إي سيان رونغ، باحث سابق في معهد الدراسات المالية للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية
تشهد العلاقات الصينية الأمريكية في الوقت الحالي، ارتفاع وتيرة الاحتكاكات التجارية، ومن المتوقع أن تواجه العلاقات التجارية بين البلدين المزيد من العقبات خلال المستقبل. ولا شك في أن الخطوات التي أقدم عليها ترامب مؤخرا ضد الصين، تهدف إلى كسب المزيد من الأوراق في المفاوضات القادمة بين الصين وأمريكا. لذا، ستعمل أمريكا خلال المدى المنظور على تقييد مشتريات الشركات الصينية من التكنولوجيا الأمريكية، مثل عمليات الإستحواذ على شركات التكنولوجيا العالية.
على الصين أولا أن تعرف نفسها جيدا، لكسر الحصار الذي تحاول أمريكا أن تفرضه عليها. فخلال السنوات الأخيرة، شهد حجم الإنتاج الصناعي الصيني ارتفاعا كبيرا، لكن مازالت هناك مسافة بين الصين والدول المتقدمة على مستوى الجودة. لا تزال الصين في حاجة إلى إستيراد التكنولوجيا المتقدمة من الخارج. مثلا، تصنع ألمانيا واليابان وأمريكا تقنية أكثر تقدما من التقنية الصينية.
لكي تحقق "صنع في الصين" تقدما جوهريا، يجب أولا تكوين الكفاءات المبتكرة، لأن الكفاءات هي من تمثل محرّك تطوير الصناعة. أما التقليد دون تحقيق أي اختراقات تقنية، سيُبقي الصناعة الصينية في المستوى الأسفل من السلسلة الصناعية.
ثانيا، يجب تحسين بيئة الأعمال وإدارة الشركات في المدن. حيث تشهد البيئة الصناعية في المدن تدهورا مستمرّا مع تواصل ارتفاع أسعار العقارات، الأمر الذي أدى إلى إرتفاع تكلفة ادارة الأعمال على نطاق واسع. في المقابل، لاتزال المناطق المتخلفة نسبيا، تفتقر للكفاءات التقنية والعمالة عالية الجودة. ولدفع نمو الشركات، على الحكومة أن تبادر إلى وضع السياسات المناسبة، وتحسين النظام القانوني وتخفيض تكلفة ادارة الأعمال في المدن. لأن بيئة الأعمال الجيدة في المدن، ستدفع بنمو الصناعة المتقدمة. ولهذا السبب، نجد أن عددا من شركات التقنية المتقدمة تتمركز في شنجن، لأن شنجن تتمتع ببيئة قانونية وثقافية جيدة بالمقارنة مع المدن الأخرى. طبعا دون أن ننسى أن إرتفاع أسعار العقارات في شنجن يؤثر أيضا على مزايا شنجن في مجال الأعمال.
ثالثا، على الحكومة أن تطرح المزيد من السياسات التي تحفز الصناعات المتقدمة على التطور. مثل تقديم الإمتيازات الضريبية والمالية لتشجيع الشركات على التطور وتوسيع أعمالها.
لقد شهد "صنع في الصين" منعرجا هاما.
من جهة، يمكن القول أن الصناعة الصينية قد حققت وثبة عالية خلال السنوات الأخيرة. خاصة صناعة الإنترنت والأتمتة وتكنولوجيا المعلومات وانترنت الأشياء، التي حققت نموا سريعا وواضحا. في المقابل، انتقلت عدة صناعات متدنية التكلفة تدريجيا إلى الخارج، وشهدت الصناعات الفائقة تقدما ملحوظا، مثل الطائرات دون طيار، والقطار فائق السرعة، وبناء الجسور وصناعة السيارات وغيرها من الصناعات.
أضف إلى ذلك، أن السلع الصينية تمتلك سوقا كبيرة في الدول الناشئة، ويمكنها الدخول بسهولة إلى السوق الهندية والماليزية وغيرها من دول جنوب آسيا والدول الإفريقية. وهذا يلعب دورا بالغ الأهمية بالنسبة لقوة الإقتصاد الصيني.
من جهة أخرى، على الصين أن تحدد موقعها بشكل دقيق. إذ لا تزال هناك فوارق كبيرة نسبيا تفصل الصين عن الدول المتقدمة. لذا، فإن الحفاظ على روح التواضع، هو مايمكننا من تعلم التقنيات المتقدمة للدول الأخرى، وتعزيز وضع الشركات ورفع مكانة الصين في السوق العالمية.
لا تمتلك الصين إلى حد الآن شركات مدرجة في قائمة "أقوى 100 شركة عالمية". لذا فإن الدخول إلى هذه القائمة لايتطلب التركيز على الكميّة فحسب، بل يجب إيلاء أهمية عالية إلى الإبتكار ومستوى الإنفتاح على السوق وغيرها من العوامل. كما لاتزال السلع الصينية عالية التقنية قليلة في أسواق أمريكا الشمالية وأوروبا وغيرها من الدول المتقدمة. أضف إلى ذلك أن الشركات الصينية الكبرى مثل علي بابا وتنست تمتلك سوقا كبرى داخل الصين فحسب، بينما لاتزال تنافسيتها ضعيفة نسبيا على مستوى التقنيات الرئيسية، وهذا يحتّم على الصين المضي قدما في دفع تطوير الصناعة، لكي تظهر في الصين شركات من مستوى آبل وآمازون.
جدير بالذكر أن الحكومة الصينية قد أولت خلال السنوات الأخيرة إهتماما كبيرا بصناعة الطائرات، لكن لايزال مستوى نضج التقنيات الرئيسية لهذه الصناعة غير قابل للمقارنة مع شركة بوينغ.
إن صناعة منتجات ذات تأثير عالمي، تحتاج إلى معالجة القضايا الرئيسية المتعلقة. ولابد من الإنطلاق من التعليم وتكوين الكفاءات ذات روح الإبتكار، للوصول إلى إنتاج سلع خلاقة وتحقيق اختراقات تقنية، وإمتلاك تنافسية عالمية عالية.