في أعقاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، توجه ملك هولندا وليم ألكسندر يوم الثلاثاء إلى الصين في ثاني زيارة له منذ اعتلائه العرش. وبعثت زيارة الثلاثة للصين برسالة واضحة مفادها أن الدول الأوروبية الكبرى اختارت الدفع من أجل علاقات أشد وثاقة وأكثر عملية مع الصين.
ومن المتوقع أن يلتقى الملك وليم ألكسندر، ترافقه الملكة ماكسيما، الرئيس الصيني شي جين بينغ لإجراء محادثات هي الأرفع مستوى بين البلدين وتعزيز الثقة والفهم المتبادلين في مجالات مثل التمويل الأخضر والتجارة الثنائية.
وإن زيارة الملك، التي تسهم في توسيع الزخم الذي تم بناؤه خلال زيارته الأولى للصين عام 2015، من المقرر أن تضخ قوة دافعة جديدة في تنمية العلاقات الثنائية فيما سترتقي بالتعاون بين الصين وهولندا في شتي المجالات.
وفي أعقاب ماكرون وماي، سوف تعطى زيارة الملك للصين أيضا دفعة قوية للعلاقات بين الصين وأوروبا، نظرا لثقل بلديهم في القارة وتأثيرهم العالمي.
بيد أن الرغبة في علاقات أشد وثاقة بين الصين وأوروبا لا تأتي من العدم.
فهي تنبثق أولا عن ضرورة مواجهة التحديات المشتركة على المستوى العالمي. وفي هذا العصر الذي يشهد تغييرات كبيرة، لا تؤثر العلاقات بين الصين أوروبا على مصالح شعوب الجانبين فحسب، وإنما لها أيضا تأثير عميق على السياسات والاقتصاد العالميين.
وقد قال الدكتور هنري كيسنجر ذات مرة إن "كل جيل سيحكم عليه من خلال ما إذا كان قد استطاع مواجهة قضايا الحالة الإنسانية الأعظم والأكثر أهمية".
ويتعين على أوروبا والصين، اللتين تمثلان 10 في المائة من مساحة العالم وربع سكانه وثلث إجمالي الناتج المحلي له، أن تبذلا جهودا متضافرة لتعزيز الاقتصاد المفتوح وتدعيم سلطة التعددية وفعاليتها، وصد تهديد الحمائية.
كما أن الحاجة للآخر تأتي من طبيعة الفوز المشترك للتعاون بين الصين وأوروبا الذي يواجه بعض الضجيج الإعلامي بشأن استثمارات الصين في أوروبا.
فقد ساعدت استثمارات الصين في أوروبا، التي لا تزال ضئيلة مقارنة باستثمارات الأخيرة في الصين، في انتعاش اقتصاد القارة. وعند ضرب مثال على ذلك بالتعاون بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا، نجد أن رومانيا ولاتفيا وبولندا وجمهورية التشيك -- دول وسط وشرق أوروبا الأربع التي فازت بنصيب الأسد من استثمارات الصين في المنطقة -- قد شهدت انتعاشا اقتصاديا قويا.
وفي الدول الأعضاء الأكثر تقدما بالاتحاد الأوروبي، ساهمت استثمارات الصين أيضا في خلق فرص عمل وإعادة المصانع المفلسة إلى الحياة. وخير مثال على ذلك عملية استحواذ شركة ((جيلي)) الصينية لصناعة السيارات على شركة ((فولفو)). ففي السنوات الثلاث الماضية، شهدت مبيعات ((فولفو)) العالمية، نموا ملحوظا حيث أصبحت الصين أكبر سوق لها.
وفي عام 2016، قفزت مبيعات سيارات فولفو بأكثر من 10 في المائة على أساس سنوي لتصل إلى 90930، في الوقت الذي لم تبع فيه سوى 22 ألف سيارة فولفو فقط في الصين عام 2010. ومن ثم، كانت الاستثمارات الصينية جوهرية لإحياء مجد علامة فولفو التجارية.
وبالإضافة إلى ذلك، بلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين الصين والاتحاد الأوروبي قرابة 600 مليار دولار أمريكي، أو أكثر من مليون دولار لكل دقيقة. ولم تمثل الاحتكاكات التجارية سوى جزء صغير جدا.
لذلك، لابد للجانبين من تجاوز الخلافات حول قضايا محددة واستيعاب الصورة الكبيرة.
وفي طريقها لتحقيق الانتعاش الاقتصادي، من الأهمية بمكان بالنسبة لأوروبا، وخاصة الجزء القديم منها، التفكير بعمق لأن العلاقات بين الصين وأوروبا أوسع وأعمق مما تعتقد.
وكما قال الرئيس الصيني شي ذات مرة "من أجل دفع علاقاتنا إلى الأمام، فإن الصين بحاجة إلى معرفة المزيد عن أوروبا، وأوروبا بحاجة إلى معرفة المزيد عن الصين". ولا يمكن إنكار أن زيارات قادة فرنسا وبريطانيا وهولندا تصب في صالح هذا الهدف".