الأمم المتحدة 30 ديسمبر 2017 / إن عام 2017، الذي واجه معه العالم تحديات وتهديدات خطيرة آخذت تكبر ككرة الثلج، شهد أيضا بذل الأمم المتحدة لجهود مضنية في الدفاع عن التعددية في إطار جميع مساعيها لتحقيق الحوكمة العالمية.
-- التعددية تسود
ورغم أن الانفرادية أو الانعزالية دقت ناقوس الخطر خلال العام،إلا أنه من دواعي العزاء أن عددا متزايدا من الدول يدرك أنه ليس بإمكان دولة التغلب على تحديات وتهديدات منقطعة النظير وحدها لأنه، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش"الطبيعة المترابطة للاتجاهات العالمية اليوم تدل بوضوح على أن البلدان لا تستطيع إدارة هذه المخاطر وحدها".
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة في تقرير العمل السنوي الذي قدمه للهيئة العالمية أن "العمل معا هو أكثر الطرق فعالية لمكافحة تغير المناخ والإرهاب العالمي وتهديد الأوبئة الجديدة، وهو السبيل الوحيد لمعالجة عمليات النزوح القسري وتدفقات المهاجرين بطريقة إنسانية".
وعلى مدار العام، حيث واجهت الحوكمة العالمية مرارا ضوضاء مزعجة، كانت هناك دعوة متنامية في أنحاء العالم إلى التعددية.
ويكشف مقال جاء بعنوان "العام الأول من أمريكا أولا: الحوكمة العالمية في عام 2017" ونشر على الموقع الإلكتروني للمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية في 28 ديسمبر، يكشف أنه بعد فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية العام الماضي، تنبأ العديد من الخبراء بأن عام 2017 سيكون "عاما مضطربا للتعاون الدولي".
فمنذ يناير، شهدت سياسات "أمريكا أولا" التي طرحها الرئيس ترامب تخلى الولايات المتحدة عن دورها القيادي العالمي. وذكر المقال "لكن على عكس التوقعات، ظل التعاون متعدد الأطراف حول القضايا الملحة مثل تغير المناخ والهجرة مستمرا، وصعدت دول أخرى إلى مرتبة القيادة".
وأضاف أنه رغم كل الاضطرابات، سجل العالم عدة إنجازات هامة للتعددية إلى جانب الانتكاسات.
وفي معرض إشارته إلى أن أكبر لطمة وجهها ترامب للتعاون الدولي جاءت في يونيو عندما أعلن عزمه سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس بشأن المناخ، قال كاتب المقال إن ردود الفعل الأولى ألمحت إلى أن دولا أخرى قد ترد على نفس الشاكلة وتتنصل عن التزاماتها وتعرقل التقدم الشامل في مجال الحوكمة البيئية.
"ومع ذلك، فإن مؤتمر المناخ، الذي عقد في نوفمبر الماضي في بون وهدف إلى وضع اللمسات الأخيرة على جوانب اتفاق باريس، تكلل بالنجاح. وضمنت الدول المشاركة الحصول على تمويل إضافي للمبادرات المناخية واتفقت على عدة أهداف في مجالات الزراعة،وحقوق السكان الأصليين، والمساواة بين الجنسين في إدارة المناخ".
وأثني كاتب المقال على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستضافته مؤتمرا منفصلا حول المناخ العالمي في ديسمبر الجاري،ما أتاح تمويلات إضافية للوفاء بالتزامات باريس".
وأضاف قائلا إنه "في الوقت الذي أشارت فيه إدارة ترامب إلى عزمها الانسحاب من الاتفاق، قامت العديد من الولايات والمدن والشركات الأمريكية بملء هذا الفراغ، متعهدة بالوفاء بالتزاماتها الخاصة. فالنجاحات التي تحققت في بون وباريس، جنبا إلى جنب الدعم دولي بشبه الإجماع لاتفاق باريس، تشير إلى أن التعاون متعدد الأطراف بشأن تغير المناخ سيستمر دون قيادة الولايات المتحدة، حتى وإن بدت السياسات صعبة".
كما أشاد كاتب المقال بالمجتمع الدولي لتحقيقه نجاحا في التجارة الدولية رغم قرار ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ وتهديده بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا).
وأكد المقال بقوله "أي من الاتفاقيتين لم تمت بعد".
كما حث كاتب المقال المجتمع الدولي إلى تحقيق نجاح في مجالات الهجرة، وعدم الانتشار النووي، ودعم المؤسسات الدولية.
-- تطبيق التعددية والتمسك بها
وخلال الدورة الـ72 للجمعية العامة في سبتمبر الماضي، خرج 196 بيانا من منصة الجمعية العامة. وكانت المرة الأولى منذ 11 عاما التي تلقى فيها جميع الدول الأعضاء والدول المراقبة كلمات في الجمعية العامة.
وكان هناك تأييد ساحق للتعددية في البيانات المتعلقة بتعزيز السلام والوقاية الدوليين، وتسليط الضوء على احتياجات الناس في أنحاء العالم، ودعم اتفاق باريس بشأن المناخ، ومنع المزيد من تصعيد الأزمة النووية في شبه الجزيرة الكورية، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والجرائم السيبرانية، والجرائم العابرة للحدود وما إلى ذلك.
وذكر غوتيريش في تقرير العمل "نحن بحاجة إلى بعث الإيمان بالتعددية والثقة في الأمم المتحدة باعتبارها المكان الذي تستطيع فيه الدول والمجتمع المدني الاتحاد معا لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحا في العالم اليوم".
ومنذ توليه منصبه، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة مرارا تحذيرات، حث فيها جميع الشعوب على الأرض على الالتفات إلى التحديات والتهديدات "غير المسبوقة" التي تواجه البشرية.
ودافع الأمين العام الجديد يوم 3 يناير عن دور الأمم المتحدة باعتبارها "حجر الزاوية" للنهج متعدد الأطراف لحل أسوأ المشكلات التي تؤثر على المجتمع الدولي"، قائلا "علينا أن ندرك أن الحلول العالمية هي وحدها القادرة على معالجة المشكلات العالمية وأن الأمم المتحدة تمثل حجر الزاوية لهذا المنهج متعدد الأطراف ".
ووعد الأمين العام بتعزيز الحوار مع أفراد المنظمة وأصر على أن العمل كفريق هو وحدة القادر على تحقيق أهداف الأمم المتحدة.
وفي الواقع، تعمل هذه الهيئة العالمية يوميا، سعيا للتوصل إلى توافق حول بعض المشكلات الشائكة قبل أن تقوم الدول المعنية بدحرجة الكرة.
ففي عام 2017، دعا مجلس الأمن الدولي إلى انعقاد أكثر من 10 اجتماعات حول جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ومعظمها اجتماعات طارئة.
وربما تجادل أعضاء المجلس للتعبير عن وجهات نظرهم بصراحة أثناء مناقشة تفاصيل قرارات أو بيانات رئاسية، ولكنهم أظهروا، خلال العام، تضامنا ووحدة في تحقيق الهدف النهائي المتمثل في نزع السلاح النووي بشبه الجزيرة الكورية.
ويعد اتفاق باريس بشأن المناخ اتفاقا بارزا آخر بشأن تغير المناخ العالمي عقب بروتوكول كيوتو. فمن أجل الحد من ظاهرة الاحترار العالمي، شاركت جميع الدول تقريبا في العالم في هذا الجهد.
وفي الثامن من نوفمبر، أعلن ممثل سوريا أن بلاده ستوقع على اتفاق باريس بشأن المناخ في أقرب وقت ممكن من أجل الوفاء بوعودها.
وقد أصبحت الولايات المتحدة، التي أعلنت في يونيو انسحابها من هذا الاتفاق، الدولة الوحيدة التي رفضت أن تكون جزءا من عمل جماعي للمجتمع الدولي.
وقد سلط الرئيس الفرنسي ماكرون في مناسبات عدة الضوء على الاعتمادية التبادلية وليس الاستقلال. وأكد أثناء حضوره دورة الجمعية العامة قائلا "إننا مرتبطون ارتباطا وثيقا ببعضنا البعض في مجتمع المصير المشترك" ونتحمل "مسؤولية تجاه كوكبنا"، مضيفا أنه "لا يوجد شئ أكثر فاعلية من التعددية في عالمنا الحالي لأن جميع التحديات التي تواجهنا متعددة: الحرب، والإرهاب، وتغير المناخ، والاقتصاد الرقمي".
واكتسبت الدعوة إلى التعددية زخما على مدى العام. فكل البلدان تقريبا، كبيرة كانت أم صغيرة، تركز جهدها داخل الهيئة العالمية من أجل إيجاد حلول للمشكلات بجميع أنواعها.
فبعض الدول الجزرية، التي تقع ضحية لأعاصير ضخمة قاتلة، صارت في حاجة ماسة إلى تعاون دولي للتصدي للكوارث ذات الصلة باحترار المناخ، وهذا يمثل اعترافا بأن الأمم المتحدة هي وحدها القادرة على تنسيق الإجراءات الدولية.
وقال تويلايبا سايليلي ماليليغاوي رئيس وزراء ساموا، في كلمته أمام المناقشة العامة السنوية الـ72، "نحن، كبلدان جزرية صغيرة في المحيط الهادئ، لم تعد عزلتنا تحمينا"، مضيفا أن "تغير المناخ، شأنه شأن تحديات عالمية أخرى، يعبر الحدود بسهولة تامة. فهو لا يحترم السيادة ولا يميز بين الدول الغنية والفقيرة".
وأضاف أن "عواقبه الوخيمة حقيقية حتى (بالنسبة) لأولئك الذين لا يزالون في حالة إنكار"، داعيا قادة العالم إلى إعطاء الأولوية بشكل جماعي لتنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ.
وحث رئيس الوزراء جميع الدول إلى التعاون من أجل حماية كوكبنا بشكل أفضل من خلال العمل على قلب رجل واحد.
ويعتقد أن النداء المدوي إلى التعددية يشير من ناحية إلى أن هناك المزيد والمزيد من المشكلات العالمية التي تحتاج إلى حل، ويعكس من ناحية أخرى التحول في إنماط تفكير العديد من الدول في التعامل مع التحديات والتهديدات الكبرى.
ومن الواضح أن الدول الأعضاء أدركت هذه القواسم المشتركة عندما أقرت أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 واتفاق باريس بشأن المناخ لعام 2015، وهما إنجازان بارزان أكثر وضوحا في فترة تشهد انقساما صارخا في الاستجابات الدولية للتحديات الأخرى.
-- الصين.. مناصر وداعم قوي
قال نيكولاس روزليني، المنسق المقيم للأمم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الصين، إن الصين رسخت مكانتها كبطل للنمو الشامل والسلام في الأمم المتحدة، حيث تعهدت الدول الأعضاء بـ"عدم إغفال أحد" في خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
ولدى إشارته إلى أن الصين أصبحت أكبر مساهم بقوات وثاني أكبر مساهم بأموال في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ذكر أن الصين تعهدت،من خلال صندوقها الاستئماني الجديد للسلام والتنمية التابع للأمم المتحدة، بتقديم مليار دولار أمريكي لدعم التعاون متعدد الأطراف.
وذكر أن "الصين تتعهد أيضا بزيادة إسهاماتها في نظام الأمم المتحدة للتنمية بمقدار 100 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2020".
وفي الواقع، تأخذ الصين بزمام المبادرة في دعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، حيث خصصت مئات الملايين لدعم الجهود الدولية الرامية إلى الحد من الفقر وتحسين التعليم والصحة. وتتمسك بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها خلال المفاوضات الدولية بشأن المناخ لتنفيذ اتفاق باريس التاريخي والمتابعات الملموسة ذات الصلة به.
وقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ يوم 20 ديسمبر إن العوامل المزعزعة للاستقرار وحالات انعدام الاستقرار على الساحة الدولية آخذة في الازدياد ولا تزال تظهر مشكلات وتحديات جديدة.
وذكرت "نحن على استعداد لبذل جهود متضافرة مع المجتمع الدولي للتصدى بشكل مشترك للتحديات، ودعم السلام ، وتعزيز التنمية".