مقالة : خبراء عرب يشيدون بـ"الحكمة الصينية" التي أظهرها لي خلال زيارته إلى اليابان

اختتم رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ زيارته إلى اليابان وعاد إلى بكين يوم الجمعة الماضي. وخلال زيارته التي استمرت لأربعة أيام، حضر لي قمة ثلاثية في طوكيو مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، والتقى الإمبراطور الياباني وعدد من المسؤولين والسياسيين وأصحاب الأعمال اليابانيين.

وقال محللون سياسيون عرب إن القمة الثلاثية شكلت نقطة تحول إيجابية تعزز من الحكمة الشرقية على تجاوز الخلافات وإيجاد قواسم مشتركة وكتابة تاريخ جديد يرتكز على مبادئ الانفتاح والمنافع المتبادلة.

-- دور بناء في دفع السلام المستدام في شبه الجزيرة الكورية

التقى قادة دول شمال شرق آسيا الثلاث بعد القمة الناجحة التي عقدت بين كوريا الجنوبية وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية يوم 27 إبريل الفائت في قرية بانمونجوم الحدودية. واتفقت الكوريتان على إكمال عملية نزع السلاح النووي وتحويل اتفاقية الهدنة الحالية إلى معاهدة سلام في نهاية هذا العام. ومازالت شبه الجزيرة الكورية في حالة حرب حيث انتهت الحرب الكورية 1950-1953 بهدنة. وجاءت زيارة لي إلى اليابان عقب هذا الحدث السياسي الكبير في شرق آسيا.

وأكدت وسائل الإعلام العربية على أهمية دور الصين في دفع خطوات السلام في شبه الجزيرة الكورية، حيث ذكرت مقالة نشرتها ((الجزيرة)) في 9 مايو الماضي بشكل خاص، أن آبي تحدث إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ عبر الهاتف قبل زيارة لي كه تشيانغ لليابان، وهو أول رئيس وزراء صيني يزور البلاد منذ سبع سنوات. ووافق آبي وشي على التعاون الوثيق لحل قضية برنامج الأسلحة النووية لكوريا الديمقراطية.

جدير بالذكر أن القمة الثلاثية السابقة عقدت في 2015، وتأتى قمة السنة الجارية، وسط فترة هدوء غير معتاد في العلاقات التي يشوبها دائما خلافات تاريخية وعلى أراض، حيث أشاد الدكتور ناصر عبد العال، الأستاذ المساعد بقسم اللغة الصينية في جامعة عين شمس بمصر، بوقوف الصين إلى جانب المجتمع الدولي في رؤيتها بشأن عدم انتشار الأسلحة النووية فى العالم، بما في ذلك كوريا الديمقراطية

وقال إن القادة جعلوا العالم كله يعلم أن الأطراف الثلاثة سيبذلون جهودا ملموسة لنزع السلاح النووي عن طريق تبني بيان خاص يرحب بإعلان بانمونجوم الذي تم إعلانه بعد القمة الكورية.

وأكد المحلل السياسى السوداني عبد الرحيم السنى أن هناك مناخ إيجابى يسود المنطقة وقد عززت القمة الثلاثية من هذه التطورات الإيجابية، وتابع "جاءت القمة الثلاثية كنتاج لفكرة الصين وخطتها القائمة على تعميق الحوار واتخاذه وسيلة لحل المشكلات القائمة، ولاسيما فيما يتصل بقضية برنامج الأسلحة النووية في كوريا الديمقراطية".

وأشار السنى إلى مقولة رئيس وزراء الصيني لى كه تشيانغ "يمكننا أن نحل الخلافات باستخدام الحكمة الشرقية"، وقال " المنطقة تحتاج فعلا إلى الحكمة الشرقية وإبعاد التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد الأوضاع ولا تساعد على حلها".

--عزم الصين على الحفاظ على التجارة الحرة يفيد العالم بأسره

وركزت القمة على جوانب اقتصادية مهمة ومنها التجارة الحرة وربط اقتصادات الدول الثلاث ، حيث قال المحلل السياسى السودانى عبد الخالق محجوب، في تصريح خاص لوكالة ((شينخوا)) إن" التعاون الاقتصادي يعزز الروابط بين الدول الثلاث ويذيب أى خلافات سياسية".

وأضاف أن " الدول الثلاث تمتلك اقتصادات ناهضة، ومن شأن ربط هذه الاقتصادات ببعضها البعض خلق تكتل اقتصادى قادر على التأثير عالميا بشكل إيجابى".

يذكر أن الصين وافقت على منح حصة مستثمر مؤسسي أجنبي مؤهل لليابان تقدر بـ200 مليار يوان )نحو 31.36 مليار دولار أمريكي(. واتفق الجانبان أيضا من حيث المبدأ على التوقيع على اتفاقية لتبادل العملات في أسرع وقت، مما يساعد على حماية استقرار السوق المالية وتدعيم تيسير الاستثمار وتمسك الصين باتجاه إيجابي حيال إقامة بنك مقاصة بالعملة الصينية الرنمينبي في طوكيو.

ورأى سامي القمحاوي، نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية والمتخصص في الشأن الصيني، أن "هناك أهمية للتوسع في التجارة الحرة لأن جزءا كبيرا من التجارة العالمية يمر من هذه المنطقة، وبالتالي تعهد الدول الثلاث بضمان حرية التجارة أمر ضروري ومهم جدا للحفاظ على النمو الاقتصادي العالمي وليس نمو المنطقة فقط، لأنه أمر يؤثر على العالم أجمع".

وأضاف أن الصين من أكبر الدول التي تصدر منتجات في العالم، واتفاقها مع اليابان وكوريا الجنوبية على هذا الأمر يطمئن العالم على المستقبل الاقتصادي والتجارة وحرية التداول بين دول العالم.

وقال معين رجب، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر من غزة، إن الصين بمسارها السلمي، "ترتبط بعلاقات اقتصادية متوازنة مع العالم الخارجي, وهي ترغب بأن تكون شريكة لمختلف بلدان العالم على قدم المساواة، ولذلك، فإن دور الصين يبشر بالخير لها ولكل من يتعامل معها".

-- قوة ابتكارية في مواجهة التحديات في المجالات الأمنية غير التقليدية

وفى الإشارة إلى الاتفاقية التي تم توقيعها لتعزيز التعاون الثلاثي في المجالات الأمنية غير التقليدية، مثل الطاقة والبيئة وإدارة الكوارث، قال رئيس مجلس الدولة الصيني إن هذه القضايا ستكون "مهمة وملحة أكثر من أي قضايا أخرى يجب أن تتناولها الدول المجاورة معا،" مشيرا إلى أن التعاون القوي بين الدول الثلاث في هذا القطاع مرتبط بشكل مباشر بصحة ورفاهية المواطن العادى.

واتفق القادة على توسيع التبادلات الإنسانية بين الدول الثلاث إلى 30 مليون بحلول عام 2020 وتعزيز التبادلات الثقافية. كما اتفقوا على تعزيز التبادلات الثلاثية بين الأجيال الصغيرة في قطاع التعليم، الذى قال لي إنه سيحافظ على العلاقات الودية وينميها بين الدول الثلاث في الجيل القادم.

وقال عبد العال إن هناك مطلبا عالميا هو التحول إلى عدم الاعتماد على الطاقة الأحفورية مثل البترول والغاز الطبيعى، وبالتالي لابد من وجود بدائل من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة. وتمتلك الصين تكنولوجيا الطاقة الجديدة وبالأخص الطاقة الطبيعية مثل طاقة الشمس والرياح إلى جانب الطاقة النووية.

ويتجه العالم إلى خفض نسبة الكربون والعوادم حفاظا على بيئة صحية خضراء وتهتم الدول الصناعية مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية بتخصيص مبالغ كبيرة للحفاظ على بيئة صالحة للمجتمع، لأن رفاهية الدول لن تتحقق بدون بيئة خضراء، حسبما أفاد عبد العال.

وقال القمحاوي إن مراعاة البعد البيئي والاتفاق عليه بين الدول الثلاث مهم للغاية خصوصا بعد خروج الولايات المتحدة من اتفاق باريس للتغير المناخى. هذا الاتفاق يعطي نظرة أمل جديدة نحو المستقبل بالنسبة للعالم، ويؤكد أن الاهتمام بالبيئة أصبح على مائدة الدول العظمى، وهو مؤشر مهم على التزام هذه الدول بالمعايير البيئية.