش القضية الفلسطينية إلى التغيرات التي شهدها النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة. حيث تعزز انقسام المعسكر العربي، بعد أن بادرت العديد من الدول العربية إلى التخلي عن القومية العربية مقابل المصالح الوطنية، والحصول على مواقع أفضل في التغيرات الإقليمية الجديدة. كما لم يعد دعم القضية الفلسطينية أولوية في أجندتها.
كل ما تقدّم لا يخلو من المنطق، لكن بالنظر إلى طبيعة تطور الأحداث على المستوى الدولي والإقليمي، هناك بعض الأسباب الأخرى، التي أسهمت في تهميش القضية الفلسطينية.
أولا ، على المستوى الدولي، تزايدت القضايا السياسية والاقتصادية العالمية الجديدة في سياق التغيرات الرئيسية الحالية التي يشهدها النظام العالمي للاقتصاد والحوكمة. وفي هذا الجانب، تتصاعد حدة اللعبة السياسية بين القوى الكبرى، وخاصة على مستوى العلاقات الأمريكية الروسية والصينية الامريكية. إلى جانب، زيادة التصدع في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا.
وهو ماصرف إهتمام القوى الكبرى عن بعض القضايا الإقليمية وتلك التي ليست لها علاقة مباشرة بمصالحها الذاتية. من ناحية أخرى، شتّتت العديد من القضايا السياسية والاقتصادية العالمية، اهتمام المجتمع الدولي والرأي العام الدولي. علاوة على ذلك، أسهمت التباينات الكبيرة بين القوى العظمى حول هذه القضايا المتعلقة بالتنمية العالمية، في جعل العديد من الدول أكثر إهتماما بتقييم تأثير تطورات الوضع الدولي على تنميتها الوطنية.
وفي الحقيقة، لم تغير العديد من الدول مواقفها السياسية من القضية الفلسطينية، لكن وفي ظل المناخ الدولي الذي تحدثنا عنه، فإن حساسية المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية ستستمرّ في التراجع، إلا إذا حدث تغير جوهري في مجرى القضية. وهذا ليس حال القضية الفلسطينية وحدها فحسب، بل ان العديد من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية النووية الإيرانية، ستتأثر بالتغيرات الحاصلة في السياسة والإقتصادي الدولي.
يمر الشرق الأوسط في الوقت الحالي، يتغيرات غير مسبوقة، كما ستظل المنطقة تتأثر بالتغيرات السياسية والإقتصادية
الدولية. وهومابات يمثل سمة رئيسية للوضع في الشرق الأوسط واتجاه مستقبليا للأحداث.
ثانياً ، من منظور إقليمي، يتعمق التحول السياسي في الشرق الأوسط بإستمرار، كما بات النظام الجيوسياسي القديم في المنطقة يعيش انقساما خطيرا. وفي ظل هذا الوضع، تبرز خاصيتين رئيسيتين تطبعان اتجاه تطور الوضع الإقليمي:
أولاً ، تواجه جميع الدول الرئيسية تحديات داخلية خطيرة، وبات لزاما على حكام هذه الدول تكريس جهدا كبيرا من طاقتهم من طاقتهم في تنسيق السياسات المحلية ومواجهة الصعوبات الاقتصادية المتزايدة. كما تواجه بعض الدول تحديات خارجية كبيرة.
ثانياً ، تعقدت اللعبة بين القوى الإقليمية، والعلاقات بين الدول (مثل العلاقات السعودية والقطرية، العلاقات التركية السعودية ، العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج ، إلخ). كما تشهد أولويات السياسة الخارجية لهذه الدول تغيرات مهمة أيضاً. حيث يتشكل باستمرار خصوم سياسيون جدد وتهديدات أمنية جديدة بإستمرار، وهومامثّل سمة جديدة لتطور الوضع في الشرق الأوسط خلال العام الحالي. وفي ظل هذا الوضع، من الطبيعي أن تتراجع القضية الفلسطينية في أولويات أجندات العديد من دول الشرق الأوسط.
أخيراً، في سياق القضايا السياسية والاقتصادية العالمية المتزايدة، والتأثير المتنامي لهذه القضايا على مختلف دول العالم، بما في ذلك دول الشرق الأوسط ، فإن القضايا الجديدة في الشرق الأوسط، ستأخذ في التزايد أيضا. على سبيل المثال ، أصبحت قضايا الحكم والتنمية في الشرق الأوسط بارزة بشكل متزايد ، واقترحت العديد من الدول وضع خطط للإصلاح والتنمية..
في ظل هذه العملية، تتوسع أيضًا مصالح الشرق الأوسط ، الأمر الذي سيجلب المزيد من الحيوية للتطور السياسي في المنطقة. وهو أيضا مايمثل ميزة جديدة لتطورات الوضع في الشرق الأوسط خلال الوقت الحالي واتجاه التنمية المستقبلية.
بالطبع، لم تتم معالجة القضايا العالقة بين المملكة العربية السعودية وإيران، والصراع الطائفي، وحرب اليمن ، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقضايا أخرى في الشرق الأوسط، وهو ماسيكبح ظهور قضايا جديدة في المنطقة. لكن يمكن القول أن قضايا التنمية الملحّة قد غطّت على القضايا التقليدية. وتهميش القضية الفلسطينية، يعد دليلا على هذا الإتجاه.
بات المزيد المزيد والمزيد من الأشخاص العارفين بالوضع، على قناعة بأن حل القضايا الساخنة في الشرق الأوسط ، بما في ذلك القضية الفلسطينية، يتطلب طريقة تفكير جديدة. ولاشك أنه مع تحول قضايا التنمية إلى الخطاب الرئيسي في المنطقة، سيولّد طرق جديدة في التفكير، وهذه الطرق الجديدة ستسهم في معالجة القضايا القديمة. .