بكين 5 مارس 2018 /عقد المجلس التشريعي الصيني دورته السنوية اليوم (الأثنين)، معلنا إجراءات ستحدد ماهية الجهود التي سوف تبذل خلال الأعوام القادمة لجعل الصين بلد اشتراكي حديث عظيم.
وقد جرى طرح هذه الرؤية فضلا عن طرح منهج من خطوتين خلال المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في أكتوبر الماضي. وهاتان الخطوتان هما: إنجاز التحديث الاشتراكي بشكل أساسي بحلول عام 2035، وجعل الصين بلدا اشتراكيا حديثا عظيما بحلول منتصف القرن الحالي.
ويمثل افتتاح الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني اجتماعا وطنيا هاما عقب مؤتمر الحزب. ويقول المراقبون إن هذه الدورة سوف ترسي أساسا متينا لتحويل خطة الحزب إلى إجراءات عملية على نمط " قضية تلو قضية وعام بعد عام".
وأمام نحو 3000 من نواب المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني المجتمعين في قاعة الشعب الكبرى، ألقى لي كه تشيانغ تقرير العمل الحكومي.
وحث لي الشعب على الاحتشاد الوثيق حول اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وشي في القلب منها، وعلى اتخاذ روح المبادرة والعمل بجدية.
وقال لي "دعونا نقدم مساهمات جديدة لتحقيق هذه الأهداف".
وتحدث رئيس مجلس الدولة بنبرة واثقة وهو يكشف عن " الإنجازات التاريخية" التي تحققت في السنوات الخمس الماضية، رغم البيئة" شديدة التعقيد" في الداخل والخارج.
وإن إجمالي الناتج المحلي الصيني ارتفع من 54 تريليون يوان إلى 82.7 تريليون يوان، وجرى أيضا انتشال أكثر من 68 مليون شخصا من الفقر، كما تم خلق 66 مليون وظيفة جديدة في المناطق الحضرية.
من ناحية أخرى تقف الصين في صدارة بلدان العالم في مجالات السكك الحديدية فائقة السرعة والتجارة الإلكترونية والدفع عن طريق الهاتف المحمول والاقتصاد التشاركي.
جودة النمو وخفض الضرائب
وفقا لتقرير العمل، حددت الحكومة المركزية نموا مستهدفا لإجمالي الناتج المحلي لعام 2018 تبلغ نسبته 6.5 بالمئة.
وهذه النسبة المستهدفة هي ذاتها النسبة المستهدفة في العام الماضي، لكن النمو قد يختلف هذا العام لأن الصين أعلنت أنها سوف تمنح أولوية للجودة على حساب السرعة.
وتابع لي "سوف نعزز التنمية عالية الجودة بقوة".
وقال المراقبون إنه على الرغم من أن النمو شديد السرعة المستمر قد أصبح الآن من سمات الماضي، فإن الصين سوف تستمر في دورها كعامل في تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي في ضوء تحسين الجودة وتعزيز انفتاح السوق.
وعلى مستوى التصنيع، وهو القطاع الذي تحظى فيه الصين بقوة تقليدية، سوف تقوم الحكومة بإطلاق مبادرة لتقوية نواحي الضعف في مجال تصنيع المعدات الثقيلة وتعزيز تنمية الدوائر المتكاملة والاتصالات المحمولة بتكنولوجيا الجيل الخامس، ومحركات السيارات ومركبات الطاقة الجديدة.
وتعتبر الصين بلد متميز في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو المجال الذي قد يغير مشهد التصنيع في المستقبل.
وروبن لي، وهو مؤسس محرك البحث بايدو، يعد رائدا في مجال الذكاء الاصطناعي. وتنفق شركة روبن لي بسخاء بالغ على أنظمة القيادة الذاتية.
وقال لي "أقابل أجانب يستوقفوني في الشارع ليسألوني متى سوف تكون السيارات ذاتية القيادة متاحة في الشوارع، لأنهم لا يريدون تعلم القيادة. إن الذكاء الاصطناعي يجعل حياتنا أيسر."
وقد حققت بايدو وشركاؤها بداية جيدة بفضل مناخ الأعمال المميز في الصين.
وأضاف أنه إذا تبنى الزعماء مبدأ التعاون والسوق المفتوحة، فإن قطاع الذكاء الاصطناعي سوف يحقق المزيد من التقدم.
وقد اطمأنت السوق اليوم بسبب ما أُعلن عن تخفيض الضرائب.
ويتوقع رئيس مجلس الدولة أن يبلغ إجمالي حجم الضرائب التي سوف يتم خفضها من على الشركات والأشخاص في عام 2018 800 مليار يوان.
وأضاف لي أن عددا كبيرا من الشركات الصغيرة منخفضة الربح سوف يشهد خفض الضرائب بمقدار النصف، فيما سوف يرتفع الحد الأعلى للخصومات على مشتريات الشركات من المعدات والآلات بصورة كبيرة.
والواقع أن خفض الضرائب سياسية مستمرة منذ أعوام.
وقد تم توفير إجمالي 918.6 مليار يوان العام الماضي، في ظل تنفيذ خطة إصلاح استهدفت استبدال ضريبة القيمة المضافة بالضريبة التجارية.
وبتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وهو أكبر إصلاح ضريبي على مدى عقود، لتحل محل الضرائب التجارية ـ فإن ذلك قد ساهم في تيسير الإجراءات وتجنب تكرار فرض الضرائب.
المعارك الثلاث الحاسمة
أكد لي على زيادة الدعم من أجل الفوز في "المعارك الثلاث الحاسمة" ضد المخاطر والفقر والتلوث.
فمن غير الممكن تحقيق هدف مجتمع رغيد الحياة باعتدال عبر أسواق مالية متقلبة، ومعاناة الشعب من الفقر ووجود وأنهار وجبال وسماوات ملوثة. وقد أطلق الحزب على الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات مصطلح "المعارك الثلاث الحاسمة".
ومن بين الأهداف التي أعلنت اليوم، سعي الحكومة نحو خفض عدد فقراء سكان الريف بما يزيد على 10 ملايين شخص، وخفض ملوثات الهواء في المناطق الرئيسية، في ظل العمل على التنبؤ بمخاطر الدين الحكومي المحلي وتفاديها.
ويقول شيوي روي، وهو نائب بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني من رويجين بمقاطعة جيانغشي، إن مدينته، وهي قاعدة ثورية، قد دخلت مرحلة حاسمة للقضاء على الفقرالمدقع.
وقد تم انتشال سكان الكثير من القرى من دائرة الفقر عبر مساعدتهم على زراعة الفواكه والخضراوات والشاي، بشكل أكثر جودة، من أجل تحويل بلداتهم إلى مزارات سياحية، أو ببساطة لتحويلها إلى مناطق تقدم المزيد من كرم الضيافة.
وقال تشو شيانغ يون، وهو نائب آخر من جيانغشي، إن سكان قريته كانوا من بين من استفادوا من هذه السياسة.
وتابع تشو "زاد عدد السياح إلى قريتي من 100 ألف عام 2016 إلى نحو 220 ألفا العام الماضي. والمزيد من السائحين يعني المزيد من الدخل لنا".
الانفتاح على نحو أوسع
يوافق هذا العام أيضا الذكرى الأربعين لإطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح، والتي ضخت حيوية في الاقتصاد، ليحافظ على مدى أربعة عقود على نمو سريع مطرد.
وأوضح لي كه تشيانغ أن الصين سوف تكون أكثر جرأة في تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، واصفا ذلك بأنه خطوة "غيرت قواعد اللعبة" في إطار تحويل الصين إلى ما هي عليه الآن.
واستطرد لي يقول إن الحكومة سوف تعزز حماية حقوق الملكية الفكرية، وسوف تفتح الأبواب على نحو أوسع أمام المستثمرين الأجانب في مختلف القطاعات بدءاً من قطاع التصنيع العام إلى قطاعات الاتصالات والخدمات الطبية والتعليم ورعاية كبار السن ومركبات الطاقة الجديدة.
والسوق الصنيية تتسع في ظل تزايد رغبة الطبقة متوسطة الدخل في البلاد - والتي يبلغ عددها نحو 400 مليون شخص - في استهلاك البضائع المستوردة عالية الجودة.
ويقول لي إنه من أجل الوفاء بهذا المطلب، سوف تستضيف الصين معرض الصين الدولي للصادرات هذا العام وسوف تخفض التعريفات على البضائع المستوردة، من السيارات حتى منتجات الاستهلاك اليومي.
وأوضح رئيس مجلس الدولة أنه في ظل إقرار هذه الأهداف الطموحة، لن يكون الجهد القليل مما هو مسموح به.
وأشار لي إلى أنه لا يمكن تحقيق الإنجازات الجديدة "سوى من خلال الأفعال" مؤكدا على أن العمل الجاد هو ما سوف يصوغ المستقبل.
وفي كلمته، كرر لي دعوة الشعب إلى "القيام بعمله".
وقال رئيس مجلس الدولة "يجب أن نمنح عملنا كل ما نملك. وإن حكومة الشعب لن تخذله".
وقال تشانغ شيونغ النائب بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والأستاذ بجامعة تونغجي، إن تقرير العمل الذي ألقاه لي قد أرسل رسالة قوية مفادها أن الصين تمضي بعزم وثقة نحو تحقيق هدف بناء دول اشتراكية حديثة عظيمة.
في انتظار المزيد
بدأ المجلس التشريعي الوطني اليوم مناقشة مسودة لتعديل الدستور الصيني، وهي الخطوة الأولى من نوعها على مدار 14 عاما.
وقال مو جيان بينغ، أستاذ القانون في جامعة العلوم السياسية والقانون الجنوبية الشرقية، إن الصين تمر بمرحلة حاسمة في تحقيق حلم الإحياء العظيم للأمة الصينية، وسوف يوفر هذا التعديل الدستوري ضمانات قانونية أفضل.
وسوف يناقش المجلس التشريعي الوطني أيضا خطة الإصلاح المؤسسي لمجلس الدولة.
ومن المقرر أيضا مناقشة مشروع قانون للرقابة، والذي، حال تبنيه، سوف يعطي دفعة لشبكة مكافحة الفساد الشاملة التي تتألف من لجان رقابية على مستوى البلاد بكاملها، وكذلك على مستوى المقاطعات والمدن والمحافظات، سعيا نحو فرض الرقابة على كافة من يتولون المناصب في السلطة العامة.
وقال تشنغ تشانغ تشونغ أستاذ العلوم السياسية بجامعة فودان "هذه الدورة تمثل نقطة تحول، حيث تجري الآن صياغة الخطط في أجهزة الدولة سعيا نحو تحقيق الهدف الذي أقره الحزب".
وقال لي شو فو النائب بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني ورئيس شركة قي لي الصينية للسيارات، والتي أصبحت في فبراير أكبر حامل أسهم بشركة دايملر إيه جي الألمانية " يجب أن نؤدي مهامنا جيدا كنواب، ويجب أن نعمل على تعبئة الجمهور وتنفيذ روح مؤتمر الحزب وتحويل الرؤية العظيمة إلى حقيقة واقعة".