بقلم/ أبو هارون
لقد زرت الكثير من المدن الصينية خلال إقامتي الطويلة نسبيا بالصين، لكن لا أبالغ إن قلت إن مدينة تشيونغ هاي هي أكثر مدينة أحببتها منذ الوهلة الأولى. تعطيك المدينة منذ أن تصلها شعورا بالألفة وحب الإكتشاف، وتشعر بأنها تمتلك سرّا غامضا يميزها عن بقية المدن.
حاولت خلال زيارتي الخاطفة قدر الإمكان أن أعرف السبب، وعندما سألت أحد الأصدقاء المقيمين بالمدينة، قال لي: "هناك مقولة شائعة، تقول: كُلْ في هايكو، تفسح في سانيا، واسكن في تشيونغ هاي". حينها عرفت أن المشاعر التي غمرتني تجاه هذه المدينة لم تكن مجرد إنطباع فردي، وإنما هي حقيقة أجمع عليها كل من أتى إلى هذه المدينة.
ليست تشيونغ هاي تلك المدينة المتكلّفة، التي تحاول أن تبهر زائرها بعمرانها وأضوائها ورخائها، كما ليست المدينة الفقيرة الخجولة. إنها المدينة التي تريد أن تجذبك إليها ببساطتها الجميلة وروحها العميقة الهادئة. لقد كانت هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها وأنا أغادر هذه المدينة بعد أن مكثت فيها أقل من 24 ساعة.
"جمال البساطة" هو الإنطباع الذي إنتابني عن الفندق الذي بتنا فيه ليلتنا في تشيونغ هاي، ثم أصبح إنطباعا عاما عن المدينة. فندقا قديما نسبيا، يتكون من 4 طوابق، ضيق البهو والدرج والغرف، لكنه مليء بالتحف والأثاث القديم. يتعامل طاقم الفندق مع الزبائن بحفاوة غير مصطنعة، ويسارعون بكل لطف إلى مساعدة الزبائن على حمل الحقائب لصعود الدرج.
يقدم الفندق فطور الصباح في شرفة الطابق الرابع. فطورا طبيعيا، بسيطا، لكنه مغذيا ولذيذا. وليلة في هذا الفندق، قد لا تكلفك أكثر من 60 دولارا، وهو إجمالا يناسب الأشخاص الذين يشعرون بملل حياة المدن العصرية وهواة السفر.
يوجد أمام الفندق معبدا بوذيا صغيرا، هو المعبد الوحيد الذي شاهدته خلال زيارة شملت 4 مدن بمقاطعة هاينان. بُني على ضفاف "نهر وان شيوان"، ثالث أكبر أنهار المقاطعة، ويبدو أن الناس قديما كانوا يصلون لإله النهر، ربما لجلب لبركة وأيضا لكفّ أذى الفيضانات.
لا أدري إن كانت هناك علاقة للروحانية والنهر بهدوء وسكينة المدينة، لكن الناس في تشيونغ هاي يبدون غير عابئين كثيرا بشغف سكان المدن الصينية الثرية "التسباق نحو مراكمة الأموال". سألت إحدى العاملات، لماذا لا تذهب للعمل في المدن الكبرى لجني أموالا أكثر؟ فقالت: "أنا هنا سعيدة وما أجنيه يكفيني، ولا أريد مغادرة تشيونغ هاي". وأعتقد أن مثل هذه الإجابة، قد لا تسمعها كثيرا في مناطق أخرى من الصين.
تُستعمل الدرّاجات النارية بكثافة في المدينة، فهي تقريبا وسيلة المواصلات الأكثر عدد في كل مدن هاينان. وحين خروجي إلى وسط المدينة وعودتي إلى الفندق، أوقفت "موتو تاكسي" (دراجة نارية)، ورغم أن المسافة كانت بعيدة نسبيا، أضف إلى ذلك أنني أجنبي، لكن سائقا الموتو تاكسي لم يطلبا مني سوى بعض اليوانات.
الناس في تشيونغ هاي قنوعين ويعيشون حياتهم على مهل، وإلى حدود الساعة الحادية عشرة ليلا ترى شوارع المدينة مكتظة بالناس، وهذه ظاهرة لم أرها في أغلب المدن الصينية.
تحدثت مع بعض الأشخاص القادمين من مقاطعات أخرى، وأخبروني بأنهم يشعرون براحة كبيرة في العيش بتشيونغ هاي. وأخبرني عجوز متقاعد بأنه قد إنتقل مع جميع زملائه من شانسي للعيش في تشيونغ هاي.
تمتلك شيونغ هاي ثقافة غذائية ثرية ومميزة أيضا، ولديها العديد من الأطباق المشهورة مثل لحم بط جياجي المقطّع白切加积鸭، وطبق السمك المسكّر والحامض甜酸鱼肚، وسمك نهر وان تشيوان بعصير الفواكه果汁万泉河鲤، وجمبري نهر وان تشيوان白灼万泉河虾 وغيرها من الأطباق اللذيذة.