بكين 22 يونيو 2018 / بعد غد...تنطلق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا حيث كان من المقرر في الأصل إقامة هذا الحدث السياسي الهام - الأول من نوعه بعد الاستفتاء الدستوري - في العام المقبل 2019 ولكن تم تقديم موعده إلى 24 يونيو الجاري. والهدف من هذا القرار كما أعلن تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الذي رشح الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لرئاسة جديدة هو معالجة المشكلات السياسية والاقتصادية في تركيا بشكل أفضل ولاسيما فيما يتعلق بإصلاح وإعادة بناء النظام السياسي ورفع كفاءة الجيش التركي في مكافحة الإرهاب.
وتسود قراءات ورؤى مختلفة لهذه الانتخابات التي يرى المحللون الصينيون، عند أخذ عدة سيناريوهات بعين الاعتبار ، أن احتمالية فوز أردوغان فيها أكبر من منافسيه وأن الرئيس المقبل لتركيا سيواجه في الواقع تحديات عديدة وصعبة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
-- أردوغان ومنافسوه
يخوض الانتخابات الرئاسية التركية 7 مرشحين مع بروز ثلاثة تحالفات رئيسية على ساحة التنافس وهي "تحالف الشعب" الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية, و"تحالف الأمة" المعارض المكون من حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب السعادة، وتحالف يقوده حزب الشعوب الديمقراطي.
وارتكازا على النمو الذي سجله الاقتصاد التركي في العام الماضي وعملية تحويل النظام السياسي التي حققها أردوغان، يرى ما جون تشي الباحث المساعد في معهد الدراسات الأوروبية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن الرئيس التركي الحالي يحظى بمميزات أكبر مقارنة بمنافسيه.
وشرح رؤيته قائلا إن أردوغان ، الذي يعد أيضا رئيس حزب العدالة والتنمية، استعد عموما بشكل أفضل للانتخابات، إذ اتفق مع رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي في فبراير 2018 على تشكيل "تحالف الشعب" لخوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة سويا، واختير أردوغان كمرشح وحيد للتحالف. أما من جانب المعارضة، فصار الوقت ضيقا أمامها في ظل تقديم موعد الانتخابات وباتت تواجه تحديات لتوحيد صفوفها والتعاضد في حلقات الاستعداد والتحضير بدءا من وضع إستراتيجية موحدة عاجلة وترشيح شخص يتمتع بقدر كاف من القدرة التنافسية أمام الرئيس الحالي وصولا إلى تكثيف الحملات الانتخابية، وهذا ما يمنح أردوغان فرص أكبر للفوز في هذا السباق.
ولكن الانتصار ليس محسوما بشكل كامل، حيث تظهر استطلاعات رأي مختلفة جرت مؤخرا تفوق أردوغان وتحالفه بشكل عام لكنها تبين أن شعبيته التي لا تزال دون 50 في المائة لا تكفي لضمان فوزه في الجولة الأولى. ويأتي هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه شعبية منافسه الرئيسي محرم إينجه من حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي إذا ما نجح في الانتقال إلى الجولة الثانية، فسيصبح في إمكانه كسب بعض أصوات المعارضين لأردوغان والأكراد وكذا السوريين الحاصلين على الجنسية التركية الذين يخشون طردهم من البلاد بعد الانتخابات.
-- تحديات داخلية أمام الرئيس الجديد
أشار الباحث ما جون تشي إلى أن الانتخابات تعد صورة مصغرة لحالة الاستقطاب السياسي داخل تركيا وتقف وراء ذلك التنافس الأيديولوجي السياسي، وهو ما يشكل أكبر التحديات أمام الرئيس الجديد.
وعند الرجوع إلى استفتاء عام 2017، نجد أن حوالي 49 في المائة من الناخبين أيدوا الإبقاء على النظام البرلماني، وهو ما أظهر جليا أن قاعدة التأييد الشعبي الأساسية للإصلاح الرئاسي الذي بادر به أردوغان ليست كبيرة، لدرجة أن أردوغان اعترف بنفسه أنه من الصعوبة بمكان كسب تأييد هذا القطاع من الناخبين. لذلك، يرى ما جون تشي أن الانتخابات العامة القادمة تأتي في سياق لعبة بين قوى سياسية متعددة الأقطاب في تركيا بما فيها القوى الإسلامية والقومية وغيرها من القوى السياسية اليمينية والأحزاب السياسية اليسارية، عنوانها "الاستقطاب الحاد في قلب المجتمع التركي".
أما على صعيد الاقتصاد، فرغم نموه بنسبة 7.4 في المائة على نحو تجاوز نظيريه الألماني والفرنسي ونال إعجاب وإشادة المراقبين، إلا أن مخاطر التضخم والبطالة - اللذان تجاوزت نسبة كل منهما 10 في المائة - مازالت تشكل مصدر قلق، هكذا قال سون ده قنغ نائب مدير معهد الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، مسلطا الضوء أيضا على التراجع الحاد في قيمة الليرة التركية وبلوغها أدنى مستوياتها مع اقتراب الانتخابات في ظل المخاوف التجارية ووسط انخفاض مستمر في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي منذ يناير الماضي.
ونوه المراقبون إلى تحديات داخلية أخرى على الرئيس الجديد التعامل معها ومنها خروج رأس المال الأجنبي وحجم الديون الأجنبية الضخم وعجز الحساب الجاري السنوي، قائلين إن الاتجاه العام للاقتصاد التركي وآفاقه المستقبلية غير واضحة ومن المرجح أن يعترض طريقه مشكلات عدة، حيث تواجه ميزانية تركيا لعام 2018 عجزا محتملا قدره 17 مليار دولار أمريكي فيما انخفض معدل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا بنسبة 17 في المائة جراء التوترات الجيوسياسية والمشكلات المتعلقة بالسياسات الداخلية.
-- دبلوماسية الرئيس المقبل تجاه المنطقة أمام اختبار حقيقي
يرى المحللون أنه رغم أداء أردوغان القوي على الصعيد السياسي داخل البلاد وخارجها، إلا أن حالة من عدم اليقين شابت علاقات تركيا مع الدول الرئيسية في المنطقة وتشير التوقعات إلى أن هذه التحديات المتعلقة بالسياسة الخارجية والدبلوماسية ستظل قائمة ومتروكة لولاية الرئيس المقبل.
وأشار الباحث ما جون تشي إلى أن القمة بين تركيا والاتحاد الأوربي التي عقدت في مارس هذا العام لم تنجح في الواقع في إحداث تقارب في العلاقات الثنائية وبذلك يظل أمام تركيا طريق طويل عليها أن تقطعه قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لافتا من ناحية أخرى إلى أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن التي تعد أهم العلاقات سياسيا وتجاريا بالنسبة للأولى، لم تخرج بعد من عنق الزجاجة بسبب ملفات عديدة أبرزها سوريا والأكراد.
وشاطره الرأى قوه تشانغ قانغ مدير مركز البحوث التركية بجامعة شانغهاي، حيث عزا توتر العلاقات التركية - الأمريكية جزئيا إلى العملية العسكرية التركية في مدينة عفرين السورية ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وهي عملية ترى الولايات المتحدة أنها مست مصالحها وتعارضت إلى حد ما مع موقفها.
إلى جانب ذلك، دخلت تركيا تحت قيادة أردوغان في مواجهات مختلفة مع الولايات المتحدة حول قضايا أخرى مؤخرا مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والقضايا المتعلقة بإيران وأبرزها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، بل وباتت أنقرة تلعب الآن دورا ملحوظا في أزمة الخليج الدبلوماسية مع مشاركتها في إنقاذ قطر من عزلتها في مواجهة مقاطعة عربية من جانب السعودية والإمارات ومصر، وهي ثلاث دول من أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
وأشار قوه إلى أن تركيا تمر حاليا بمأزق، فإذا ما تفاقمت العلاقات التركية- الأمريكية إلى أقصى حد وعجزت تركيا عن توطيد علاقاتها مع لاعبين دوليين آخرين في الشرق الأوسط، فمن المتوقع أن يفقد أردوغان أو أي فائز في الانتخابات الرصيد السياسي لبلاده في المنطقة لتواجه بذلك دبلوماسيته تجاه هذه البقعة الساخنة من العالم اختبارا حقيقيا.