أورومتشي 14 أكتوبر 2018 /قبل أكثر من 30 عاما، عانت آقسو جنوبي منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم بشمال غربي الصين من تآكل التربة نتيجة قربها من صحراء تاكلماكان. ولكن الآن، وبعدما كانت تواجه مصير التصحر، أصبحت بستانا تزرع فيه أشجار الفاكهة بمختلف أنواعها، ومن بينها التفاح والعنب والعناب والجوز وغيرها.
-- مشروع كوكيار للتخضير
لا بد أن تبدأ القصة من كوكيار، الواقعة في الضاحية الشمالية الشرقية لمدينة آقسو، حيث كانت أرضا بورا بسبب نقص المياه وارتفاع درجة ملوحة أراضيها، وأيضا مصدرا للرمال في فترة هبوب الرياح الموسمية، رغم أن كلمة كوكيار تعني بلغة الويغور الجرف الأخضر، ما جعل الغبار الرملي الأصفر طافيا في هواء المدينة، بل وقد يزداد عدد أيام امتلاء الجو بالغبار الرملي في المدينة، سنويا بواقع أكثر من 100 يوم.
وقال المواطن تشنغ فو تشيوان، الذي ولد وترعرع في مدينة آقسو، إنه عندما كانت تهب الرياح الرملية، خاصة في فصلي الربيع والخريف، يبدو الغبار الرملي كما لو كان جدارا أمام الناس، ولا يستطيع أحد رؤية السماء والشمس، ويضطر الجميع إلى إنارة المصابيح حتى في النهار. أما طرق المدينة، فيغطيها الغبار الناعم الذي تغوص فيه القدم عندما تطأه، وفي بعض الأماكن قد تغوص فيه الساق كلها.
والأخطر من ذلك، أن صحراء تاكلماكان تبعد ستة كيلومترات فقط عن المدينة، وأخذت تزحف إليها بسرعة خمسة أمتار سنويا، ما جعل حكومة المدينة آنذاك تعقد العزم على زراعة الأشجار لمنع تقدم الصحراء، وتحسين بيئة المدينة.
ففي عام 1986، بدأ تشغيل مشروع كوكيار للتخضير وعملية زراعة الأشجار.
وذاعت على لسان مواطني مدينة آقسو جملة "أزرع الأشجار كل سنة، وأزرع الأشجار كل سنة في نفس المكان"، ويقصد بها أن الأشجار لا يمكنها أن تنمو على أراضي كوكيار. فحسب السجلات التاريخية المحلية، حاولت الحكومة في نهاية حكم أسرة تشينغ، وكذلك حكومة الكومينتانغ، زراعة الأشجار في كوكيار، ولكن محاولاتهما باءت بالفشل.
وعندما استعرض إمام مهمهت، أول مدير لمحطة إدارة الغابات بكوكيار، حالة الأرض في كوكيار قبل أكثر من 30 عاما، قال إنه لم يكن في الإمكان آنذاك زراعة الأشجار على أراضي كوكيار من الناحية الفنية، لأن معدل درجة ملوحة تلك الأراضي بلغت 2.87 في المائة، ووصلت أعلى درجة لها إلى 5.85%، في الوقت الذي لا بد أن تقل النسبة المناسبة لزراعة الأشجار عن واحد في المائة. والأكثر من ذلك، أن المياه لم تكن متوفرة هنا.
وبمجرد أن علم أمين لجنة الحزب الشيوعي بمنطقة آقسو آنذاك، شيه فو بينغ، بالصعوبات التي تقف حائلا أمام زراعة الأشجار، خطرت في ذهنه فكرة شق قناة على طول منطقة كوكيار، لتحويل المياه من قناة محافظة مجاورة. وبدأ 250 عاملا يعملون على حفر القناة وسط هبوب الرياح المحملة بالأتربة ونقصان المياه. فتشققت شفاههم ونزفت أنوفهم، ولكنهم استمروا في عملهم حتى تم الانتهاء بعد أربعة أشهر من شق القناة التي بلغ طولها 16 كيلومترا.
وفي نفس الوقت، بدأت مجموعة أخرى من الناس في تسوية الأراضي في كوكيار، التي كانت مليئة بخنادق يبلغ عمق بعضها أكثر من عشرة أمتار، في الوقت الذي تتصف فيه التربة بأنها صلبة للغاية حتى أنه لا يمكن جرف مجرفة واحدة منها. ولهذا، كان لا بد من الاستعانة بمتفجرات.
وما زال تشنغ فو تشيوان، الذي شارك في عملية تسوية الأراضي وزراعة الأشجار، يتذكر تلك الأيام، فقال: هناك عربات تسير ذهابا وإيابا، وأصوات المتفجرات تتعالى، والناس يلوحون بالمجارف للأعلى والأسفل. وقد جاءت إلى الميدان فئات مختلفة من مواطني المدينة، من الموظفين والطلاب والعمال، رجالا ونساء، ومسنين وأطفالا - لزراعة الأشجار. وبجهود الجميع، تمت زراعة حزام من أشجار الحور على جانبي القناة بطول 16.8 كيلومترا وعرض 100 متر.
وأضاف إمام مهمهت أنه "بعد زراعة الأشجار، حملنا على عاتقنا مسؤولية إدارتها وإروائها"، مشيرا إلى أن "الشيء الأهم كان تحويل المياه لتصل إلى جميع الأشجار. ومن أجل خفض ملوحة الأرض وضمان رطوبة الأراضي، لا بد من تحويل المياه ليلا ونهارا".
وعمل في محطة إدارة الغابات بكوكيار، التي تأسست بعد زراعة الأشجار فيها، 33 عاملا، جميعهم شاركوا في عملية ريّ الأشجار. وتذكر سونغ جيان جيانغ، وهو من أوائل العمال في المحطة، أنه مع ذوبان الثلوج على الجبال، كانت المياه تجري في القناة، والعمال يشرعون في تحويل المياه إلى الأشجار.
وأضاف قائلا "ولكن بسبب سرعة جريان المياه، كانت تصب في بعض الأحيان في أماكن غير مشجرة، ولم يكن هناك وقت أمام العمال ليأخذوا مجارفهم لمنع جريان المياه، لذلك، استخدموا أجسادهم لتحويل مجرى المياه. وعندما تذكر ذلك المشهد، قال سونغ، إن طقس فبراير ومارس في شينجيانغ بارد جدا، لكن لا أحد يأبه بذلك، وما ركزوا عليه هو ضمان أن تسير المياه في المكان المحدد لري الأشجار. وقد عانى الكثير من زملائه آنذاك من التهام المفاصل بسبب برودة الطقس.
وقال سونغ بفخر "ولكن عندما رأوا الأشجار وقد نمت من قطر بحجم إصبع السبابة إلى أشجار أكبرها يصل قطره إلى 70 سنتيمترا وأصغرها 20 سنتيمترا، شعروا بسعادة غامرة"، مضيفا أن زراعة أشجار الحور القادرة على صد الرياح الشديدة في كوكيار القاحلة هو أكثر شيء يجعله يشعر بالفخر في حياته.
ووصلت نسبة بقاء وحياة الأشجار في السنة الأولى من زراعتها إلى 87.5% ، ما زاد الثقة في نفوس العمال والمدنيين. وبعد ذلك، شارك المواطنون في فصلي الربيع والخريف تلقائيا في زراعة الأشجار بالمنطقة. وأشار سونغ وي، نائب مدير مصلحة الغابات لمنطقة آقسو، إلى أنه خلال أربعة مشاريع لتخضير كوكيار من عام 1986 إلى عام 2015، شارك في عملية زراعة الأشجار 3.40 مليون شخص، وتمت زراعة أشجار على مساحة تصل إلى حوالي 770 كيلومترا مربعا.
-- زراعة أشجار الفاكهة
قال أمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني في آقسو، دو وان قوي "إن زراعة الأشجار في صحراء غوبي، أمر مكلف"، مضيفا "وخاصة تكلفة إدارتها، فهي باهظة جدا. لذلك، يعد الاعتماد على الميزانية الوطنية أو المحلية، أمرا غير واقعي. فجرّبت حكومة آقسو تشجيع المواطنين على زراعة أشجار الفاكهة لكي يستفيد المواطنون من ثمار الأشجار بينما تلعب الأشجار دورا في حماية المدينة".
فبدأت الحكومة الاستثمار في زراعة أشجار الفاكهة بين أشجار الحور، وتشجيع الفلاحين على المقاولة الخاصة بالبساتين بانتهاج أفضل السياسات لتجعلهم يقومون على إدارتها ويستفيدون من مبيعات ثمارها.
كان تشاو وو تشونغ، أحد المستفيدين من المقاولة الخاصة بالبساتين، وجاء إلى آقسو عام 2000، حيث قدمت له الحكومة مجانا بستانا ليزرع فيه الجوز على مساحة 24 ألف متر مربع، كما قدمت له بين الحين والآخر، دورات تدريبية حول زراعة الجوز.
جاء تشاو من مقاطعة سيتشوان جنوب غربي الصين، ولم يكن له مصدر دخل في مسقط رأسه، لكنه أصبح الآن صاحبا لهذا البستان. ويمكن أن يجني حوالي 10.8 ألف كيلوغرام من ثمار الجوز سنويا. وبعد 18 عاما، واعتمادا على البستان، استطاع تشاو أن يلحق ابنيه بالدراسة الجامعية، كما اشترى شقة في المدينة.
وقال تشاو "الأمر في البداية كان صعبا، لأن أشجار الفاكهة لا يمكن أن تطرح ثمارا إلا بعد عدة سنوات من زراعتها. ولا بد أن يعمل هو وزوجته في مكان آخر لكسب الرزق في السنوات الأولى من زراعة المنطقة التي تعهد بها. وفي ذلك الوقت، لم تكن أشجار الحور حول البستان قد كبرت، وبالتالي كانت قدرتها على صد الرياح ضعيفة جدا. وفي ربيع عام 2002، هبت الرياح وتراوحت قوتها بين 7 و8 درجات، وأزالت الرياح لحاء أشجار الجوز الصغيرة. قال تشاو " لقد كدت أتخلى عن هذا البستان لو لا مساعدة صديقي المحلي".
وصمد تشاو كما صمدت أشجار الفاكهة. وحسب إحصاءات مصلحة الغابات في منطقة آقسو، حققت المنطقة في عام 2016 أرباحا من إنتاج ثمار الأشجار بلغت قيمتها 12.3 مليار يوان (1.78 مليار دولار تقريبا)، وأصبحت هذه الصناعة دعامة هامة في المنطقة. ويمثل دخل الفلاحين من ثمار الأشجار في منطقة آقسو 47.8 في المائة من صافي دخلهم.
وما زالت حركة زراعة الأشجار مستمرة في منطقة آقسو. فمنذ عام 2015، بدأت المنطقة في إجراء مشروعين آخرين لإدارة البيئة، حيث من المقرر أن يتم تخضير أراضي بطول 1550 كيلومترا خلال السنوات الخمس القادمة.
حاليا، عندما ينظر المرء من الطائرة على مدينة آقسو، تبدو الأراضي شبكة خضراء كبرى تحمي المدينة وأهلها.