اختتمت فعاليات الدورتين السنويتين يوم الثلاثاء ، وهو حدث لا يهم الصينيين فحسب، بل يلفت أنظار العالم بصفته حدث سياسي مهم في ثاني أكبر اقتصاد عالمي.
ويرى الأستاذ يحيى مصطفى محمد أحمد، خبير سوداني يعمل بالمصلحة المركزية للترجمة والتأليف أن الدورتين السنويتين ترسلان رسائل مُطمئِنة من الصين للعالم الخارجي تمثلت في تجديد ثوابت البلاد المتعلقة بتمسكها بنهج تنميتها السلمية وعدم سعيها وراء أي شكل من أشكال الهيمنة أو التوسع وتعهدها بمواصلة مساعيها لتحقيق العدالة والمساواة على المسرح الدولي وانتهاج وسائل الحوار والتشاور لحل جميع القضايا في العالم.
ومن خلال مشاركته في ترجمة تقرير عمل الحكومة الذي تمت إجازته من قبل المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، قال الأستاذ يحيى إن التقرير اكتسب أهمية خاصة، لأنه الأول للحكومة بعد الاختتام الناجح للمؤتمر الوطني الـ19 التاريخي للحزب الشيوعي الصيني، إذ جسدت مضامين التقرير روح المؤتمر وحولتها إلى سياسات وبرامج للدولة، وجاء التقرير متناغما مع الموجهات التي حددها المؤتمر الوطني للحزب وأكد على مواصلة انتهاج سياسات الإصلاح والانفتاح والتنمية السلمية. وأرسل تقرير الحكومة رسائل مُطمئِنة للعالم الخارجي بأن الاقتصاد الصيني يسير في الاتجاه الصحيح وإن الصين ستواصل أداء دورها كقوة مُحفزِة ومحركة للاقتصاد العالمي. وعكس التقرير الثقة العالية لدى القيادة الصينية في اقتصاد البلاد واستقراره رغم الظروف الدولية غير المؤاتية وتنامي النزعة الحمائية.
وبصفته خبيرا أجنبيا يعيش في الصين لأكثر من عقدين، لفت الأستاذ يحيى إلى الجزء المتعلق بجذب الكفاءات الأجنبية في تقرير عمل الحكومة الصينية، قائلا إن الصين أصدرت سياسات تفضيلية وأجرت إصلاحات كبيرة وعلى وجه الخصوص في السنوات الخمس الأخيرة حيث كان حجم الإصلاح ونطاقه كبيرا، وتمت معالجة العديد من المسائل وتبسيط الإجراءات المتعلقة بمنح التأشيرات وتصاريح العمل ومنحت بطاقات خضراء لبعض الفئات من الأجانب العاملين في الصين، ورغم محدودية الفئة المشمولة بهذه السياسة لكنها مثلت خطوة كبيرة للأمام ، وكانت هذه الإجراءات محل استحسان وقبول من الخبراء الأجانب، وأدخلت مؤخرا تحسينات على أجور الخبراء الأجانب . وأكد تقرير عمل الحكومة على توسيع الممر الأخضر لجلب أصحاب الكفاءات الأجانب .
وبالإضافة إلى ذلك، أشار الأستاذ يحيى إلى حملة الصين لمكافحة الفساد، وقال إن التجربة الصينية في مكافحة الفساد خاصة في السنوات الخمس الماضية كانت واحدة من الإنجازات البارزة للحزب والدولة واتسمت هذه الحملة بالشمول والجدية والصرامة، وأكدت أنه لا أحد فوق القانون، فضلا عن تعزيز هذه الحملة ثقة الجماهير والتفافها حول الحزب، كما أكدت قدرة الحزب على إدارة أعضائه وفقا للقانون وأن مكافحة الفساد أمر بالغ الأهمية لحفاظ الحزب على مكانته كحزب حاكم وطليعي.
ويقيم الأستاذ يحيى حاليا في منطقة شيدان بمركز العاصمة بكين، ويذهب إلى مسجد نيوجيه للصلاة كل يوم جمعة. وكل ما يطرأ على حياة الصينيين ومعيشتهم يكون له منه نصيب وذكر أنه حدثت طفرات كبيرة في قطاع النقل حيث تحولت وانتقلت الصين إلى عصر القطارات الفائقة السرعة كما تطور قطاع الخدمات بصورة مذهلة، وأصبحت المدن الصينية مدنا رقمية وكل شىء يمكن إنجازه أو طلبه عبر جهاز الهاتف المحمول.
ويرى الأستاذ يحيى أن التجربة التنموية الصينية أيضا وفرت طريقا ثالثا لوطنه وغيره من الدول العربية، إذ يمكن للدول العربية الاستفادة من تجربة الصين بتبني الإصلاح والانفتاح الاقتصادي المتدرج ونقل تجربة المناطق التنموية النموذجية ومناطق التجارة الحرة والمستندة على إنشاء البنية التحتية أولا ثم فتح المنطقة للاستثمار المحلي والأجنبي . ويمكن للدول العربية استغلال تفوقاتها وجعل التنمية قائمة على عناصر قوتها المحلية بحيث تركز الدول النفطية على تعزيز الصناعات البتروكيماوية والدول الزراعية على التصنيع الزراعي والصناعة التحويلية بصفة عامة.