لقد أثارت الرسوم الجمركية المثيرة للجدل التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرا على واردات دول ومناطق من بينها الصين وأوروبا، أثارت انتباه المراقبين الدوليين.
فرغم أن واشنطن تزعم بأن هذه الرسوم الجمركية الإضافية يقصد بها حماية "الأمن القومي"، إلا أن الخبراء الدوليين يعتقدون أن هذه الخطوة الحمائية الأمريكية لا تعمل سوى على تقويض النظام التجاري العالمي والتنمية.
ففي يوم الجمعة، أعلنت الولايات المتحدة عن رسوم جمركية إضافية نسبتها 25 في المائة على واردات صينية تصل قيمتها إلى قرابة 50 مليار دولار أمريكي. وردا على هذا، قررت الصين فرض رسوم إضافية نسبتها 25 في المائة على منتجات أمريكية بنفس القيمة.
وقال ويلسون لي فلوريس المحلل وكاتب العمود بصحيفة ((فلبين ستار)) إن الرسوم الجمركية الإضافية الأمريكية أحادية الجانب هي عمل أناني ضيق الأفق وغير مسؤل لا يعمل سوى على زعزعة الاستقرار وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي والتنمية لأن العلاقات التجارية الصينية - الأمريكية تعد أكبر العلاقات الثنائية في العالم.
ومن جانبه، ذكر سوبهوموي بهاتاتشارجي المستشار بنظام البحوث والمعلومات المعنية بالدول النامية ومقره دلهي في الهند أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "يخلق حربا تجارية. وإن أي حرب تجارية حسب تعريفها تحد من ازدهار الاقتصاد العالمي".
ولفت بهاتاتشارجي إلى أن الصين يمكنها أيضا خلق "عقبات أمام الاستثمار الأمريكي وزيادة التكاليف على جميع المستويات".
ونقلت صحيفة ((الغارديان)) البريطانية عن مؤسسة الاستشارات البريطانية أوكسفورد إيكونوميكس قولها إن الرسوم الجمركية جاءت "في توقيت سيء بالنسبة للاقتصاد العالمي".
وترى أوكسفورد إيكونوميكس أن الأثر الاقتصادي للخلاف على المدى القصير من المرجح أن يكون متواضعا، حيث سيخفض من النمو بواقع جزء من المائة في كل من الصين والولايات المتحدة. ولكنها أشارت بقولها "ومع ذلك، لا تزال هذه الأرقام مهمة، إذ أن تزايد حالة عدم اليقين والمخاطر سيؤثر على ثقة قطاع الأعمال والاستثمارات، وخاصة الاستثمار عبر الحدود. وبالتالي، سيكون هناك تأثير على النمو في الصين والولايات المتحدة وأماكن أخرى في وقت حساس بالنسبة للاقتصاد العالمي".
وبدوره، ذكر دانييل هابر رئيس مؤسسة (فرانس باسيفيك كونسالتانت) والمستشار السابق لوزير التجارة الخارجية الفرنسي أن موقف الولايات المتحدة يبدو غير عقلاني ومتعارض مع الالتزامات والمعاهدات السابقة.
وقال هابر إن الحرب التجارية التي يطلقها ترامب ستكون حربا عالمية، وربما سيكون لجميع الدول رد فعل انتقامي، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت لتقوم بذلك.
أما أليسيا أميجيني المدير المشارك لمؤسسة (آسيا سينتر) والزميل بمعهد دراسة السياسات الدولية في إيطاليا، فذكرت أن التأثيرات الرئيسية والأكبر للرسوم الجمركية الأمريكية ستكون سلبية للغاية، مشيرة إلى أن "هناك اعتمادية تبادلية اقتصادية كبيرة بين الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة وهذا سيجعل التجارة أكثر غلاء والنمو الاقتصادي متباطئا في الدول المعنية".
وأضافت "أقول إنها خسارة صافية لأوروبا...فهي بوجه عام سيئة بالنسبة لأوروبا وثمة اعتقاد بأن أوروبا قد تكون هدفا ثانويا بهذا الإجراء. وربما تكون نية الولايات المتحدة هي إضعاف التجارة بالنسبة لأوروبا وكذا الصين".
وقال فابيو ماسيمو بارنتي الأستاذ المشارك المتخصص في الدراسات الدولية بمعهد لورينزو دي ميديشي في مدينة فلورنسا الإيطالية إن تقلب موقف الولايات المتحدة في حوارها التجاري مع الصين كشف "عدم موثوقية الولايات المتحدة على المستوي العالمي وزوال مسؤوليتها الدولية".
أما أوميت الابرين المستشار والمحلل بمركز أنقرة للسياسات ومقره مدينة أنقرة التركية، فذكر أنه "في ظل قيادة ترامب، تدافع الولايات المتحدة عن السياسات القومية الحمائية والاقتصادية. ورغم رغبة الصين في التعامل مع القضايا التجارية عبر الحوار والمفاوضات الدبلوماسية، إلا أن إدارة ترامب تدفع باتجاه فرض جمارك وعقوبات".
وقال إن موقف ترامب العدواني والأحادي الجانب يلحق الضرر بمصداقية الولايات المتحدة في النظام الدولي وإن سياساته غير المسؤولة تبقي الولايات المتحدة بعيدة عن كونها الدولة الرائدة في النظام العالمي.
وأوضح أن الحواجز التجارية الحمائية التي يضعها ترامب وانسحابه من اتفاقات تجارية دولية سيلحق الضرر بالولايات المتحدة والشعب الأمريكي ويرفع من الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين.
وأضاف أن السياسات التجارية الحمائية أحادية الجانب التي ينتهجها ترامب ستساعد في إغراق الولايات المتحدة في كساد كبير مثلما حدث في عام 1930، وهو ما "سيؤثر سلبا على العالم بأسره، الذي ينعم بحالة من الترابط الاقتصادي".