طرابلس 7 أغسطس 2018 / تحاصر الأزمات شريحة كبيرة من الليبيين في ظل تراجع مستوى الخدمات الحكومية المقدمة لهم، ويعد المصابون بأمراض مزمنة على غرار أمراض (القلب والسرطان والسكري)، من أكثر الفئات التي تواجه مخاطر ومعاناة تتفاقم، مع استمرار انعدام الدواء داخل المستشفيات الحكومية، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وهو ما يعرضهم للموت نتيجة غياب الخدمات الطبية والإهمال ونقص الخدمات.
ابتسام الشريف (58 عاما) مصابة بمرضي السكري والقلب، تواجه مشاكل كبيرة على مستوى توفير الأدوية التي تبقيها بعيدة عن الموت، ومعاناتها مضاعفة كونها من الطبقة الفقيرة، التي لا تملك ثمن شراء العلاج الخاص بها من الصيدليات، وتتنقل بين المستشفيات الحكومية بحثا عن أقراص دواء القلب أو حقن (الأنسولين) الذي يجعل مستوى السكر لديها مستقراً.
تروي ابتسام ربة بيت منفصلة عن زوجها منذ سنوات، وتعيل ثلاثة أولاد أكبرهم عمره 18 عاما، قصتها " لقد وصلت إلى مرحلة الانتحار نتيجة غياب علاجي في المستشفيات والمراكز الصحية، طوال الأسبوع اتنقل من مستشفى لآخر بحثا عن دوائي (...)، لقد قطعت قبل أسبوع مسافة (200 كلم) نحو مدينة مصراتة ، بعدما ساعدتني صديقة لي بالحصول على جرعة دواء الأنسولين تكفيني لشهر واحد فقط".
وأضافت ابتسام، في حديثها لوكالة أنباء ((شينخوا))، وملامح الإرهاق بادية على وجهها "لا أملك المال الكافي للعلاج، وبالكاد أدفعه لتأمين الطعام لي ولأولادي، خاصة وليس لدينا رب أسرة يتكفل بالمصاريف اليومية (...)، أشعر بأني أموت ببطء وألم يحاصر جسدي أشعر به يومياً".
قصة مشابهة لحجم المعاناة لشريحة المصابين بالأمراض المزمنة، تتجسد لدى عبد الرحيم ص، والذي امتنع عن ذكر اسمه كاملاً مكتفيا بالأول، قائلاً "لدي مرض الفشل الكلوي وأقوم بالغسيل مرتين أسبوعياً، كما لدي إصابة بمرض السكري، وحالتي النفسية مدمرة بفعل نقص الدواء وعدم توفر الغسيل الكلوي بشكل مستمر".
ومضى عبد الرحيم (34 عاما) في قوله "لقد سافرت وتنقلت مع أخي الأصغر من مدينة إلى أخرى غرب البلاد، أبحث عن مستشفى يستقبلني للغسيل لكن فشلت، إما بسبب غياب مواد التشغيل أو انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وعدم قدرة المستشفى على تشغيل المعدات".
وأشار إلى حصول موقف كبير أثر كثيراً على نفسيته، عندما فقد جزء من قدمه اليسرى، نتيجة بتر الأطباء له، بسبب عدم استمرار حصوله على دواء السكري.
وتحدث وهو في حالة من الحزن الشديد، "لقد قاموا ببتر جزء من قدمي اليسرى، بعدما تعرضت للالتهاب الشديد حتى وصلت لدرجة لا أشعر بها، بسبب غياب الدواء بشكل مستمر وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وحالة قدمي لا تحتمل المكوث في غرفة لا يوجد بها جهاز تبريد لدرجة حرارة معينة (...)، هنا بكل صراحة قلت لأسرتي أتمنى الموت على الاستمرار العيش بهذه الطريقة".
وتعاني ليبيا من مشاكل كبيرة على مستوى توفير الكهرباء خاصة خلال فصل الصيف، حيث تتعرض مدن عديدة بما فيها العاصمة طرابلس، إلى انقطاع للكهرباء لساعات طويلة تتجاوز 10 ساعات في اليوم الواحد.
ويتخطى العجز في توليد الطاقة الكهربائية 2000 ميغاوات يوميا، بينما لا يتجاوز الإنتاج الحالي للكهرباء 5.5 الف ميغاوات يوميا، بحسب الشركة العامة للكهرباء في ليبيا.
وغادرت معظم الشركات الأجنبية ليبيا بسبب التدهور الأمني عقب الإطاحة بنظام معمر القذافي العام 2011، حيث توقفت معظم المشروعات التنموية في مجالات الكهرباء والمياه والإسكان.
بالانتقال إلى المستشفيات الحكومية في ليبيا، فإنها تواجه صعوبات كبيرة على مستوى التشغيل وتوفير الأدوية، ما يجعلها تعمل بأقل من نصف إمكانياتها، وهو ما يجعلها تحت الضغط، نتيجة لعدم قدرتها على استيعاب الأعداد الضخمة للمصابين بالأمراض المزمنة.
وأكد الدكتور خيري الأغا استشاري أمراض السكر، أن المستشفيات الحكومية تواجه صعوبات لم تمر عليها منذ قيام الدولة الليبية القرن الماضي، وهو أمر يهدد الأمن القومي في ليبيا، ويجعل شريحة واسعة من المواطنين امام ارتفاع معدلات الوفيات نتيجة لغياب الدواء والرعاية الصحية اللازمة.
وقال الأغا "المصابون بأمراض مزمنة خاصة السكري، يواجهون مشاكل إما لعدم قدرتهم على تحمل تكلفة العلاج بالمصحات الخاصة، في ظل غياب الجرعات الكافية للدواء في المستشفى الحكومي، وندرة التحاليل الطبية لمتابعة حالتهم المرضية".
وأشار إلى أن الأمراض المزمنة ادويتها غالية جدا ولا يمكن للمواطن البسيط تحملها، وهي في معظم دول العالم يتم دعمها حكومياً.
وتابع "في ظل الفوضى وعدم السيطرة على الحدود، انتشرت ظاهرة الدواء المغشوش في السوق، حيث يتجه العديد من المرضى للحصول عليه على الرغم من معرفة كثير منهم بخطره على صحتهم، لكن لا سبيل امام نقص حاد في الأدوية (...)، كثير من الأدوية المغشوشة لا تحمل جودة كافية أو صلاحية منتهية، وبالتالي يتحول المريض نحو إصابته بأمراض جديدة تزيد معاناته اليومية".
ونبه الاستشاري الليبي، إلى تسبب انقطاع الكهرباء في عطل الأجهزة الخاصة بالغسيل الكلوي، أو حتى تلف بعض الأدوية التي تحتاج إلى درجة حرارة معينة لحفظها، وهو أمر ينبغي معالجته سريعاً حتى لا تتعرض ما تبقى من المنظومة الصحية للبلاد للانهيار الكلي.