بقلم/ عماد الأزرق
القاهرة 18 أكتوبر 2018 /تحظى العلاقات الصينية - المصرية بدعم قوي من قيادتي البلدين مما أدى لتنامي العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، ومنحتها قوة دفع غير مسبوقة.
وتحرص القيادتين السياسيتين في مصر والصين على تبادل الزيارات فيما بينهما، لتوحيد الرؤى والمواقف حيال القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وكذلك تعزيز العلاقات الثنائية بينهما بما يحقق المصالح المشتركة.
وتشهد العلاقات بين بكين والقاهرة تطورا غير مسبوق في العلاقات التاريخية بين البلدين، مدعوما بتوجهات القيادتين السياسيتين.
وأكد الرئيس شي جين بينغ خلال لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ببكين في أوائل سبتمبر الماضي، تصميم الصين على مواصلة دعم مصر في جهودها الرامية إلى تنمية الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة الشعب.
وفي السنوات الأخيرة تم رفع مستوى العلاقات الصينية - المصرية إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بفضل الدعم القوي لقيادتي البلدين.
وزار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي العاصمة بكين أوائل سبتمبر الماضي، برفقة وفد رفيع المستوى من الوزراء والمسئولين، لحضور قمة منتدى التعاون الصيني - الأفريقي، وهي تعد زيارة السيسي الخامسة للصين منذ توليه الحكم في منتصف 2014.
ومن ناحية أخرى، حينما قام الرئيس شي جين بينغ بجولة إقليمية في الشرق الأوسط أوائل العام 2016، والتي شملت كلا من السعودية ومصر وإيران بالترتيب، فقد اختار مصر لتكون منبرا لخطابه الهام للأمة العربية من مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة.
وترى الدكتورة نادية حلمي استاذ العلوم السياسية بجامعة بني سويف والخبيرة بالشئون الصينية، أن قوة العلاقات والزيارات المتبادلة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس شي جين بينغ أدت إلى ترجمة اتفاقية رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة على أرض الواقع، بما يصب في مصلحة الطرفين.
وقالت حلمي لوكالة أنباء (شينخوا) إن العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين قد تطورت بشكل كبير إثر زيارات السيسي إلى الصين، خاصة وأن تلك الزيارات تمخضت عنها اتفاقيات في التعاون الاقتصادي والفني بين الطرفين.
وأشارت إلى أنه من أبرز تلك الاتفاقيات، اتفاقية دعم المشروعات التنموية في منطقة قناة السويس، فضلا عن مشروع القطار الكهربائي لربط العاصمة الإدارية الجديدة بمدينة السلام والعاشر من رمضان وبلبيس، ومشروع القمر الصناعي المصري.
ونوهت إلى أنه في يناير 2016 وخلال زيارة الرئيس شي جين بينغ للقاهرة شهد الرئيسان التوقيع على حوالي 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين بهدف رفع مستوى العلاقة بينهما.
وأوضحت أن هذا الزخم في العلاقات على مستوى القمة أسفر عن زيادة الاستثمارات الصينية في مصر، حيث بلغ عدد الشركات الصينية العاملة في مصر نحو 1558 شركة.
وأكدت الدكتورة نادية حلمي على أنه "لم يكن كل ذلك ليتأتي لولا الزيارات المتبادلة لزعيمي البلدين والثقة الكبيرة بينهما، مما شكل دعما وانطلاقة للتعاون الاقتصادي والتجاري والمالي والمصرفي بين البلدين".
وبحسب ممثل مكتب بنك التنمية الصيني بالقاهرة شيوي يوان كون، فهناك على الأقل 123 من كبرى الشركات الصينية لديها عضوية غرفة التجارة الصينية بمصر منذ إنشاء الغرفة في عام 2004، وباجمالي استثمارات وصلت إلى 6.2 مليار دولار حتى الآن.
وتعمل الشركة الصينية العامة الهندسية الانشائية (CSCEC) حاليا على مشروع بناء منطقة الأعمال بالعاصمة الادارية الجديدة، شرق القاهرة، ويعد هذا المشروع الأضخم الذي تنفذه شركة صينية في مصر.
كما يقوم التحالف الصيني المكون من شركتي (AVIC) الدولية القابضة والشركة الصينية لانشاء السكك الحديدية المحدودة، بتنفيذ مشروع القطار السريع الذي سوف يربط العاصمة الادارية الجديدة بالمدن الجديدة الأخرى حول القاهرة.
ويدخل العديد من الشركات الصينية الأخرى مع مصر في شراكات بمجالات الطاقة وانتاج الكهرباء والمزارع السمكية والتطوير الصناعي وغيرها.
ومن جانبه، أكد السفير محمود علام سفير مصر السابق ببكين، أن العلاقات بين البلدين شهدت في السنوات الأخيرة طفرة نوعية كبيرة من خلال رفع مستوى العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهو ما انعكس في الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين.
وقال علام لوكالة أنباء (شينخوا) إن "بكين تحرص على التشاور مع القاهرة ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية، وانما في كافة القضايا الاقليمية والعالمية، حيث يوجد تنسيق دائم بين الدبلوماسية الصينية والمصرية في المحافل الدولية".
واشار إلى وقوف الصين إلى جانب مصر في عام 2011، لافتا إلى أنها احترمت خيارات الشعب المصري ودعمتها في 30 يونيو 2013.
ولفت إلى أن الصين أدركت أن مصر كانت تمر بمرحلة انتقالية هامة، وأنها تدرك دائما أن استقرار مصر وصمودها شئ مهم ليس فقط كشريك رئيسي للصين، وإنما أيضا كفاعل ولاعب مهم في منطقة الشرق الأوسط.
وتابع علام قائلا "الصين حرصت على دعم الاقتصاد المصري وترجمة العلاقة الاستراتيجية الشاملة في نواحي كثيرة منها التوصل إلى اتفاق دعم القدرات الانتاجية في مصر، وتوجيه الشركات الصينية للاستثمار في مصر، والتعاون المالي بين البنوك المركزية في البلدين والاتفاق على أن يتم جزء من التبادل بالعملة المحلية".
وشدد السفير المصري على أن ما شهده العام الأخير من اتفاقيات للتعاون في مختلف المجالات والمشروعات خاصة في البنية الاساسية والطاقة والمزارع السمكية، وزيادة مساحة المنطقة الاقتصادية الصينية بقناة السويس، يؤكد تنامي العلاقات بين البلدين.
وفي منطقة العين السخنة بمحافظة السويس، شرق القاهرة، تقوم شركة (تيدا) الصينية للاستثمارات حاليا بتطوير 7.23 كم مربع بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث أنهت المرحلة الأولى المكونة من 1.25 كم مربع في عامين، وتعمل حاليا بالمرحلة الثانية والتي تستهدف تطوير حوالي 6 كم مربع.
واجتذبت منطقة تيدا الصناعية العديد من المشروعات والشركات الصينية للاستثمار بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، منها شركة جوشي الصينية الرائدة في صناعة الألياف الزجاجية، والتي ساعدت مصر على أن تصبح من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للألياف الزجاجية في العالم خلال العامين الماضيين.
وفي المجال المصرفي قام بنك التنمية الصيني في أوائل سبتمبر الماضي بتوقيع اتفاقية قرض بقيمة 600 مليون دولار للبنك الأهلي المصري، بهدف تعزيز احتياطي النقد الأجنبي لدى مصر ودعم قطاع الصناعة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وقد قام بنك التنمية الصيني في وقت سابق بتقديم قروض لمؤسسات مالية كبرى منها بنك SAIB وبنك مصر.
وتعتبر مصر أحد الدول المحورية في مبادرة الحزام والطريق، التي اقترحتها الصين، المعروفة رسميا باسم الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ 21، والتي تهدف إلى بناء شبكة من التجارة والبنى التحتية تربط آسيا بأفريقيا وأوروبا على طول مسارات التجارة القديمة لطريق الحرير.
وتعد قناة السويس محور ارتكاز في الطريق البحري للمبادرة حيث تربط من خلال موقعها الاستراتيجي قارات العالم القديم الثلاث.
يقول السفير المصري السابق ببكين، "إن الصين ترى في مصر شريكا رئيسيا في مبادرة الحزام والطريق، وذلك من خلال موقعها الاستراتيجي ووجود قناة السويس على أرضها، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي تحتضن المنطقة الاقتصادية الصينية".
وشدد علام على أن ذلك من شأنه أن يحقق مصلحة الجانبين التي تقوم على مبدأ الكسب المشترك للطرفين، وهو ما يمثل أساسا وثيقا في علاقات الصين الخارجية.