بقلم : نواس الدراجي
طرابلس 31 ديسمبر 2017 / يودع الليبيون عام 2017، من دون تجاوز الأزمة التي أثقلت كاهلهم منذ سنوات، واستمرت حالة الانقسام في البلاد لتستدعي معها مزيدا من الجهود والتحركات الدولية لحلحلتها.
ويطوي العام 2017 صفحته تاركا لليبيين المزيد من الاخفاقات على المستوى السياسي، حيث لم ينه توقيع الفرقاء على الاتفاق الموقع في الصخيرات بالمغرب نهاية العام 2015 بوساطة الأمم المتحدة، حالة الفوضى التي تعصف بالبلاد.
وفي ظل اضطراب المشهد الليبي سياسيا وأمنيا، استمر التدهور الاقتصادي في البلاد وظهرت مؤشراته في انهيار العملة الوطنية (الدينار) مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم والأسعار لتزيد معاناة المواطن الليبي.
اخفاق سياسي
لم يحقق اتفاق الصخيرات الذي وقعه فرقاء ليبيا برعاية الأمم المتحدة قبل عامين أي تقدم على صعيد إنهاء الانقسام والصراع المستمر في البلاد منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011.
وتشكلت بموجب الاتفاق حكومة وفاق وطني برئاسة فائز السراج، لكنها لم تنجح منذ اعلان تشكيلها في الحصول على ثقة البرلمان نتيجة استمرار الخلافات، وذهبت أطراف الى اعتبار الاتفاق قد انتهى.
واستمرت الأزمة وحالة الاستقطاب الحاد بين شرقي البلاد حيث البرلمان الليبي وقيادة الجيش التي يقودها المشير خليفة حفتر، وبين غربها حيث يحكم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومجلس الدولة الأعلى قبضتيهما على طرابلس بما فيها من مقار سيادية.
وأمام هذا الوضع، تدخلت الأمم المتحدة بقوة لإحياء الاتفاق، وعين اللبناني غسان سلامة مبعوثا جديدا للبعثة الأممية في ليبيا خلفاً للألماني مارتن كوبلر.
وطرح سلامة أمام مجلس الأمن في سبتمبر الماضي، خطة تتضمن الدخول في جولة مفاوضات نهائية لتعديل الاتفاق، إضافة إلى وضع خارطة طريق لإنهاء المرحلة الانتقالية، تنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام 2018.
وأطلقت جولتان للمفاوضات استمرت لأيام منذ نهاية سبتمبر وحتى مطلع نوفمبر الماضيين، وتوصلت "لجنة الصياغة الموحدة" المشكلة من لجنتي الحوار بالبرلمان الليبي ومجلس الدولة الأعلى، إلى نتائج اعتبرها مراقبون مهمة على مستوى التقارب في المواد الخلافية بالاتفاق والمتعلقة خصوصا بالسلطة التنفيذية (الحكومة) وقيادة المؤسسة العسكرية (الجيش).
وأجاز البرلمان الليبي "الصيغة التوافقية" التي قدمها غسان سلامة في نوفمبر الماضي بشأن تعديلات الاتفاق، لكن مجلس الدولة الأعلى رفضها نافيا توافقه بشأنها خلال المفاوضات المشتركة مع البرلمان.
وتتضمن الصيغة التي تقدم بها المبعوث الأممي 12 بندا خاصا بتعديل مواد بالاتفاق السياسي.
وتتعلق أبرز هذه المواد بالسلطة التنفيذية، ومن بينها أن تتكون تلك السلطة من مجلس رئاسة الدولة (الرئاسة) ومجلس الوزراء (الحكومة) ، إلى جانب وجوب أن "يتخذ مجلس رئاسة الدولة كافة قرارته بالإجماع" ، وأن "تكون من ضمن اختصاصات مجلس رئاسة الدولة مجتمعًا القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي".
كما تنص على أن "يقدم رئيس الحكومة (المزمع اختياره في وقت لاحق) خلال مدة أقصاها شهر من إقرار هذا الاتفاق المعدل، قائمة كاملة متوافقًا عليها بأعضاء الحكومة وبرنامج عملها للبرلمان، لاعتمادها بالكامل ومنحها الثقة واعتماد برنامجها ، خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ تقديمها".
وبموجب المادة 12 (الأحكام الإضافية) لاتفاق الصخيرات، فإن أي تعديلات يرغب فيها البرلمان أو مجلس الدولة ، يجب أن تتم عبر لجنة مشتركة، وأن يتم التصويت عليها كل على حدة ، لتمرير أي تعديل يطال الاتفاق .
وفي ظل هذه التجاذبات والمد والجزر دون إحراز تقدم، أجبرت المراوغة بين السياسيين، الأمم المتحدة على الاتجاه مباشرة إلى دعم خيار الانتخابات، والدخول في التنفيذ عمليا.
ووقعت البعثة الأممية اتفاقية دعم فني مع المفوضية الوطنية للانتخابات في ليبيا، وهو الأمر الذي دفع المفوضية إلى فتح باب التسجيل أمام الناخبين في السادس من ديسمبر على أن تستمر العملية لمدة شهرين متتالين.
وألمح المبعوث الدولي غسان سلامة إلى عدم ثقته بتطبيق الاتفاق ، حيث صرح لوسائل الإعلام مؤخرا، بأنه "ينبغي السير في خط متواز مع الاتفاق، والعمل على التجهيز للعملية الانتخابية المقبلة".
وبدأت مراحل توفير الاشتراطات الفنية والأمنية لإتمام الانتخابات ، لإنهاء كافة الأجسام القائمة، والتي هي محل خلاف وانقسام واستقطاب دائم.
تدهور اقتصادي
أثر التخبط السياسي بالسلب على الوضع الاقتصادي في ليبيا فأصابه بمزيد من التدهور، ليفقد الدينار الليبي نصف قيمته أمام العملات الأجنبية في عام 2017.
ولامس سعر الدولار الواحد حاجز العشرة دنانير في السوق الموازية (السوداء) وهو الأعلى له تاريخيا، بينما لايتجاوز سعر صرفه في السوق الرسمي دينارا ونصف الدينار فقط.
وتفاقم الوضع في ظل ندرة الحصول على الدولار وشرائه من المصارف، التي أوقف البنك المركزي صرف مخصصاتها من النقد الأجنبي بعدما تقلصت احتياطياته خلال السنوات الأربع الماضية.
وسجلت ليبيا خسائر خلال تلك السنوات بقيمة تخطت 140 مليار دولار بسبب الإغلاق المتكرر لحقول وموانئ النفط وانخفاض أسعاره في السوق العالمية.
ونقل السياسيون خلافتهم إلى ساحة المعركة المتعلقة بمنصب محافظ البنك المركزي، حيث عين البرلمان الليبي محافظا جديدا لينضم إلى محافظين اثنين آخرين يرأسان البنك المركزي شرقا وغرباً ، وبالتالي اصبحت ليبيا أول بلد في العالم لديه ثلاثة محافظين للبنك المركزي في آن واحد.
واختار البرلمان الليبي محمد الشكري محافظاً جديداً للبنك المركزي، بعدما نال 59 صوتا أمام منافسه أحمد رجب الذي حصل على 44 صوتا.
ويوجد في ليبيا مصرفان مركزيان الأول في العاصمة طرابلس يرأسه الصديق الكبير، ويعترف به المجتمع الدولي وتذهب إليه إيرادات النفط، والثاني في مدينة البيضاء شرق البلاد ، يصفه المجتمع الدولي بـ"البنك المركزي الموازي" رافضا الاعتراف به.
واعتبرت أطراف أن اختيار المحافظ الجديد "خرقا" يضاف إلى عشرات الأخطاء القانونية التي يتعرض لها الاتفاق السياسي، حيث تنص المادة الـ 15 من الاتفاق، على أن المناصب السيادية في ليبيا بما فيها منصب محافظ المركزي يجب أن يتم اختيارها من قبل لجنة مشتركة يمثلها (البرلمان ومجلس الدولة).
وبالتالي لا يمكن للمحافظ الجديد العمل بشكل رسمي واستلام منصبه لحين موافقة مجلس الدولة الأعلى على اختياره من قبل البرلمان.
كل هذه العوامل التي تتفاقم نتائجها السلبية، وضعت الليبيين في مواجهة مباشرة أمام ارتفاع جنوني في الاسعار، في وقت لايتقاضى فيه الموظف الحكومي راتبه بشكل منتظم، ويضطر إلى انتظاره ثلاثة أشهر حتى يجده في حسابه البنكي وقد لايتمكن من صرفه لعدم وجود سيولة نقدية داخل المصارف.
وخلال عام واحد، ارتفعت أسعار العديد من السلع الأساسية، فقفز سعر طبق البيض على سبيل المثال من 6 دنانير إلى 12 دينارا، وسعر كيلوجرام من السكر من دينارين إلى اربعة دنانير ونصف الدينار، فيما ارتفعت أسعار معظم الخضراوات والفواكه بواقع الضعف وبعضها الضعفين.
ودفعت هذه الارتفاعات في الأسعار نتيجة انهيار الدينار، شرائح كبيرة من الأسر الليبية، الى أن تعزف عن شراء كثير من السلع، بعدما كانوا يبتاعونها بالصناديق قبل أعوام قليلة.
وجعل هذا الوضع كثيرين على حافة الفقر، حيث تقدر تقارير دولية ومحلية نسبة من هم تحت خط الفقر بأكثر من 20 % في بلد غني بالنفط لا يتجاوز عدد سكانه 8 ملايين نسمة.
ok