في أوقات الحرب، يواجه الناس الكثير من التحديات الكبيرة، ولكن القلائل منهم من يستطيع ان يتخطى تلك التحديات.
أم النور، امرأة في الخمسينيات من عمرها، لم تهزمها تلك الحرب المستعرة في سوريا، واستطاعت ان تهزم ظروفها وتتغلب عليها، وتمكنت من تغير وجهة نظر المجتمع حول المرأة عندما جلست خلف مقود السيارة لتعمل كسائق على سيارة أجرة لكسب لقمة عيشها، وتخطت انتقادات المجتمع.
ام النور التي ترتدي الحجاب وسترة طويلة تغطي جسدها النحيل، فقدت كل شيء عندما اندلعت الحرب في حلب ووجدت لنفسها عملا تمكنت من خلاله العيش بكرامة دون حاجة الناس.
وبالرغم من مرارة الحياة وقسوتها إلا أن ام النور تحدت الحرب والمجتمع واشترت سيارة أجرة صغيرة لتكون مصدرا لعيشها، وتصبح بذلك أم النور أول سائق سيارة أجرة انثى في حلب تعمل وتجوب شوارع مدينة حلب وتنقل المواطنين بكل سرور.
وقالت ام النور لوكالة أنباء (شينخوا) بدمشق اليوم (الأربعاء) "هذه هي المرة الأولى في حلب التي تقود فيها امرأة سيارة أجرة، وعندما يراني الناس يشعرون بالدهشة، ولكن لا أحد يعارضني لأن الجميع مشغولون ويكافحون من أجل تأمين رغيف الخبز" .
وحصلت أم النور على الطلاق من زوجها قبل اندلاع الحرب في سوريا، وفقدت أحد أبنائها بالحرب عندما كان يؤدي الخدمة الإلزامية في الجيش في العاصمة دمشق.
وكان ابنها الآخر يعيش في حي محاصر في حلب، لذلك لم يكن لديها أي شخص تلجأ اليه لمساعدتها أو التوجه إليه.
كانت تقيم حفلات "دي جي" في الاعراس للنساء فقط قبل الحرب، ولكن هذا النوع من الحفلات لم تعد منتشرة كثيرا بحلب بسبب ظروف الحرب والمعاناة التي لحقت بأهل حلب خلال السنوات الماضية.
وتغيرت حياتها بشكل كبير، من حفلات في الافراح ، إلى الدخول للمناطق الأمامية لتوصيل ركابها الخائفين في سيارة أجرة بيضاء، فهي لا تخشى القناصة أو مدافع الهاون التي كانت تمطر بشكل كثيف على الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة من حلب قبل استعادة السيطرة على كامل مدينة حلب في ديسمبر العام 2016 .
وقالت أم النور "دخلت خطوط المواجهة لم أكن اخشى شيئا بالرغم من سيارتي تعرضت للقصف بقذائف الهاون ورصاص القناص مرتين "، مشيرة إلى جزء متصدع من الزجاج الأمامي الذي أصيب بشظية قذيفة هاون.
وقالت المرأة الخمسينية من العمر إنها " لم تكن خائفة أبدا، لأنها كانت مؤمنة بأنها تعمل من أجل كسب لقمة العيش ".
وأضافت "كنت أذهب إلى المناطق التي يسيطر عليها المسلحون وعندما كان المسلحون ما يزالون هناك، وأن الناس الذين كانوا يركبون معي كانوا يخافون، لكنني لم أكن خائفة على الإطلاق"، حتى أنها كانت تشعر بالذهول إزاء القوة التي شعرت بها خلال أوقات الحرب.
حتى أنها وقعت مرة بقبضة المسلحين بينما كانت تنقل راكبا إلى مناطق المسلحين التي كانوا يسيطرون عليها في المدينة.
وقالت "حجزني المسلحون لمدة تسع ساعات عندما بدأوا يتهمونني بالعمل لدى الحكومة قبل أن يسمحوا لي بالذهاب لكنني لم أشعر بالخوف، كنت أخشى على سيارتي لانها مصدر رزقي " .
على الرغم من كل متاعبها وشغلها الشاق والخطورة التي تحيط بها إلا أن ام النور كانت فخورة بما تعمل، وسعيدة لانها لم تلجأ للتسول في الشوارع من أجل ان تعيش، ولم تقم بأي عمل مهين.
حتى ان ام النور تشجع النساء المطلقات على العمل وتغير حياتهن خاصة في أوقات الحرب، لكي تساعد في تأمين لقمة العيش بجد دون اللجوء إلى التسول.
وتابعت تقول "ليس عيبا او عارا ان تعمل، فالعيب إذا كنت لا تعمل وتسعى للحصول على مساعدة الآخرين، أنا أفضل أن أكون سائق سيارة أجرة على الحاجة إلى أي شخص آخر ".
ام النور عندما تعود إلى منزلها في حي الحمدانية ، تعد لنفسها الطعام ، وتقوم بملاعبة قططها التي تعيش معها ، وتضع أحدها على كتفها وتطعمها.
منزلها فارغ تقريبا الأثاث باستثناء وجود كراسي بلاستيكية وسرير، لكنها ما تزال راضية ومصر على البقاء على قيد الحياة ولو لوحدها.
وتقول "إن قططي تشبه عائلتي الآن، وأتقاسم معهم نفس الطعام الذي أحصل عليه وهم يتلقونني في الباب الأمامي عندما أعود من العمل ... أنا لست وحيدة ".
أم نور هي واحدة من آلاف النساء اللواتي وجدن أنفسهن في مواجهة الحرب الصعبة وظروف الحياة القاسية بمفردهن مع عدم وجود رجل يقف إلى جانبهن لتوفر الحماية لهن، ووجدن أنفسهن في نهاية المطاف يعملن ما كان ينظر إليه على أنه عمل يخص الرجال ، حتى يتغلبن على الظروف الصعبة.
والآن وبعد انتهاء الحرب في مدينة حلب، ظلت أم النور سائق سيارة أجرة، وتقوم ببعض الحفلات الدي جي في فترة ما بعد الظهر، قائلة إنها أصبحت مشهورة كأول سائق نسائي في حلب تجرأ على دخول أماكن لا يستطيع الرجال الدخول اليها خلال الحرب.
وقالت "عائلتي وأصدقائي فخورون بي والمجتمع تغيرت نظرته إلى المرأة بعد الحرب، فكثير من النساء عملن بمهن كانت حكرا على الرجال كالجزار، وموزع غاز الطهي، وبيع الخبز".