بكين أول نوفمبر 2017 / قال الكتاب الأصفر حول الشرق الأوسط (2016-2017) الصادر مؤخرا في بكين عن معهد بحوث غرب آسيا وإفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، أحد المؤسسات البحثية المرموقة في الصين، إن العالم يمر حاليا بمرحلة عدم يقين، تعد منطقة الشرق الأوسط مثالا نموذجيا لها كظاهرة، حيث لا تزال دول المنطقة تشهد حالة من الاضطرابات وعدم استقرار،على إثرها تتغير المكانة الدولية للولايات المتحدة وتتعدل إستراتيجيتها وتفضى السياسات الدبلوماسية الأمريكية المحبذة للانسحاب إلى تدهور الأوضاع بالمنطقة.
-- الولايات المتحدة... تفقد زمام المبادرة في منظومة الشرق الأوسط
وأشار الكتاب إلى أنه بعد ستة أعوام من الاضطرابات في غرب آسيا وشمال إفريقيا، ثمة تغيرات تطرأ على النظام الأساسي في منطقة الشرق الأوسط ، حيث تشهد المنظومة الشرق أوسطية التي سيطرت عليها الولايات المتحدة لعدة عقود تآكلا شديدا، ويتطور النظام الإقليمي بخطى سريعة من نظام أحادي القطب إلى آخر متعدد الأقطاب، ويشهد دور مختلف القوى التي تلعب دورا رئيسيا في شؤون المنطقة تغيرات كبيرة.
وأوضح أن أوجه التنافس بين الدول الكبرى في الشرق الأوسط تحمل ملامح جديدة تنحصر في أربع نقاط وهي:
أولا، بروز نقطة رئيسية تتمثل في غياب الدور القيادي للولايات المتحدة، إذ يتطور نظام الشرق الأوسط من وضع الهيمنة الأمريكية إلى "الشرق الأوسط الجديد في حقبة ما بعد أمريكا"، ولا يمكن في الواقع الاستهانة بتأثير التراجع النسبي للنفوذ الأمريكي في المنطقة.
ثانيا، ظهور وضع جديد في التنافس بين الدول الكبرى يتمثل في تراجع دور الغرب وصعود دور الشرق وتضاؤل النفوذ الأمريكي وتزايد الوجود الروسي،إذ يتجه الوضع المتمثل في هيمنة الغرب على الشرق الأوسط في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والأيديولوجية، إلى التحول تدريجيا بعد الحرب الباردة، وهو تحول تواجه معه حملات التغريب صعوبات وعراقيل في المنطقة ويجذب معه النموذجان الصيني والروسي الانتباه على نحو أكبر.
ثالثا، صعود هيكل ثنائي القطب في نظام الشرق الأوسط كسمة انتقالية خلال عملية تطوره من نظام أحادي القطب إلى آخر متعدد الأقطاب، إذ ينشأ في الوقت الحاضر تنافسا حادا بين الولايات المتحدة وروسيا حول سير الحرب الأهلية بسوريا ونتائجها.
رابعا، بروز حضور متزايد للدول الآسيوية في الشرق الأوسط، إذ يجرى تدريجيا تشكل علاقات إستراتيجية جديدة بين الدول الآسيوية ودول المنطقة.
-- سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط ... "محور واحد ونقطتان أساسيتان"
واستنادا إلى أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأفكاره تجاه الشرق الأوسط منذ توليه منصبه، يتوقع الكتاب الأصفر قيام ترامب الذي ينتهج سياسة تتمثل في "أمريكا أولا" بـ"تصحيح" سياسة الرئيس السابق باراك أوباما في الشرق الأوسط،" ومواصلة تنفيذ التحول الإستراتيجي في ظل التراجع النسبي للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط .
وأفاد الكتاب بأن ترامب لا يهتم بوجه عام اهتماما كبيرا بمنطقة الشرق الأوسط، ولا تحتل المنطقة مرتبة عالية في إستراتيجية ترامب العالمية. وفي الحقيقة، مازالت سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط تمضى بشكل أساسي على خطى سياسة إدارة أوباما ولم تتبدل كثيرا، وتتمثل في سياسة الانسحاب التدريجي من المنطقة، وهي سياسة تعني أن الولايات المتحدة لا ترغب في التوغل في صراعات الشرق الأوسط باستهلاك الموارد الأمريكية حيث يدرك كلا من ترامب وأوباما أن الشعب الأمريكي لا يريد التورط في قضايا المنطقة عسكريا بشكل أعمق.
وأضاف أنه في إطار الانسحاب التدريجي الأمريكي، تتمثل سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط في "محور واحد ونقطتين أساسيتين"، حيث يركز "محور واحد" على الأمن القومي للتصدى للتهديدات الكبيرة والعاجلة التي يواجهها الأمن والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وهذا يعكس بدوره مبدأ "أمريكا أولا". أما بالنسبة لـ"النقطتين الأساسيتين"، فأولهما مكافحة التطرف والإرهاب، وثانيهما الحد من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة والحيلولة دون امتلاك هذه الدولة أسلحة نووية.
-- الدبلوماسية الروسية القوية تجاه الشرق الأوسط ... تحتمل التغيير
ولفت الكتاب إلى أنه منذ بدء التقلبات في المنطقة، وخاصة اندلاع الأزمة السورية، إنخرطت روسيا بصورة أكثر نشاطا في شؤون الشرق الأوسط وطرحت الكثير من البرامج والآراء البناءة واتخذت العديد من السياسات والإجراءات الواقعية، وهي خطوات تساعد على دفع حل قضايا المنطقة إلى حد ما وتبرهن على المكانة الدولة الكبرى لروسيا. لكن السياسة الدبلوماسية الروسية القوية تجاه الشرق الأوسط تواجه تحديات ضخمة تتمثل فيما يلي:
أولا، إن روسيا كانت تأمل في التخلص من العزلة التي تعيشها بعد الأزمة الأوكرانية، عبر النتائج الإيجابية الواعدة التي تحققت في مجال مكافحة الإرهاب عقب تدخل روسيا في الأزمة السورية بالوسائل العسكرية. ولكن هذا الهدف لم يتحقق بشكل كامل مع استمرار الدول الغربية في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا.
ثانيا، إن المخاوف الأمنية المباشرة التي تواجهها دول المنطقة بدأت تختفي تدريجيا بعدما ضعفت شوكة جماعات إرهابية مثل تنظيم داعش وتغيرت نتيجة لذلك طريقة تعاطي العالم مع الأزمة السورية، وبالتالي سيفقد الجانبان الأمريكي والروسي أساس التعاون في القضية السورية.
ثالثا، إن الولايات المتحدة قد تتجه إلى تعديل سياستها الدبلوماسية بالعودة إلى الشرق الأوسط في ظل التحديات الشديدة التي يواجهها دورها القيادي في المنطقة، وهذا قد يؤدى بدوره إلى تغير السياسة الدبلوماسية الروسية القوية إلى حد ما.
-- النمو الاقتصادي لدول المنطقة...توقعات بتسارعه في عام 2018
ويتوقع الكتاب تسارع النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط بشكل عام في عام 2018 حيث سيتحسن وضع ميزان المدفوعات والموازنة بين الدخل والإنفاق للبلدان المصدرة والمستوردة للنفط في الشرق الأوسط حيث يتوقع ارتفاع نسبة الفائض في الحسابات الجارية للدول المصدرة للنفط فى إجمالي الناتج المحلي إلى 0.6 في المائة، وانخفاض نسبة العجز المالي إلى 3.1 في المائة. وفي عام 2017، ستنخفض نسبة العجز في الحسابات الجارية للدول المستوردة للنفط بالمنطقة فى إجمالي الناتج المحلي إلى 4.3 في المائة وتنخفض نسبة العجز المالي إلى 5.9 في المائة.
يذكر أن صندوق النقد الدولي قد توقع ارتفاع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي فى الدول المصدرة للنفط بالمنطقة إلى 2.9 في المائة في عام 2018، حيث سيبلغ معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لدول مجلس التعاون الخليجي 2.5 في المائة، فيما يصل معدل نمو إجمالي الناتج المحلي للدول الأخرى المصدرة للنفط إلى 3.4 في المائة. وفضلا عن ذلك، سيرتفع معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للدول المستوردة للنفط بالمنطقة إلى 4.4 في المائة.
ومع ذلك، ألمح الكتاب الأصفر إلى أنه رغم قيام دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط بوضع خطة لتنويع اقتصاداتها، باعتبار ذلك هدفا مهما لتنميتها الاقتصادية ، إلا أن حالة الاعتماد المفرط على موارد أو عائدات النفط والغاز لم تتغير، ولا يزال تغير إيرادات النفط يشكل أهم العوامل الخارجية التي تؤثر على النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط . وفي عام 2017، لا يزال اتجاه تغير أسعار النفط الدولية يواجه حالة عدم يقين، حيث من المحتمل أن تقوم العديد من الدول المصدرة الهامة في المنطقة، نيابة عن أعضاء أوبك،بخفض إنتاج النفط وهذا سيفرض بدوره ضغوطا جديدة على نمو إيرادات النفط لدى الدول المنتجة للنفط والتنمية الاقتصادية بالمنطقة.